أمين عبدالله إبراهيمنجحت العديد من دول العالم في تخفيض معدلات النمو السكاني والخصوبة فيها من خلال تفعيل وتطبيق “اللامركزية” بكافة أبعادها، وتأتي فلسفة دمج وتطبيق اللامركزية في السياسات السكانية من أن الأقاليم (المحافظات) المختلفة داخل الدولة الواحدة تتسم بالكثير من الفوارق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، كما أنها تختلف في خصائصها السكانية.فمن خلال استعراض دور اللامركزية في تفعيل السياسات السكانية في كل من الهند واندونيسيا، تبين أنه تم تطبيق اللامركزية في هاتين الدولتين - بحكم القانون والهيكل السياسي والإداري والمالي - في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية، وهذا الأمر انسحب بطبيعة الحال على السياسات السكانية في كل منهما.ففي الهند، وضعت السياسة السكانية القومية لعام 2000م العديد من الأهداف الاجتماعية والديموغرافية الإستراتيجية لتحقيقها بحلول عام 2010 من خلال عدد من الإستراتيجيات التشغيلية، من أهم هذه الأهداف : لا مركزة تخطيط وتنفيذ البرامج، وتضييق الفجوة في تقديم الخدمات بين القرى، وذلك من خلال تفعيل الدور الهام للمجالس القروية المنتخبة، التي قامت بوضع الخطط الاجتماعية والديموغرافية على مستوى القرية.وقد تم صياغة سياسة سكانية لكل ولاية في الهند، تضمنت العديد من العناصر هي : الالتزام السياسي الداعم، وضوح الأهداف والرسالة، تضمين الأهداف التنموية والديموغرافية، الخطط التنفيذية، ومشاركة أصحاب المصلحة والقطاع الخاص والمجتمع المدني. وذلك بما يتفق مع التباين في مستويات التنمية الإقليمية والموارد المتوافرة ومعدلات الزيادة السكانية في كل ولاية، وقد أثمرت السياسة السكانية الهندية في انخفاض معدل الإنجاب الكلي من4.8 إلى (3) وانخفاض معدل نمو السكان من 2.3% 1.6% ، وذلك خلال الفترة من (1980 - 1985م) إلى وبالنسبة لاندونيسيا، فإنه طبقاً للقانون الاندونيسي رقم (10) لسنة 1992م بشأن التنمية السكانية والأسرة السعيدة، فقد أكد أن تنفيذ السياسات السكانية يتم على المستوى القومي والمستويات الإقليمية المحلية.وقد قامت الحكومة الاندونيسية باتخاذ العديد من الإجراءات الهامة لتفعيل اللامركزية في تنفيذ السياسات السكانية على مستوى الأقاليم المحلية والقرى، من أهمها : إدماج برامج تنظيم الأسرة ضمن خط التنمية لاندونيسيا، والتطوير المؤسسي المستمر من خلال إنشاء العديد من المؤسسات الداعمة للسياسة السكانية، تفعيل دور رواد الرأي وكبار الشخصيات المؤثرة في القرى لدعم برامج تنظيم الأسرة، والبدء بنماذج تجريبية تتوسع بعد ذلك في حالة نجاحها، وإنشاء مراكز لتوزيع وسائل تنظيم الأسرة في كافة المناطق الريفية، وتصميم برامج استهدافية تركز على السيدات في فئة عمرية معينة، بالإضافة إلى تدشين العديد من البرامج ذات الصلة ببرنامج تنظيم الأسرة، مثل : برامج تحسين تغذية الأسرة، وبرامج توليد الدخول، وبرامج للتأمين بالاشتراك مع شركات تأمين خاصة، ودعم القطاع الخاص لبرامج تنظيم الأسرة من خلال توفير موانع الحمل بأسعار منخفضة، وإلزام الشركات والمصانع بتقديم خدمات تنظيم الأسرة للنساء العاملات.ونتيجة لذلك، حققت برامج السياسة السكانية في اندونيسيا العديد من النجاحات، حيث انخفض معدل نمو السكان من 2.3% خلال الفترة 1971 - 1980م، إلى 1.2% خلال الفترة من 2000 - 2005م، كما حدث انخفاض ملموس في معدلات الخصوبة، وارتفع متوسط عمر المواطن الاندونيسي.وإذا ما أتينا للحديث عن تجربة بلادنا اليمن في مجال لامركزة السياسات السكانية سنجد أنها ما تزال في بداية الطريق للوصول إلى ما وصلت إليه تلك الدولتين وغيرها من الدول الأخرى الناجحة في مجال العمل السكاني والتي استطاعت السيطرة على معدلات النمو السكاني والخصوبة وبالتالي التخفيف من وطأة وحجم المشكلة السكانية بمختلف جوانبها وأبعادها وتأثيراتها وسلبياتها، وباعتقادي إن إنشاء وتكوين 16 لجنة تنسيق للأنشطة السكانية في 16 محافظة من محافظات الجمهورية اليمنية يعد أولى الخطوات العملية الصحيحة باتجاه تفعيل وتطبيق لامركزية تنفيذ السياسة الوطنية للسكان وبرامج عملها المختلفة وبالتالي ضمان تحقيق أهدافها المرسومة بما يؤدي إلى كبح جماح هذه الزيادة السكانية الكبيرة والمتسارعة التي تشهدها بلادنا وصولاً إلى تحسين نوعية حياة الإنسان اليمني وضمان العيش الطيب له.وبما أن هناك إيمان راسخ من قبل القيادة السياسية والحكومة في بلادنا بأهمية وضرورة تطبيق وتعزيز اللامركزية وتفعيل دور المحليات في شتى المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية لمواجهة مشكلات المواطنين وهمومهم، فإن التصدي للمشكلة السكانية على المستوى الإداري الأدنى (المراكز، المدن، القرى) سوف يسهم بشكل كبير نحو تحقيق الغايات والأهداف السكانية والتنموية المنشودة.
أهمية اللامركزية في تفعيل السياسات السكانية
أخبار متعلقة