القاهرة/ 14 أكتوبر / عبدالرحيم الليثي:أكد المشاركون بندوة (المواطنة المصرية في عصر العولمة) والتي عقدت بالقاهرة مؤخراً أن المواطنة في أبسط صورها تعبر عن مجموعة من الناس يرتبطون بأرض معينة يعيشون عليها بثقافة مشتركة تعرض عليهم واجبات محددة، تكون في الغالب قديمة قدم علاقة الارتباط الذي تقوم عليه العلاقة، ومن ثم تعرفها مختلف الحضارات الإنسانية.وأشاروا إلى أن مفهوم المواطنة الحديث ارتبط بظهور ما يسمي بالدولة القومية، التي ولدت في القارة الأوروبية في القرن السابع عشر الميلادي، حيث جاءت هذه الدولة لتنظيم شكل للعلاقة بين الأفراد والحكومة يختلف عما كان سائداً في عصور الإمبراطوريات المختلفة، تقوم فيه هذه العلاقة علي أساس نظريات العقد الاجتماعي.وأوضحوا في الندوة التي أقيمت بالمجلس الأعلي للثقافة المصرية أن الأمة الإسلامية في حاجة إلى وضع مفهوم معاصر للمواطنة يمكن التكيف من خلاله مع التغيرات العولمية التي زادت في حدتها في الآونة الأخيرة، شريطة أن يكون هذا المفهوم بعيداًً لا يخضع لآثار عولمة الثقافة.وأكد د. محمد سكران أستاذ أصول التربية أن المواطنة حركة نضالية، حيث يظل الإنسان يكافح حتى يصل إلى حقه مع الجماعة، وفي سبيل الوصول إلي هذا الحق قد تختلف الطرق التي يسلكها الأفراد للوصول إلى حقوقهم، والتي عرفت فيما بعد بحق المواطنة.وأشار إلى أن المفهوم الحديث للمواطنة ارتبط بظهور ما يسمي بالدولة القومية في أوروبا بالقرن السابع عشر، وهو نموذج يختلف عن الدولة الإمبراطورية والتي يعد من أهم خصائصها التنوع، أما الدولة القومية فهي دولة متجانسة وأفرادها مواطنون وليسوا رعايا كما في الإمبراطورية، لذلك يمكن ربط المواطنة بالدولة القومية،هذا المفهوم التقليدي للمواطنة من أهم ملامحه أنه قانوني بالدرجة الأولى أي أنه مفهوم سياسي يفرض مجموعة من الحقوق والواجبات علي المواطن الذي يتمتع بها.وقال: إنه وفقاً لهذا المفهوم التقليدي، يعتبر المواطن جزءا من البعد السياسي، فهو يشارك في كل شيء في الدولة، ولكن هذا المصطلح ظل يفرض نفسه حتي الحرب العالمية الثانية، إلا أن ما حدث في الربع الأخير من القرن العشرين أدى إلى ضرورة البحث عن مفهوم أكثر تحديداً لمعنى المواطنة، حيث إنه عصر التحديات والتداخلات والذي تتعلم فيه الأجيال اللاحقة من السابقة وبالعكس، وهو عصر المتناقضات والذي يزداد فيه الأغنياء في نفس الوقت الذي يزداد فيه الفقراء والمعدمون وهو غير مفهوم الرؤية المستقبلية وتتهاوى فيه الكثير من القيم والمعتقدات والنظم والأفكار وهو عصر النهايات والمنفيات والمابعديات فهو عصر غريب.وأضاف: كل هذه الأمور المعقدة تعبر عن عصر «ما بعد الحداثة» وعصر اللامطلقات والسيولة الفكرية والتحليل الفكري، الذي تنهار فيه الثوابت ومنها مفهوم الوطن بعد أن اخترقت الحدود، وجاءت التغيرات السياسية والاقتصادية لتؤثر علي الثقافة والمفاهيم الثقافية غير أن الشعب يتأثر بالثقافة الوافدة، لأن هناك اختراقاً ثقافياً وهذه التغيرات أصبحت تهدد الكثير من المفاهيم، والتي يعيش فيها المواطن ليستهلك ما بعد الحداثة، كما أن عشرات التغيرات وضعت مفهوم المواطنة في حرج شديد وبات من الضروري وضع مفهوم حديث ومعاصر يأخذ في اعتباره كل هذه التغيرات، ويتجاوز المفاهيم الدستورية ويتعامل مع الأفراد كمواطنين أو دوليين، ووفق هذا الفهم هناك تغييرات تفرض التعامل مع هذا التغير الحديث.وأكد أن الأمة في حاجة إلى مفهوم معاصر يمكنه التكيف مع هذه التغيرات، ولا يخضع لعولمة الثقافة لأنه لكل مجتمع ظروفه ومتغيراته وهذا لا يمنع من التعامل مع الآخرين، وهذا المفهوم الحديث الذي طرح في عدد من الكتابات، لابد أن تتوافر فيه عدة أبعاد منها البعد الإنساني والبعد التنموي، وكذلك البعد العالمي بمعني توافر مواطنة عالمية تحقق العدل بين الجميع، كما أنه من الضروري أن يكون متعدد الأبعاد والعلاقات.