الباحث في اطروحته «صورة الآخر في الكتب المدرسية اليمنية» ..د. مبارك سالمين:
الباحث/ مبارك سالمين اثناء مناقشة الدكتوراة في جامعة صنعاء
أجرى اللقاء/ عبدالله الضراسيكعادته في كل محافل تواجده كان أديبنا الشاعر الكبير الأستاذ مبارك سالمين مبارك (المدرس بقسم علم الاجتماع بجامعة عدن بمثابة (علامة نجاح فارقة) ويثير حضوره أكثر من تساؤل (ثقافي وفكري) ومثلما كانت بدايته (الأدبية الشابة) منذ أكثر من ثلاثة عقود كأحد الأحصنة الإبداعية (في رهان السبق) مع كوكبة أدبية ناعمة (هيثم / عبدالرحمن إبراهيم/ شوقي شفيق/ حبيب سروري/ حمزة هب الريح..) لهذا كان ومازال (جذوة ثقافية متقدة) وحضوراً متألقاً وصاحب (صوت وحنجرة شعرية) تعد امتداداً لمدرسة الشاعر الكبير العملاق (الأستاذ عبدالرحمن فخري). لهذا فقد أثارت حلقة نقاش رسالة أطروحة الدكتوراه (بكلية آداب جامعة صنعاء) حضوراً نقاشياً وعلمياً متميزاً (حصدت) معه رسالته العلمية الموسومة (صورة الآخر في الكتب المدرسية اليمنية) تقدير أمتياز مع مرتبة الشرف وكذا التوصية بطباعة رسالة الدكتوراه (على نفقة) جامعة صنعاء والعمل على تبادلها مع بقية الجامعات يمنية وعربية تقديراً منها لثرائها العلمي الرفيع.[c1]وعورة موضوع الدراسة والبحث[/c]= بداية دكتور مبارك سالمين مبارك ألا تتفقون معنا في أنكم اخترتم موضوعاً للدراسة والبحث يتسم (بفضاءات) مليئة (بالوعورة) البحثية المضنية؟- فعلاً عندما اخترت موضوع (صورة الآخر في الكتب المدرسية اليمنية) للدراسة والبحث كأطروحة لنيل درجة الدكتوراه من قسم علم الاجتماع بكلية آداب جامعة صنعاء كنت كباحث على علم بمدى (وعورته) بدءاً من المسالك النظرية التي تحيط به وانتهاء باشكالته المصطلحات وآليات المنهج والقراءة لكنه الحرص على أن نحاول الخوض في أسئلة التغير الاجتماعي المعاصرة فسؤال الآخر أصبح من الأسئلة الملحة على مختلف المستويات سؤال يمتد من سؤال النهضة نحو سؤال المستقبل سؤال التنمية سؤال يلقي بظلاله اليوم على مختلف وسائل الإعلام والاتصال والعلاقات الدولية ومسائل الحرب والسلم وفي أنماط التربية وفي المدرسة.وقد أوضحنا في سياق أطروحتنا ونقاش الدكتوراه إننا لا (ندعي) بهذه الدراسة قدرتنا على محاصرة السؤال في جميع ميادينه لأنها وحسب عنوانها فأنها (معنية) بدرجة رئيسية بسؤال (الآخر) في المدرسة وتحديداً في الكتب المدرسية كجزء هام من عناصر العملية التعليمية وعلى وجه الخصوص كتب مادة التاريخ.ولهذا تنطلق الدراسة من أن التغير الاجتماعي والتطور العلمي يشهدان أن الدراسة كجزء من نسق التعليم لم تعد تمثل المؤسسة التي فيها (تتخلف) إنسانية الانسان بل هي حسب تعبير (بيير بورديو) مكان لنقل الثقافة السائدة ومكان إنتاج التدابير الثقافية اللامتكافئة وبالتالي تدابير إعادة إنتاج النظام القائم (مرجع أنصار 1992م حتى 167)وهذا يعني بصورة ما إنها لم تعد كذلك المؤسسة التي تهدف إلى إعداد المواطن المدني الذي يعترف بأهمية الحوار مع الآخر والاعتراف به.