صعدة القديمة
مهند خالد المرشد / تصوير/ حسين القحيشي :تعتبر صعدة من أهم المدن التاريخية .إذ لا تزال محافظة على تراثها الحضاري وطابع بنائها المعماري الفريد الذي جعلها بحق لؤلؤ فريدة في التراث الحضاري لليمن السعيد اختطها الهادي بن الحسين عاصمة لدولته في القرن الثالث الهجري فتحولت إلى السهل بعد أن كانت تقع على جبل .....تملص وحبل اظفر شرق المدينة الحالية ..اشتهرت بصناعة السيوف (الصعدية أو الصاعدية) وكانت موضع الدباغة في الجاهلية الجهلاء. قال عنها أبو الحسن الهمداني إنها من مواضع النياحة على الموتى إلى جانب الجوف و خيوان.ربما لكثرة الصراعات و النزاعات التي لازمتها في فترات التاريخ المختلفة ........ وما نجم عن ذالك الصراع والنزاع من ضحايا ونواح.كانت صعدة في العصر الحميري قاعدة عسكرية للدولة الحميرية التي وصلت جيوشها إلى آسيا الوسطى وأخضعت الصين والهند . ورفدت التاريخ بالكثير من حملت السيف وأرباب القلم من نشوان الحميري إلى السمح بن مالك الخولاني وابوالحسن الهمداني وغيرهم كثير....وفي العصر الإسلامي كانت لقبائل صعدة همدان بن زيد وخولان بن عامر دور في الصراعات السياسية نهاية الخلافة الراشدة وبداية الدولة الأموية .تمتاز صعده بتنوعها التضاريسي وبالتالي تنوعها المناخي وتنوع محاصيلها الزراعية حيث تنتج العنب والتفاح والبرتقال والرمان والحبوب بأنواعها مما جعلها بحق سلة الغذاء بلا منازع...[c1]مدينه التناقضات[/c]قد تبتسم ابتسامه عريضة جدا وأنت على مشارف مدينة صعده حين تقرا على احد اللوحات المنصوبة في مدخل المدينة .. ( مرحبا بكم في مدينة السلام )... وقد تقهقه بشكل هستيري وتقع على قفاك حين ترى أثار طلقات ناريه أسفل اللوحة .......وستعتقد جازما حينها أن إطلاق هذه التسمية ماهو إلا من باب تشبيه الضد بالضد. على غرار تسمية الأعمى بالبصير..لكنك حينما تمعن النظر في صعده وتاريخ صعده.. وتدرك حجم التناقضات والتباينات التي تعايشت على ثرى هذه الأرض المعطاءة لفترات طويلة من الزمن ........ستعلم حينها مقدار الخطأ الذي وقعت فيه ..... فعلى مرمى حجر من مدينة صعده . في دماج تحديدا الواقعة إلى الجنوب من المدينة بمسافة تقدر ب 10 كيلومتر تقريبا ...أشرقت أنوار الفكر السلفي . بعد أن أسس الشيخ مقبل الوادعي رحمه الله..دارا للحديث فيها لا يزال مقصدا لطلاب العلم من جميع أنحاء اليمن.. بل ومن خارج اليمن..؟؟؟وفي الشمال من مدينة صعده في ضحيان 20كيلو متر تقريبا.. (ومثل ما بين الشمال والجنوب من تضاد .).كان هناك منهلا أخرا للفكر الإسلامي بأيدلوجيه مغايرة بعض الشيء ..مثل امتدادا طبيعيا للزبدية الهادويه التي خطها الإمام الهادي بن الحسين مع وجود بعض نقاط الاختلاف بينهما .....هذا بالإضافة إلى تناقضات أخرى كثيرة, عل أبرزها ما حضيت به الاقليه اليهودية التي عاشت لفترات طويلة في هذه المحافظة آمنة على ممتلكاتها وأعراضها ومعتقدها الديني ..... رغم الصراعات الكثيرة والمختلفة التي عانت منها المحافظة..طائفية..سلالية.. قبلية.. ولفترة كبيرة من الزمن.....ورغم انتشار السلاح بشكل فوضوي ومجنون في هذه المحافظة..يجعل من حالات القتل والثارات العشوائية أمرا طبيعيا في مثل هكذا ظروف ......ولا ينفي بأي حال من الأحوال صفة السلام عن صعده مدينة السلام......؟؟؟ [c1]مقبرة القرضين[/c]في وسط مدينة صعده..وعلى مساحة واسعة منها ..تتربع مقبرة القرضين بامتدادها الكبير، والذي يحكي أحقابا كثيرة من الصراع جعل الدالفين إلى القرضين أكثر عددا وعدة من الوافدين إلى قصور صعده ...بل واتسعت هذه المقبرة لكل المتخاصمين بعد أن ضاقت عليهم صعده بما رحبت.....يخيل إليك وأنت تجول بناظرك في أبعادها .. انك سترى عزرائيل ومنكر ونكير وهم يتصببون عرقا بعد أن قضوا وقتا مضنيا جيئتا وذهابا في القرضين ..