تترد على مسامعنا دوماً أسماء نسمعها كأي أسماء.. ولكن هناك أسماء تبقى خالدة حتى رحيلها. إن الرحيل المؤبد لا يعني نسيان لمن نحتوا أسمائهم في صخور الألم والكفاح بحثاً عن مستقبل أفضل وحصاد زرعوه في ماضيهم المليء بالفخر والنجاح فأستاذي الفاضل وخالي العزيز المرحوم/ أحمد عبدالله درعان خريج معهد الموسيقى عازف كمان في روسيا قد رحل تاركاً خلفه هموم وأحزان لمن عشق كلمته ولحنه وفكرته – فقد انقطع عن العمل في عام 1986م إثر ظروف صحية ولم يعد للعمل لكن رغم عدم رجوعه للعمل لم يزده إلا عزم وإصرار على متابعة مشوار حياته بين أصدقائه وزملاء عمله فقد عمل في مركز حنبلة للتوثيق كباحث موسيقى وشارك في أكثر من فعالية لأعياد اليمن بعدد من الألحان المميزة التي نالت إعجاب الكثيرين وكان للمنتدى باهيصمي ومنتدى رضوان ومنتدى با سويد بجميع الملتقيات الأدبية دور بارز حيث كان في تلك الأماكن يبحث عن شيء يبعد مآبه – فقد كانت الورق هي همه الوحيد والحديث عن منجزات الفن اليمني والألوان الغنائية ولا تخلوا أوراقه من ذكر الفنانة أمل كعدل وفضل كريدي وطه فارع وبن شامخ والسلامي جميعهم كانوا بمثابة نهر يشرب منه دون تردد.. إن الحياة بالنسبة له كانت بمثابة شيء يبحث عنه في كل مكان فقد صنع من المر حلاوة ومن البكاء فرحة ومن الصدق الحقائق والدلائل على كل ما يدور في أفكاره المليئة بالتدبر والتأمل في كل صوت عصفور جميل كل لحن عذب كان الإحساس فيه روح وماتت روحه وبقى إحساسه في بقايا أوراق ومعاني ذكرى لرحيل ذاك وهذا وتلك هذه – إنه العبقري كما أسميته الذي عندما أتحدث إليه يغلبني دوماً بالحديث، ذلك لأن خبرته في الحياة علمته إن الحياة ليست كلمة واحدة إنما بعقل واحد ذلك العبقري هي أحرف مقسمة يتأمل في حرفها وقتاً من الزمن، ولا أنسى كلماته عندما مات أحد الفنانين عندما قال.. لا يعترف بقدرات الفنان وإنجازاته إلا بعد رحيله ويقال فلان كان كذا وما عمل فلان لا يقدر بثمن فقاطعته وسألته لماذا؟ قال لا يشعر المرء بقيمة الشيء إلا بعد فقدانه.. الآن شعرت بفقدانك يا خالي شعرت بكلماتك وإحساسك وسأفتقدك كثيراً وسأفتقد لمقالاتك التي تأخذ رأيي بها وأقرأها لاختار لك عنوان أو بالأحرى لتمتحني وترى مستواي الفكري ذلك لابد مخيلته غير منحصرة في زاوية وإنما حد غير محدود وفكر كبير ومحدود. إن أحرفه المائلة على سطر هي من تحضر الآن بعد فقدانه فقد كان محباً لغيره ذات قلب صافي وعيون بريئة ومات شهيد بحادث مؤلم فقد تألمنا جميعاً وحزنا حزناً عميقاً، صحيح إن تلك مشيئة الله وقدرته هو وحده له الخاتمة وإليه الأمر وهو مدبره يحيي ويميت وإليه مصيرنا جميعاً رحمة الله على خالي أحمد رحمة بعدد الخلائق وقطرات المطر ورمال الأرض والأوراق والأشجار بعدد أحرف القرآن وكل كلمة طيبة تخرج من لسان الإنسان رحمة الله عليك وأسأله. أسأل الله الحليم أن يصبرنا جميعاً ويثبت قلوبنا جميعاً وجعل منزله في الجنة مع الشهداء والصالحين- أختم حديثي هذا بعبارات وجدتها في أوراق خالي فشعرت برغبتي في كتابتها الآن فقد كتبها الفقيد أحمد درعان في أربعينية الأديب والشاعر والكاتب الصحفي محمد حمود أحمد جاء منها :(( لم يكن أول لقاء لنا مع اللذين رحلوا عنا ولكن ما يحزن الكثير ذلك اللقاء الأول والأخير (( الرحيل إلى المكان الأخير )) وفي أربعينية الفقيد محمد حمود أحمد هذا الإنسان الذي لا يمكن أن يكون يوماً قد نسي أحداً من الزملاء إلا وذهب للاطمئنان على صحته..هكذا أو ربما.. قلت في نفسي بأنني سوف أكون (( هنا )) هذه تعني الرحيل إلى مكان آخر فماذا لو ذهبت قبله أو ذهب قبلي.. فكلنا سنذهب وسنترك الهواء والمطر والرياح والشمس والإعصار.. سنترك الليل والنهار بحثاً من نور يضمنا بحنان سرمدي ويدان مبسوطتان كريمتان تمتد في ساعة الحلم الأزلي لنا.. يداك إلى حلمنا ذاك..هكذا حدثت نفسي بأنني سوف أكون (هنا) فماذا لو ذهب قبلي أو ذهبت قبله؟ فالموت يقترب منا جميعاً ويأكل قليلاً من العمر بعد عناء ومشقة وألم ثم.. نفترق..))سماح رياض علي ملهيابنة أخت الفقيد
|
ثقافة
أحمد درعان.. الفنان والإنسان
أخبار متعلقة