وأوضح أنه لا توجد مواطنة ديمقراطية كما أنه لا توجد مواطنة بدون حرية وأن هناك فرقاً بين الحرية والديمقراطية ففي الحرية يكون الفرد هو متخذ القرار بمفرده وفق تصوره، أما الديمقراطية فتعني أن يكون للفرد الحق في المشاركة في اتخاذ القرار دون الانفراد به، ولكن في كل الأحوال ترتبط المواطنة بالحرية والديمقراطية.وأشار إلي أن المواطنة الكاملة تفرض التمتع بالحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في إطار من المساواة دون النظر إلي أي فروق سواء في الدين أم الجنس أم اللون أم الحالة المادية وإقرار المساواة بين كل المواطنين في الحقوق والواجبات وتعميق الإحساس بالهوية وفي عصر العولمة التي تنشد ثقافة القطر الواحد، مطالباً بضرورة تعميق الإحساس بالأرض ومفهوم الانتماء الذي لن يأتي بالأناشيد والغناء، وإنما يأتي عندما يشعر الفرد بحصوله علي حقه، ومن هنا يقدم واجباته، فالمشكلة الحالية تتمثل في أن الشباب قد اهتزت لديه صورة الانتماء، ولكن ذلك الانتماء قد يضعف لظروف معينة لكنه لا يضيع.[c1]مساواة تامة[/c]أما الباحث المصري هاني لبيب فقال: إن المواطنة تعني المساواة التامة في كل شيء وهي الكلمة التي يتحدث عنها الجميع في كل وقت، وهي ببساطة تنفي أي تمييز بين الأفراد والمهم أن يكون الشخص منتمياً إلي القطر الذي يعيش فيه، كما أنها تعني تمكن الفرد من المشاركة في صنع القرار ومتابعته وتحمل إيجابياته وسلبياته وفي ظل العولمة لابد أن تأخذ في اعتبارها القيم الاجتماعية والثوابت الثقافية وثوابت الأمة خاصة في ظل التطورات التي نعيشها الآن من عولمة أثرت علي كل المجالات الحياتية، ويفرض مفهوم المواطنة بجناحية العولمي والعالمي علي الفرد أن تكون لديه العديد من الضروريات مثل المساواة والتعامل مع باقي الأفراد.وأضاف: في عصر التحديات الذي نعيش فيه إن كانت العولمة هي منطقة القوة للدول العظمي فقد أصبحت منطقة الضعف أو المساهلة للدول النامية أو المتوسطة، وقد أعطيت مساحة في الوقت الحالي للمجتمع المدني فظهرت جمعيات لجميع المجالات في مصر وقد جاء هذا كتطور فكري بشكل إيجابي ولكن توظيفها قد يختلف البعض عليه، وهذه الجمعيات تحصل علي تمويل من الدول الأجنبية سواء الأمريكية أو الأوروبية أو الآسيوية لكنها تعمل في اتجاهات مختلفة ومن بين أجندة العولمة نري هذه الجميعات تتحدث عن حقوق الإنسان وهذا تطور ملحوظ في العمل الميداني في مصر.[c1]حقوق الإنسان[/c]وأكد لبيب أن جمعيات حقوق الإنسان ركزت علي الحريات الدينية، كما أن الولايات المتحدة الأمريكية تقوم بعمل تقارير سنوية حول الحريات الدينية في معظم دول العالم، وقد جاءت آخر ثلاثة تقارير بمفاجأة صادمة لأمريكا حيث إنها كشفت عن أن إسرائيل هي أسوأ دول العالم في جانب الحريات الدينية.وأشار إلى أن جمعيات حقوق الإنسان أدت دوراً إيجابياً وفعالاً في المجتمع المصري حيث خرج إلي النور مجلس حقوق الإنسان، كما تم وضع المواطنة في المادة الأولى في الدستور المصري وهذا معناه أن بداية الدستور تتحدث عن المواطن وهو ما أدى إلي مناقشة العديد من القوانين التي تختلف مع حق المواطنة حتى لا تتعارض القوانين مع الدستور ومن هذه القوانين قانون الطوارئ وقانون الإرهاب وقانون الطفل لذلك عندما يتم إعداد أي قانون سيتم مواجهته بالدستور وعند تعارضه فإن الدستور هو الذي يغلب ويتم رفض القانون.وخلص إلي أنه يرفض القول بأن المواطنة ضد العولمة، لأنه لا تناقض بين المفهومين وإذا تم التطبيق بشكل صحيح، فلن يكون هناك أي تعارض بينهما، فكل فرد يحب أن يحصل علي حقوقه، ولكن البعض لا يرغب في إعطاء الآخرين حقوقهم، والحلقة المفقودة التي ترتب عليها الصراع بين المواطنة والعولمة هي عدم وجود إحساس بالمصلحة العامة حيث إن كل فرد يبحث عن مصلحته الشخصية ولا ينظر للمصلحة العامة.