وسيرتد إليك طرفك خاسئا عن إدراك أبعادها.....؟؟؟هذه المقبرة تعد من اكبر المقابر ليس في اليمن وحسب بل على مستوى الوطن العربي ككل.. حيث تحوي هذه المقبرة ألاف الألواح والمشاهد, والتي دونت عليها معلومات مختلفة عن الميت والفترة التي عاش فيها...مما يعده المؤرخون مادة دسمة للدراسة والبحث......؟؟؟؟ حيث خصها بعض الدارسين العرب باهتمامهم وكتبوا فيها البحوث المختلفة ....لما حوته هذه المقبرة من شواهد تاريخيه للكثير من الاحداث والوقائع التي حدثت في ألازمنه الغابرة...مذ شيدت صعده أواخر القرن الثالث الهجري بأمر من الإمام الهادي بن الحسين مؤسس الدولة الزيديه , وجعلها عاصمة لدولته.........؟؟؟[c1]لؤلؤة في صدف الطين [/c]ينتاب المرء شعور غريب حين يدلف إلى صعدة القديمة وحين يشاهد تلك الأبنية العالية التي شيدت من الطين الرخو وزينت بالتشاريف المقضضة والنوافذ والأبواب الخشبية التي لا تخلوا من أشكال هندسية منحوتة بعناية ملفتة .وقد يرتد إليه طرفه ليس خاسئاُ بل محتاراً إذ كيف تمكن الإنسان هنا من تحويل ذرات التراب المتناثرة إلى قوام متماسك لا تثنيه عوامل الهدم على كثرتها ,وكأن الإنسان هنا منح ذلك التراب بعضا من صلابته وجلده. فتصلب وتجلد أبنيتا عالية متناسقة ذات نوافذ خشبية صغيرة – دعت ضرورات الصراعات المختلفة إلى بقائها بهذا الحجم........ما يميز أبنية الطين هذه أنها تعمل على تكيف الجو . حيث تحتفظ بالدف في ليالي الشتاء البارد وتخفض من حرارة الصيف الحارقة ....... تمتد هذه الابنيه المتفاوتة الارتفاع مشكلة لوحة فنية بديعة تحكي قصة أزمنة بعيدة من الجمال والإبداع ...[c1]سور صعده..مشقر منبهي[/c]كما تحتضن الأم وليدها.وبذات القدر من الحنان والعطف .نامت صعده قريرة العين في حضن سورها القديم .وظل هو ساهرا .لاعوى الذيب من خلف أبوابه هزه ولافت في عضده معول الوقت ..؟؟ هذا السور عبارة عن حزام ترابي يحيط بالمدينة من جميع الجهات .تتخلله العديد من النوبات المرتفعة التي كانت تستخدم كنوبات حراسة ومراقبة .يصل ارتفاع السور إلى 6امتار تقريبا . بعرض أكثر من ثلاثة أمتار .وله أربعة أبواب بالاتجاهات الأربعة أهمها باب اليمن وباب السلام وباب نجران حضي هذا السور باهتمام كبير من قبل الدولة ممثلة بالهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية التي تتولى مسئولية الإشراف والمتابعة لعملية الترميم ,حيث تم انجاز أكثر من 085/0منه حتى الان.[c1]قلعة القشلة[/c]فوق تله مرتفعة تشكلت من خبث الحديد.نعم تله مرتفعة تشكلت من خبث الحديد .؟؟الذي طوعته أنامل الإبداع لليماني القديم سيوفا صعديه تشج الهامات وخناجر بديعة تزدان بها الخواصر؟؟بنا الأجداد أيضا تحفة معمارية فريدة حتى تتلازم مهارة البناء وحذق الصانع ,في معلم بديع اسمه القشله .القلعة الدائرية الشكل بطوابقها الأربعة المبنية بالحجر الأبيض والأجر والطين ,والتي تتوسط سور رباعي الزوايا يزيد ارتفاعه عن 6امتار .تلتصق به من الداخل غرف متجاورة من طابقين وبهو واسع من الداخل جعل من القشلة مكانا مناسبا لتكون متحفا مفتوحا في المحافظة .. بنيت هذه القلعة في عهد شمس الدين بن شرف الدين في القرن العاشر الهجري ...وقد تم ترميمها حديثا [c1]قلعة السنارة [/c]فوق قمة جبل السنارة الذي يطل على وادي العبدين شيد الأجداد قلعة حصينة لا تزال تروي حكاية الإبداع .تتكون هذه القلعة من قشلة (مبنى دائري الشكل)مبني من الحجر الأبيض .بالإضافة إلى مباني متصلة على حافة الجبل .كما تحتوي القلعة على سد كبير منحوت في الصخر لخزن مياه الأمطار بغية الاستفادة منها .