والمناهج والكتب في معظمها لا تعد المتعلم بصورة كافية تسمح له بالتكيف مع المعارف الجديدة والتغيرات المتلاحقة التي تشهدها الساحة العالمية وهي على المستويين العربي واليمني قد ضعف فيها روح التجديد والتغيير الذي يتطلبه العصر ولذلك فإن دراستها وتقويمها بشكل تحليلي نقدي وإعادة قراءتها وإصلاح اختلالاتها تعد ضرورة بحثية لامناص منها كما إنها خطوة هامة على طريق الاهتمام بالعملية التعليمية والعمل على تطويرها. والبحث والتقصي عن صورة الآخر في الكتب المدرسية يندرج في صميم عملية التطوير والحديث ذلك لأنه تناول البحث بدرجة رئيسية الأصول الفلسفية والثقافية والاجتماعية للتربية والأساسى الفكري والثقافي الذي تبنى عليه المناهج والكتب المدرسية.[c1]البحث في صورة الآخر مدرسياً؟[/c]
لجنة إجازة الاطروحة
= في ضوء ما تقدم منهاجياً لماذا البحث عن صورة الآخر مدرسياً؟- لماذا تكمن في أن (البحث) هو لدرء خطر الجمود والأفكار الجاهزة والعقائد الجامدة وكذا التنميط الذي يسيطر على تصوراتنا تجاه الآخر وكذا (المحاولة)لتبيان الموقف الإنساني للثقافة العربية والإسلامية التي تأبى أن تؤكد على التسامح وأيضاً التعايش مع الآخر المختلف في جميع مراحل تطورها وبمعنى آخر فإن هذه الدراسة تزعم أنها تحاول أن تتخلص من رعب أسئلة التربية الكثيرة والمتنوعة من خلال الخوض عميقاً في ربط عملية التربية بالثقافة عموماً والتأكيد على دور المدرسة الرئيسي في النهوض بأعباء هذه العملية.وإنطلاقاً من كون المدرسة هي المسؤولة عن تكوين المتعلمين لأفكارهم حول صورة الذات والآخر ولأن المناهج المدرسية هي آلية التكوين تلك ومع تعاظم الاهتمام المحلي والإقليمي والدولي بقضية المناهج الدراسية في البلدان العربية والإسلامية لاسيما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م في نيويورك وواشنطن بالولايات المتحدة الأمريكية وظهور العديد من الدراسات العربية والغربية التي تطرح وبصورة ملحة ضرورة إعادة النظر في مضامين هذه المناهج وفلسفتها استناذاً إلى الطرح الذي يدعي بأن المناهج في البلدان العربية والإسلامية هي مناهج للتعبئة الجهادية ضد الآخر وتكريس مشاعر العداء نحوه أي أنها مناهج لا تعلم التسامح والقبول بالآخر وتحض على كراهية الغرب ونشر ثقافة العنف وهو طرح سابق لأحداث سبتمبر غير أن توقيت أحداث سبتمبر اختصر الطريق لأمريكا لتكرس (العولمة) في مجال اضطهاد الشعوب الأخرى وبالذات الشعوب العربية والإسلامية اقتصادياً وثقافياً وهو عمل تراكمي ليس وليد اللحظة.والبحث في صورة الآخر في الكتب المدرسية هو أيضاً بحث في هذه القوالب ومرجعيات منتجيها بحث في وثائق المناهج التي أقرت كمنطلقات لصياغة الكتب المدرسية كمتون فكرية وثقافية ومعرفية أراد لها المشروع أو صاحب القرار أو المهيمن الفكري على السلطة التربوية أي كان أن تعبر عن فلسفة ما وأراد لها في نفس الوقت أن تعبر عن صورة (الأنا) و(الآخر) على هذا النحو أو ذاك فصورة الآخر التي ترسمها الذات لا تقوم عضوياً ولا ترتسم في خلو عن كل تصميم أو سبق تقدير أنها عكس ما يبدو اويتوهم لا تكون نتيجة المشاهدة والاتصال بل هي ثمرة وعي ومعرفة سابقين (مرجع العلوي 1995 حتى 12).