أمير القصة القصيرة
إعداد : أثمار علي هاشمصادف مطلع هذا الشهر (1 / 8 / 2007م) الذكرى السابعة عشرة لرحيل القاص العربي المصري د/يوسف إدريس والذي يعد واحداً من أعمدة الصرح الثقافي العربي كما أنه من أشهر الأطباء الذين تركوا الطب ليمتهنوا الأدب ، ومثلما كانت مهنته كطبيب تقتضي منه مداواة الآلام العضوية للناس فإن قصصه كانت تداوي آلامهم النفسية وتعبر عنهم باختياره مواضيع عن حياة الإنسان العربي المهمش مشعلاً بذلك ثورة فنية وإبداعية في عالم القصة القصيرة رافضاً كل ما من شأنه أن يحد من حرية الإنسان في الكتابة مستحقاً بذلك لقب أمير القصة القصيرة.ولد يوسف إدريس في 19 مايو 1927م في قرية البيروم بمحافظة الشرقية في مصر لأسرة متوسطة من المزارعين كانت تضم عدداً من المتعلمين الأزهريين وتلقى دراسته في المدارس الحكومية وبعد إنهاء الثانوية العامة ألتحق بجامعة القاهرة لدراسة الطب ويتخرج فيها عام 1951 م.كما حصل كذلك على دبلوم الأمراض النفسية ودبلوم الصحة العامة وعمل في المستشفيات الحكومية وكانت مفتشاً صحياً في الدرب الأحمر الذي يعد واحداً من الأحياء الشعبية القاهرية.[c1]يوسف إدريس والقصة [/c]بدأ يوسف إدريس بنشر قصصه عام 1950م في مجلة القصة ثم تابع نشر قصصه في مجلة روز اليوسف وجريدة المصري حيث جذبت قصصه الانتباه إلى أن أسمه سيصبح من الأسماء اللامعة في مجال القصة القصيرة وذلك استناداً على عدة اعتبارات عدة من بينها أنه كان غزير الثقافة ، واسع الاطلاع يصعب تحديد مصدر ثقافته وتأثره بثقافة أو فكر معين أكثر من غيره فلقد أطلع على الأدب العالمي وخاصة الروسي كما قرأ لكتاب انجليز وفرنسيين إضافة إلى قراءاته للأدب الآسيوي والياباني والكوري ، إلا أن ما يؤخذ عليه في هذا الشأن عدم تعمقه بشكل كبير بتراث الأدب وإن كان أطلع على بعضٍ منه.كذلك هناك جانب آخر أسهم في جعل قصصه تلفت الأنظار يتمثل في أن عمله كطبيب كان يحتم عليه أن يتعامل مع كافة شرائح المجتمع من المرضى ويتعرف عليهم عن قرب أكثر في لحظات ضعفهم (مرضهم) الأمر الذي جعل منه وهو الأديب أن يكون أكثر تأثراً وتحسساً لمعاناة الآخرين وقرباً من وجدانهم ومن ثم أصبحت قصصه تتسم بالواقعية لأنه أخذ يصور الحياة اليومية للناس وخاصة للمهمشين من طبقات المجتمع ، وكان الحوار الذي يعد ركناً مهماً من أركان القصة عنده يمثل جزءاً من التطور الدرامي للشخصيات فيكتب بلغة سهلة وبسيطة إن لم تكن عامية فكانت شخوص قصصه من البسطاء الذين يصارعون من أجل الصمود أمام مشاق الحياة حيث لا يمكن للغة الفصحى أن تعبر عنه.كذلك من ضمن الأشياء التي أترث في أدب يوسف إدريس أنه عاصر جملة من التحولات التي عاشها المجتمع المصري بدءاً من ثورة يوليو 1952م والقضاء على الملكية ونكسة 1967م ثم نصر 1973م وما أعقب ذلك من تحولات في المجالات كافة التي شهدها المجتمع فكان أدبه معبراً عن كل مرحلة من تلك المراحل وكان يعمد إلى التكثيف والتركيز في قصصه لأنه يعتبر الإيجار في القصة القصيرة من أهم الخصائص الأسلوبية التي على الكاتب أن يناضل من أجل تحقيقها.[c1]أزمة الإبداع تراود الأديب[/c]يقال إن هناك أزمة إبداعية وفنية سيطرت على حياة يوسف إدريس حتى إنها بدت كأنها شكل من أشكال الانهيار الفني والفكري له وذلك بعد أن توقف عن العطاء منذ أواخر السبعينات حتى أوائل الثمانينات وكان أبرز مظاهر الأزمة لديه في ممارسته لكتابة المقال في الصحف والدوريات وكرس وقته للصحافة لمعالجة أزمة الحرية والحياة الاقتصادية والاجتماعية وتوقفه عن كتابة القصة ووصف النقاد لمقالاته في الصحف بأنها مقالات قصصيه فهي مقالة وليست بالمقالة وقصة وليست بالقصة ، إلا أن أحداً لا يستطيع أن ينكر المكانة التي وصل إليهما قاصنا الذي ترجمت أعماله إلى (24) لغة عالمياً كما أنه يعتبر أول من رسخ وثبت الأقصوصة في العالم العربي ونقلها من المحلية إلى العالمية.[c1]وفاة يوسف إدريس [/c]توفي يوسف إدريس في أغسطس 1991م بعد أن حقق لنفسه مكاناً في القصة القصيرة يصعب أن ينازعه أحد عليها حتى وصف بأنه الوريث الشرعي للمدرسة الحديثة إذ حمل أهم قيمها ودافع عنها خلال إبداعاته وسجلاته الفكرية وحصد خلال حياته عدداً من الجوائز منها جائزة عبد الناصر في الأدب عام 1969م وجائزة صدام حسين للأدب عام 1988م وجائزة الدولة التقديرية (مصر) عام 1990م.رحل يوسف إدريس عن عالمنا مخلفاً وراءه عشرين مجموعة قصصيه وخمس روايات وعشر مسرحيات وأخرجت السينما المصرية من أعماله الإبداعية (11) فيلماً منها (النداهة) و (ورق سيلوفان) المأخوذ من مجموعته (بيت من لحم) من أشهر قصصه القصيرة (حادثة شرف) ، (آخر الدنيا) ، (أرخص الليالي) ، أما أعماله المسرحية فمنها (ملك القطن) ، (جمهورية فرحان) ، ( المخططين) والتي تناقش بأسلوب الفنتازيا كيف تتحول الأفكار الثورية إلى نظام شمولي بعيد عن الديمقراطية ومن ضمن اعمله الروائية (العيب) ، (الحرام) ، (البيضاء) وهي رواية تمثل الصراع بين الغرب والشرق ، بين الشمال والجنوب ، بين التفكير العقلاني والتفكير العاطفي.وبذلك يكون يوسف إدريس استطاع أن يخلق أقصوصة عربية بلغة قريبة من لغة الإنسان العادي ناقلاً إياها من برجها العاجي إلى لغة التخاطب اليومي.