وتتكون القلعة من 360غرفة بعدد أيام العام ,استخدمها الحكم الامامي البائد سجنا للأحرار واستخدمها الثوار حصنا منيعا تجمعت فيه قوات ألثوره التي رسخت النظام الجمهوري في هذه المحافظة . كان بنائها منتصف القرن العاشر الهجري...ولا تزال شامختا حتى الآن تقاوم عوامل الهدم وأيادي الإهمال[c1]حصن أم ليلى [/c]يقع حصن أم ليلى على جبل شاهق في مديرية باقم .على بعد أكثر من 50كيلو مترا من مدينة صعدة شمالا .ويحتوي هذا الحصن المنيع على الكثير من المعالم الأثرية التاريخية مثل الآبار والسدود وحمامات السباحة والمدافن المنحوتة في الصخر لخزن الحبوب بالاظافة إلى مسجد وأكثر من30منزلا حيث كان الحصن بمثابة مدينة مسورة بسور من الحجر ذو باب واحد يسمح بعمليتي الدخول والخروج من الحصن ...يذكر المؤرخون أن قبائل خولان بني عامر اعتصمت بهذا الحصن عند غزو ابره الأشرم مكة في حملته المعروفة لهدم الكعبة ..كما يوجد في الحصن بعض النصوص المكتوبة بخط المسند والتي تحكي دعوة الوالي الحميري صنعن بن حبشن أبناء قبائل الاحنوب وبشمان لبناء سدين للمياه ؟؟؟ كما يوجد في صعدة العديد من التراث والحصون مثل حصن بني عوير الذي يعود إلى العصر الجاهلي . وحصن العبلاء في جبل ظفار والذي كان يستخرج منة الحديد وكان القدماء يوقدون عليه النار لعبادتها في الجاهلية , وقلعة حرم في رازح وهي قلعة حميرية بها العديد من المدافن والسدود الصغيرة ,وحصن المفتاح في خولان وتلمص الواقع على جبل تلمص المطل على مدينة صعده والذي كان مقرا لأمراء حمير في صعده ,وفيه يقول الشاعر : تلمص القباب في تلمص كالبيض من تحت الخلا فيه نوال مثل ثعبان النص فحل لديه كل فحل كالخصي وغير ذلك الكثير من القلاع والحصون التي لايتسع المقام لذكرها ....[c1]جامع الهادي[/c]يقع جامع الهادي الذي بناه الهادي بن الحسين في القرن الثالث الهجري داخل مدينة صعده القديمة .وعلى عكس طابع البناء السائد في هذه المدينة الذي يستخدم الطين ماده أساسيه ,استخدمت الأحجار في بناء هذا الجامع . وبنفس الأسلوب الهندسي السائد في بناء المساجد القديمة , حيث يتوسط المسجد صوح واسع مكشوف يحيط به بناء مسقوف تعلوه قباب بأحجام مختلفة والمسجد مزين من داخله بالنقوش البديعة والاعمده والأقواس ... بالاضافه إلى مئذنة كبيره يصل ارتفاعها 37 مترا ويحظى هذا الجامع بقداسة كبيرة في نفوس المواطنين كونه يحوي ضريح الأمام الهادي يحيى بن الحسين وأضرحة أخرى للعديد من الأمراء والعلماء الأعلام . كما يحتوي المسجد على مكتبة فيها الكثير من المخطوطات النفيسة العلمية والفكرية غير أن هذه المكتبة تعرضت للسطو والنهب غير مرة ...........كما يوجد في صعدة العديد من المساجد التاريخية الأخرى الضاربة في القدم مثل مسجد عزالدين في مدينة ساقيين ومسجد غافل في العشة ومسجد مشهد أحمد بن سليمان في حيدان ومسجد نيد البارق في مديرية منبه ومسجد القلعة في رازح[c1]بارقة أمل [/c]مع ما تزخر به صعدة القديمة من معالم أثرية عريقة وطابع معماري فريد ما زال يحتفظ بالكثير من ملامحه البديعة .. إلا إن الكثير من تلك المعالم بحاجة ماسة إلى التفاته سريعة من قبل الدولة بأجهزتها المختلفة المعنية بالمحافظة على المعالم الأثرية .. ولعل بارقة الأمل التي جاءت بالبشرى لكل محبي صعدة هي افتتاح فرع للهيئة العامة للمحافظة على المدن التاريخية في هذه المحافظة ستحمل على عاتقها مسؤولية ترميم معالم المدينة وإزالة ما خلفته السنين والأيام عن حسن هذه الحسناء العريقة الظاربة بجذور تاريخها في أعماق التاريخ وإعادة تأهيل مواقعها الحرفية المختلفة ... ومنع استحداث الأبنية الحديثة داخل سورها الذي يسي إلى منظرها العام. يزيد من ثقتنا هذه معرفتنا بما يتمتع به مدير فرع الهيئة بصعدة من إرادة ورؤية ثاقبة وما يحمله من حب عظيم سوف يؤتي أكله ..لصالح صعدة ... لؤلؤة التاريخ في صدف الطين..؟؟