سطور
الدكتور / الخضر عبدالله حنشل يعد المذهب الشيعي من أقدم المذاهب السياسية التي عرفها العرب، فقد ظهرت بذوره الأولى في آخر عهد الخليفة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - ونما وترعرع في عهد الخليفة علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- فقد كان علي يتمتع بخصال حميدة ومواهب جليلة منها العلم والدين والورع فضلاً عن الشجاعة ، كل هذه الخصال جعلت بعض الناس “ المتشيعون” يعجبون به ، ويحبونه حباً جماً ، ولما قتل اشتد حزنهم وزاد الحزن اضعافاً مضاعفة حيث قتل أولاده في عهد الدولة الأموية وبعدئذ تبلور الفكر الشيعي واتخذ منهجاً فلسفياً سياسياً يقوم على المغالاة في حب علي - رضي الله عنه- وذريته. والواقع إن فكر الشيعة قد نبت في بلاد العراق وفارس ، وهي من الأقاليم التي تعد ملتقى لحضارات قديمة ، إذ فيها علوم الفرس والكلدانيين وفلسفة اليونان وأفكار الهنود ، وكان من الطبيعي أن ينشأ هذا الفكر في هذه البيئة المزدحمة بالآراء والمعتقدات ، والأهواء والنحل العجيبة وهذا ما يفسر سبب ظهور الفكر الشيعي في بلاد العراق وفارس من دون أن يظهر في بلاد الجزيرة العربية. وقد أرجح العلماء والمفكرون آراء الشيعة وأفكارها الفلسفية إلى مصادرها الأصلية في سياق تاريخي واضح ، حيث ذهب الشعبي ، وابن حزم الظاهري إلى القول إن المذهب الشيعي استقى من اليهودية بعض مبادئه ، حيث قال الشعبي :” الشيعة يهود هذه الأمة” وقال ابن حزم “ سار هؤلاء الشيعة في سبيل اليهود القائلين إن إلياس - عليه السلام- وفنحاس ابن العازار بن هارون - عليه السلام - حيان إلى اليوم” وقد سلك بعض العلماء الأوروبيين مسلك الشعبي من اليهودية ، ودليلهم في ذلك عبدالله بن سبأ اليهودي الذي اظهر الإسلام ، واضمر العداوة للمسلمين وهو أول من دعا إلى تقديس علي بن أبي طالب - رضي الله عنه- حيث اخذ ينشر بين الناس سمومه وأفكاره الحاقدة مدعياً انه وجد في التوراة أن لكل نبي وحياً ، وان علياً وصي محمد ، وانه خير الأوصياء كما كان محمد خير الأنبياء ، قائلاً : عجبت لمن يقول برجعة المسيح عيسى ، ولم يقل برجعة محمد ، ولقد هم علي رضي الله عنه - بقتل ابن سبأ غير أن عبدالله بن عباس قال له - إن قتلته اختلف عليك أصحابك ، وأنت عازم على العودة لقتال أهل الشام ، فنفاه إلى المدائن. وعندما قتل علي بن أبي طالب استغل ابن سبأ محبة الناس لعلي فراح ينشر الأكاذيب حول موته قائلاً : أن علياً لم يقتل بل المقتول كان شيطاناً تصور لنا في صورته وأما علي فقد صعد إلى السماء كما صعد إليها عيسى ابن مريم - عليه السلام- ثم قال ابن سبأ إن الرعد صوت علي ، والبرق تبسمه ومن سمع من الشيعيين صوت الرعد يقول : السلام عليك يا أمير المؤمنين ، وتمادى ابن سبأ في فحشه وكذبه حتى قال للناس لو جئتمونا بدماغ علي في صرة لم نصدق موته ، فهو لا يموت حتى ينزل من السماء ويملك الأرض بحذافيرها وفي المقابل ذهب كثير من العلماء الأوروبيين ورجال الفقه الإسلامي ، إلى القول إن أصل المذهب الشيعي نزعة فارسية ، لان الفرس يدينون بالملك وبالوراثة في البيت المالك ، ولا يعرفون معنى الانتخاب للخليفة ، والشواهد على ذلك معروفه في تاريخ فارس منذ عهد كسرى حتى اليوم ، وقد بلور الشيعة هذا الفكر في الناحية السياسية ، وخاصة مسألة الإمام فلما مات الرسول الأعظم صلوات ربي وسلامه عليه ، لم يترك ولداً ، وكان في نظرهم اولى الناس بعده ابن عمه علي بن أبي طالب ، فمن اخذ الخلافة كأبي بكر وعمر وعثمان فقد اغتصب الخلافة من مستحقها ، وهذه الرؤية تعد تجسيداً لنظرة الفرس إلى الملك ، فهم ينظرون إليه نظرة تقديس ، وعلى ذلك نظر الشيعة إلى علي وذريته نظرة تقديس ، وقالوا أن طاعة الإمام واجبة وطاعته طاعة الله - جل جلاله. والحق أن الرأي القائل إن المذهب الشيعي قد اخذ أصله الفكري من الفلسفة الفارسية هو الجدير بالتأييد ، لأسباب عدة منها أن العرب في جاهليتهم قبل الإسلام كانوا يدينون بالحرية والمشاورة في الحكم كما قص القرآن الكريم عن نظام الحكم السائد في عهد الملكة بلقيس بأنه يقوم على الشورى ومع أن العرب قد عرفوا ايضاً نظام القبيلة كوحدة اجتماعية واحدة بما فيها من عيوب - فإنهم لم يلاقوا تقديس الحاكم والمصادر التاريخية تؤكد ذلك فالمعارضة السياسية كانت على أشدها بين الصعاليك وقبائلهم أما الفكر الفارسي فهو على النقيض من الفكر العربي القديم حيث أن الفرس يضعون الحاكم في منزله لا تطالها المعارضة وانه يأمر بأمر الله وهذا ما نادى به الشيعة الاثنا عشرية تحت مسمى “ عصمة الإمام “ وما يعضد كلامي هذا أن المذهب الشيعي يعتنقه أهل إيران ، ومن اقتفى أثرهم من أهل الأهواء في العراق ولبنان ، وسوريا وبعض أهل اليمن وهي سلسلة ممتدة أصلها يقع خارج نطاق المنطقة العربية ، ولا شك من أن الدين الإسلامي الحنيف بريء من هذا الفكر الفلسفي الفارسي بدليل أن الله تعالى قد أكمل الدين وأتم النعمة حيث قال تعالى “ اليوم أكملت لكم دينكم ...” . ومن ثم فلا عصمة لبشر مهما كان إلا للرسول ولا دليل صريح على عصمة غير الأنبياء ولان الرسول قد بلغ رسالة ربه ، كما أن نظام الحكم في الإسلام شوروي ، وهذا ما قرره القران الكريم حيث قال تعالى “ وأمرهم شورى بينهم “ وقال تعالى “ وشاورهم في الأمر...”.