سطور
السيد نجم كم من الكتاب والأدباء ماتوا كمدا، لعل أشهرهم هيمنجواي الذي خرق رأسه برصاصة وانتحر، كما أبقر أحدهم بطنه في اليابان بسيف أجداده، وأحرق آخر نفسه مطالبا بالعدل والديمقراطية، أما الكاتب الأسعد حظا فهو الكاتب الذي يعاني، وهو واقف على قدميه، من الاكتئاب!يلاحظ المتابع أن كثيرين ممن تعاطوا الأدب والشعر وأدمنوا الكلمة، يصابون في صمت بتلك الحالة المرضية، وعلى درجات متفاوتة. وتختلف درجة استقبال الكاتب لتلك الحالة: منهم من يدعي أنها من الأمور الطبيعية، ويجد في الحديث عن أعراضها، متعة التلذذ بالألم. ومنهم من يرفض البوح بها ظناً منه أنه يتألم ويعاني من جراء ما يعي ويفهم، وهذا قدره مع فرط وعيه. ومنهم من يذهب إلى الطبيب النفسي في صمت، ولا يخبر غيره، ولا حتى زوجته. ومنهم من يعلم أنه يعاني، ولا يعلم أنه الاكتئاب الذي يجب عليه مواجهته بالذهاب إلى الطبيب النفسي، فيذهب إلى محاولة الانتحار، وقد ينجح ويرصد تلك اللحظات الأخيرة من مقتله أو موته، كما فعل الكاتب المصري (رجاء عليش)، فور الانتهاء من روايته “كلهم أعدائي”. ثم من يسعده الحظ أو القدر أو أن يلطف به الله، فتفشل محاولة انتحاره، ويعود ربما أكثر إيجابية إلى الحياة بعد إنقاذه.• ترى لماذا يعد الكتاب أكثر الفئات انتحارا؟لا توجد إحصاءات متوافرة للإعلان عن جوانب الصورة بصفة عامة في العالم، إلا أننا نعلم أن أعلى نسبة انتحار في العالم، هي بين فئة الشباب في البلاد الاسكندنافية (السويد - الدينمارك - هولاندا). وهناك نسبة غير قليلة بين المنتحرين ومدمني الخمور وغيرها، في أوروبا وأميركا من الفنانين عموما في شتى الفنون.المتابع يتأكد من اتساع ظاهرة الإصابة بدرجة من درجات الاكتئاب عند كثيرين ممن يتعاطون الأدب والكلمة. ولم تقتصر الأعراض على بعض كبار السن ممن يقال إن المعاناة الحياتية وقهرها اليومي الطويل لعب دوره، بل هناك من شباب الأدباء يعانون من الظاهرة نفسها، ويشاركون في الظاهرة. وهو ما يثير السؤال حتما عن الأسباب؟!بداية.. فالكاتب الأديب أو الشاعر أو المفكر، يملكون ملكات خاصة هي في الأصل ضرورية، حتى تشكلوا هكذا داخل دائرة الفكر والإبداع، منها: الحساسية المفرطة، والنزعة إلى التأمل والتحليل، والرغبة في اقتحام الغامض والمغلق، ومحاولة استشراف المستقبل.. وغيرها. وكلها تجعل منه جهازا للاستقبال شديدة الحساسية والرصد.ليأتي الواقع المعاش.. وهو ما يدخل ضمن جوانب حياته المعيشية، وتوفير ضرورات إقامة حياة أسرية مستقرة، ويدخل ضمن المشاركة بفاعليه ترضيه، وتكفي التعبير عن آرائه وأفكاره، ثم تأتي تلك المؤشرات والشواهد والأحداث التي تدور من حوله، سواء كانت في الشارع أو على شاشة التلفاز، وهي بالتحديد الأحداث الجارية من حوله محلياً وعربياً وعالمياً.وأخيراً.. تكون النتائج التي هي مقال أو قصة أو قصيدة، وغيرها للتعبير كمحاولة للبحث عن حلول أو محاولة للمشاركة في الهم/الهموم العامة.وعلى قدر إحساسه بفاعلية ما يخطه (حسبما يعتقد من آراء ووسائل) تكون درجة النجاح أو الإحباط.ظاهرة الاكتئاب إذن، وعلى درجاتها، تبدو شديدة الوطأة إذا ألمت بكاتب شاب، كما تبدو غير منطقية ولا مبررة مع شيخ عجوز نهل من الزمن وأعطى، ولم يتحقق له ما يريد.ربما يمكن إجمال أسباب الظاهرة في عدد من الأسباب: عدم توافق الحلم والأماني الشخصية مع معطيات الواقع ماديا وأدبيا للكاتب. وهي غالباً ما تتصل بالكتاب الشباب وممن هم في منتصف العمر. أما الإحساس بالقهر المادي والأدبي أو الإحساس باللاجدوى في واقع عالمي تغلب عليه قيم القوة الطاغية، والعدوان، ومحاولات الهيمنة وقهر الآخر، مع تحلل مفاهيم احترام القيم العليا والثوابت، وضياع قيم العدل والحق.لأن الكاتب يعيش أفكاره ويتمنى تحقيق أحلامه، بينما الواقع المعاش، قاهر على المستوى الفردي والجمعي، ولأنه أكثر حساسية عن غيره، ثم يشعر بعدم الجدوى نظرا للمحبطات المتتالية، فلا نتيجة إلا «الاكتئاب»، وعلى درجات متفاوتة، ولا يبقى سوى الوعي بها. ربما يمكن تلافيها!