المقصود بثقافة الاحتيال مجموعة السلوكيات المختلة التي تتخذ الاحتيال وسيلة لبلوغ أهداف معينة معروفة، غالبا ما تكون أهدافا وغايات مشروعة يتطلب الوصول إليها إما جهودا مضاعفة، أو وقتا كبيرا، أو رغبة فقط في “حرق المراحل” تكاسلا وتهاونا أو عجزا وتواكلا. ومرد هذه الثقافة “الاحتيالية” التي انتشرت بشكل لافت للنظر في مجتمعاتنا العربية والإسلامية هو انزلاق بعض النفوس إلى طريق الانحلال الخلقي والابتعاد عن الأخلاق الحميدة؛ ما ينذر بالوقوع في حمئة مفاتن الحياة ومهاوي النفس الأمارة بالسوء.فمن الغريب والعجيب أن أصبح للاحتيال والخدع أساليب ومناهج شتى صارت شبه موطنة في مجتمعنا ولدى الكثير من الناس الذين يجدون تلك الممارسات السلوكية أمراً عادياً للحصول على غاياتهم بل ويعتبرونها نوعاً من الشطارة والذكاء الذي لا يضاهيه ذكاء آخر!!فالتاجر يحتال على المواطن والمستهلك برفع الأسعار تحت مبرر الغلاء العالمي للأسعار فيما مخازنه الواسعة والفسيحة تكتظ بالمواد الغذائية منذ أعوام ووصلت حينئذ إليه بأرخص الأسعار فيأتي ليستغل المواطن وتحت مبرر آخر لا يبتعد كثيراً عن الاحتيال وهو “التجارة شطارة” وليفعل التاجر ما يشاء !!؟وفي الجهة المقابلة نجد ممارسة مظاهر الاحتيال والخدع تنتشر في حياتنا اليومية مع الأسرة والأصدقاء وزملاء العمل بكل مستوياتهم فنجد من يجهد عقله وتفكيره وقد يذهب لشراء “ربطة” قات من النوع الفاخر ليساعده على التوصل لخدعة ما يحتال بها على من ينكر عليه الكذب أو الاحتيال ولو كان الأمر بسيطاً ولا يستحق كل هذا العناء ,المشكلة الكبرى أن نجد من يحاول الالتفاف والاحتيال على القوانين فيخلق لمقاصده وغاياته ثغرات يسميها “قانونية” برأيه وهي أبعد ما تكون عن القانون, خاصة تلك الثغرات التي تتنافى مع الأهداف والقيم التي وجد من أجلها هذا القانون.وللأسف صار الأمر جد خطير فسلوكيات الاحتيال والخدع صارت عناوين فرعية إن لم نقل رئيسية في حياتنا,فكل أمر تواجهه صار لابد من دراسته وتحليله بشكل كبير ومقرف أحياناً ليس لشيء سوى لغياب الثقة بين الأشخاص وهذا الغياب جاء نتيجة لممارسات الخدع والاحتيال لتبقى كل تعاملاتنا اليومية عبارة عن إستفهامات لا تنتهي .. ليأتي السؤال الأكبر الذي يعد كارثة عظيمة على أي مجتمع ومفاده: مادام كل من تعاملت معهم مخادعين ومحتالين فمن هو الذي أثق به ؟!.. نعم هنا تكمن بداية الانهيار القيمي لأي مجتمع.إن ثقافة الاحتيال إذا سادت في أي مجتمع توشك أن تبث بين أفراده روح التنافر والتباغض وفقدان الثقة وانتشار سلوك الحذر والحيطة بينهم مما لا يساعد العلاقات الاجتماعية على التفتح والتطور، وتتنوع ثقافة الاحتيال بتنوع قطاعات الحياة ومرافقها ومناشطها..ورمضان كريم.
أخبار متعلقة