وقد تبدو تجليات صورة الآخر في الكتب المدرسية غامضة أو مستترة بعض الشيء أو مغلفة بشيء من إدعاء الحياد والموضوعية أو أن مرآها (لا يبصر العين) في كتب المواد العلمية (كالرياضيات والكيمياء والفيزياء) لكنها قد لا تكون كذلك بالتأكيد في كتب التربية الدينية والتاريخ ومختارات القراءة وهي من أهم الدروس في العالم العربي تقريباً لأنها وعلى وجه التحديد يمكن أن نطلق عليها (دروساً صراعية) يدور حولها الرحى رحى العملية التربوية والتعليمية برمتها...[c1]تحديد صورة الآخر تاريخياً[/c]= ما تقدم من معطيات لماذا صورة الآخر في كتب التاريخ تحديداً؟- السبب في ذلك أن مادة التاريخ (تمثل) مصدراً رئيسياً (لإثراء) مكتسبات التلاميذ والطلاب من الناحية المعرفية والاجتماعية والأخلاقية كما هي حسب مقدمة كتاب مادة التاريخ للصف الخامس لمرحلة التعليم الأساسي في آخر طبعة له (1425 هجرية/ 2005م) وهو كتاب السنة الأولى التي تدرس فيها مادة التاريخ في المدرسة اليمنية لتنمية المهارات واكتساب المعرفة والقيم التي تسهم في النمو المتكامل لكل جوانب الشخصية وهي مادة غايتها تنمية شعور التلاميذ والطلاب بالانتماء إلى مجموعة بشرية ما وأن لهذه المجموعة تاريخاً عريقاً وثقافة أثرت في التاريخ العام للبشرية وقد حرصت كل دول العالم على إدراج مادة التاريخ ضمن المواد الدراسية لمختلف المستويات من الابتدائي وحتى الجامعة.حيث تدرس مادة التاريخ (وبالذات تاريخ اليمن) كمتطلب جامعي في كثير من التخصصات في الجامعات اليمنية.ولفظة التاريخ لدينا نحن العرب توحي في كثير من الأحيان (ربما بسبب ارتباطها بعلم الحديث في الانظمه التعليمية القديمة) بالثوابت التي يجب أن لا تمس ولاتنا قش لأن محتواها هو منتهى الصواب والموضوعية أي تاريخ كان حتى تاريخ الشعر الجاهلي لهذا ما أن (أنبرى) لدراسته وتمحيصه الأديب والكاتب العربي الكبير الراحل و(عميد الأدباء العرب) بروح الأديب والباحث والناقد مستخدماً (مذهب الشك المنهجي) عند (رينيه ديكارت) بصدد كتابه (في الشعر الجاهلي) بغية (اختبار) مدى صحة انتساب الشعر الجاهلي لعصر ما قبل الإسلام من (عدمه أو صحة) انتساب الشاعر (أمرؤالقيس) لليمن من عدمه هادفاً إلى أن لا يذهب مذهب من أغلق باب الاجتهاد مشككاً في صدقية الرواة حتى قامت الدنيا عليه ولم تقعد حتى يومنا هذا ووصفه بعضهم (بالمارق) وبأنه صاحب أسلوب (خبيث) وحوكم بسبب هذا الكتاب وكذلك شأن العلامة (ابن خلدون) صاحب المقدمة الشهيرة والذي نقد من سبقه من المؤرخين حيث ورد في مقدمته (وكثيراً ما وقع للمؤرخين والمفسرين وأئمة النقل المغالط في الحكايات والوقائع لاعتمادهم فيها على مجرد النقل غثاً أو سميناً لم يعرضوها على أصولها ولا قاسوها بأشباهها ولا سبروها بمعيار الحكمة والوقوف على طبائع الكائنات وتحكيم النظر والبصرة في الأخبار فضلوا عن الحق وتاهوا في بيداء الوهم والغلط) مرجع ابن خلدون 1981ص 7.وابن خلدون الذي استطاع أن يتمثل نتائج عصره الفكري والسياسي وتمكن في تاريخيه من الابتعاد عن التطورات والتأملات الميتافيزيقية الغيبية التي وقع فيها الكثيرون لمن سبقوه وكذا م من تلوه (مرجع الطيب تيزيني حتى ص 391).