روحه عورة ما معه إلا عين والعين الثاني أكله الذبين هذه كلمات من أهزوجة يمنية شعبية مشهورة جدا يلجأ إلى ترديدها المشتغلون في الاعمال الشاقة الذين يكدون لكسب إلمال بيد لتأخذه الحياة باليد الأخرى ..هذه الأهزوجة محط إهتمام زميلنا الراحل علي القاضي وهاجس دار في رأسه ليسطر كلماتها ويلقيها لي قائلا : جميل أن يردد الإنسان مثل هذه الاغاني والاهازيج التي ترفع من الروح المعنوية وترفه عن النفس لتملأها نشاطا وتحفزها لعمل .. كم هو جميل ان يمتلك مجتمعنا اليمني مثل هذه الاهازيج التي تعكس الحالة الإنسانية التي يعيشها الفرد. وهكذا هي الاغاني واحدة من مكونات الوجدان الوطني والوجدان إلانساني للبشر . وفي بلادنا كانت الاغنية ولازالت تشكل وجدان الطفل والشاب والمرأة بروح الانتماء للمكان وللزمان وللحياة .وكما كانت هذه الأهزوجة هاجس زميلنا علي القاضي رحمه الله ، كانت الاغنية والأهازيج الشعبية اليمنية حاضرة بين سطور الاستاذ فيصل الصوفي في إحدى مقالاته حين قال : نحن شعب نغني في مواسم الحصاد والاعياد الدينية والوطنية ، وعندما نزف أبناءنا وبناتنا إلى مسكن الزوجية .للفلاحين أهازيجهم وأغانيهم التي تجسد عشقهم للوادي والمزرعة والجبل والشجرة والمطر وفي هذا الاطار تعد الاغنية مكونا رئيسياً ليس فقط لوجدانهم الانساني تجاه بعضهم البعض ولكن لوجدانهم الوطني تجاه الوطن والارض .في المدارس يغني الاطفال فيحبون مدارسهم ، وفي البحريغني الصيادون فيحبون العمل ويعشقون البحر وفي الافراح كذلك تغني النساء وأيضا في جبهات القتال تلعب الاغاني والموسيقى العسكرية دورا كبيرا في إلهاب حماس الجنود وتعزز وجدانهم الوطني .وفي حاضرنا أثبتت الدراسات العلمية أن الموسيقى والاغنية تروضان النفس وتهدئان الاعصاب وتنميان السكينة عند الإنسان والذكاء عند الأطفال. قد تضحكون حين أقول ان هذه الأبحاث انطبقت على قططي الصغيرة التي لاتلبث ان تهدأ وتخفف من حركتها المزعجة التي تسبب لي المتاعب حين اقوم بالاستماع إلى الموسيقى الكلاسيكية مما يدل على ان الاغاني تلعب دورا فعليا في التهدئة وترويض النفس .الاغاني تملا فضاءات أنفسنا فسحة من النور والامل والبهجة وتملا قلوبنا حبا تجاه وطننا وحياتنا ، فإذا كانت حياتنا خالية من هذه الفضاءات وهذه اللمسات التي نحتاج إليها سنتحول إلى كائنات إسمنتية لاروح فيها ، وستنكون قساة قلوب بل مجرمين ومتوحشين ! إذا لماذا كل هذه الفوضى والضجيج الذي أثاره بعض خطباء المساجد المتشددين وبعض المتطرفين حول مجئ الفنانة اصالة ، بل أن الأمر وصل الى درجة التهديد بقتلها لأنها ستغني في عدن وستطرب الناس وستخلق جوا من السرور والصفاء في النفوس والقلوب .ليس من حق هؤلاء الذين يدعون إلى مصادرة حق الانسان في التعبير عن وجدانه الانساني بالطريقة التي يريدها ان يحرموا ويحللوا بإسم الدين ما ليس من الدين .من حقنا ان نغني ونفرح ونبتسم .من حقنا ان نستمتع بهذه الحياة التي خلقها الله لأجل الإنسان .ومن واجبنا أن نشكر اصالة لأنها جاءت لكي تصنع الابتسامة والفرح إلانساني ولم تأت لتشارك في صناعة الموت والكراهية وسفك الدماء على نحو ما يفعله الذين يكرهونها وهددوا بقتلها إن هي جاءت الى عدن التي سبق لها إن إستقبلت منذ الخمسينات وحتى الآن كواكب مضيئة في سماء الفن والموسيقى .
الموسيقى والغناء روح الحياة
أخبار متعلقة