كما إن مادة التاريخ بالنسبة لأي شعب تعتبر مادة نموذجية للتعمق في علاقة هذا الشعب وتاريخه وثقافته بتاريخ وثقافة الشعوب والأمم الأخرى وبالنسبة لنا كعرب ومسلمين فأن درس التاريخ لدينا لا يخلو من علاقتنا بالعرب وغير المسلمين (الفرنجة والنصارى) والصليبيين أمريكا اليهود) الآخر بصوره المتعددة ومراحله المختلفة غير أن هذه العلاقة كثيراً ما تقع أسيرة للترفع والتعالي أسيرة للماضي للانتصارات والهزائم للحروب وما نتج عنها وما دون حولها للتاريخ المليء بالدم والنعرات القومية ودروس التاريخ في معظمها ميل إلى تذكر الفردوس تذكراً يجعل كتب التاريخ حسب (الباحث الاستراتيجي لمركز الأهرام بمصر) السيد ياسين (زاخرة بالتأكيد بالأنا المفتخرة) وهو الأمر الذي يؤدي غالباً إلى عدم الالتفات إلى أي صوت مختلف يدعو إلى الحوار مع الآخر أو تأمله أو النظر في تحولات مواقفه من تلك الحروب إلى يومنا هذا وما زال التلاميذ والطلاب (القبارصة) على سبيل المثال (لا يدرسون في التاريخ إلا ما يعمق الفرقة والعداوة بين الأتراك وإخوانهم اليونانيين والعكس أيضاً) والكتب المدرسية الأمريكية لا تتحدث عن جذور الصراع التاريخي العربي/الإسرائيلي إلا من وجهة النظر الصهيونية التي لا تذكر إلا ما يؤجج الكراهية والتجاهل للشعب العربي الفلسطيني.[c1]فرضيات الدراسة[/c]= ما هي الفرضيات التي تحاول الدراسة الاقتراب منها؟- تحاول الدراسة أن تركز اهتمامها على كونها محاولة للاقتراب من بعض الأسئلة في إطار (الوعي الاجتماعي والثقافي والتربوي) في إطار بحث علمي يلتزم قدر الإمكان بالموضوعية وقواعد البحث العلمي ليصل إلى استنتاجات ومقترحات يمكن أن تسهم في مساعدة متخدي القرار في إجراء التعديلات اللازمة للمناهج الدراسية وذلك من خلال القيام بعملية قرائية نوعية لما يتعلق بصورة الآخر في الكتب المدرسية اليمنية ولعل من أهم القيام بعملية قرائية نوعية لما يتعلق بصورة الآخر في الكتب المدرسية ولعل من أهم هذه الأسئلة التي حاولت الدراسة الاقتراب منها هي (هل نحن والآخر في وئام أم صراع؟وهل صورته في وعينا حقيقية وموضوعية،أم إنها مولدة وقصدية خاضعة لاعتبارات ثقافية ما،وإذا كانت كذلك ما هو أثر هذا(التشوه) على وعينا وعلاقتنا بالآخر؟وهي في مجملها أسئلة مغيَّبة إلى حد كبير في الأدبيات التربوية والثقافية اليمنية بوجه خاص وأسئلة محورية في عالم الاجتماع والثقافة كما تبرز أهمية الدراسة في كونها تمثل مواجهة حقيقية مع الذات لأن البحث عن صورة الآخر لابد أن يتضمن بحثاً في (الأنا) وأل(نحن) بالضرورة وبحثاً فيما هو مشترك بين الحضارات الإنسانية.وأخيراً فإن دراسة صورة الآخر في الكتب المدرسية مسألة- دون شك- في تبيان الرؤية المشوهة والمتطرفة والقراءات غير الصحيحة تجاه الآخر (إن وجدت) واستبدالها برؤية متوازنة وموضوعية تقوم على التكافؤ والشراكة والتعاون والعدل،وتعزز مساهمة المدرسة اليمنية في تشكيل عقلية ونفسية وسلوك التلاميذ والطلاب بقيم التسامح والحوار مع الآخرين مهما كانت درجة الاختلاف.