نبض القلم
لقد كانت الرسالات السماوية في جوهرها ثورات إنسانية عظيمة، استهدفت شرف الإنسان وكرامته، هي ثورات من أجل نصرة الحق والتمكين لمبادئ العدالة والمساواة والحرية.لقد جاءت لتسوي الرؤوس فلاتطأطئ إلا لخالقها، وترفع الجباه فلا تعنو إلا لباريها، وترفض البغي والعدوان، وتدعوا إلى مقاومة المعتدين، والتصدي لهم في حزم وصبر وإيمان قال تعالى مخاطباً نبيه الكريم محمداً صلى الله عليه وسلم:»ولقد كذبت رسلً من قبلك فصبروا على ماكذبوا وأوذوا حتى آتاهم نصرنا، ولا مبدل لكلمات الله، ولقد جاءت من نبأ المرسلين» «الأنعام،34». وثورة المستضعفين في الأرض ثورة مستمرة،لأنها تخضع لقانون طبيعي وهو:وجود الاعتداء والطغيان من جانب، والاستضعاف والامتهان البشري من جانب آخر فتتحتم محاربة الطغيان والاعتداء ليبقى الحق والعدل والسلام.ويوضح القرآن الكريم هذا المفهوم حينما يقرر أن المستضعفين ستكون لهم السيادة، وسيسيطرون على مقدراتهم،نتيجة نضالهم وكفاحهم ومقاومتهم، قال تعالى: «ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض، ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونمكن لهم في الأرض» القصص،5».إن هذه المنزلة لا تتأتى لهم جزافاً، فالله تعالى لايجابي أحداً، ولكن تتأتى لهم بعد أن يعدوا العدة لانتزاعها من أعدائهم، ويصمدوا أمام الشدائد، ويستعذبوا الصعاب في سبيل بلوغ الآمال،وهذا هو السبيل الذي يتبعه المقاومون في فلسطين والعراق ولبنان في الوقت الراهن، الذين تعلموا من دروس التاريخ كيف ينتزعون حقوقهم من بين أنياب أعدائهم مهما تكن قوتهم ومهما عظمت سيطرتهم والرسول محمد صلى الله عليه وسلم عندما جاء بدعوة الإسلام إنما أتى بها ليؤكد حق الإنسان في الحرية والعدالة، ويؤكد حقه في حياة كريمة لايشوبها ضعف ولا استغلال، واستقطبت الدعوة حولها المخلصين من الناس، الذين رفضوا الظلم والاستغلال، وبالتالي وجد الكفار في الدعوة الإسلامية خطراً حقيقياً على كيانهم وعلى وضعهم الاجتماعي فوصفوا أنفسهم بالسادة الأعزاء ووصفوا المؤمنين بالعبيد الأذلاء وقد رد القرآن الكريم عليهم بأن السيادة والعزة هي بالحق وفي سبيل الحق، وفي الاعتبار البشري هي للمؤمنين ولرسولهم ولله عز وجل، قال تعالى «يقولون:لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون» «المنافقون،8».ولقد اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواجهته للأعداء ثلاث مراحل هي :[c1]- المرحلة الأولى: هي مرحلة الصمود[/c] فقد مكث بمكة ثلاثة عشر عاماً بعد أن نبئ بالرسالة وهو ماض في دعوته، لم يستكن يوماً من الأيام، ولم ييأس من نجاح رسالته، ومن حوله المؤمنون صامدون في مواقفهم ثابتون على مبادئهم والثبات صفة نفسية قبل أن يكون حالة جسدية، وهي لازمة للمؤمنين في ميدان القتال، وفي كل ميدان فيه نضال ولا ينبغي للمؤمن أن يتزلزل، لأنه واثق من نيله إحدى الحسنيين :( الشهادة أو النصر).قال تعالى:»قل هل تربصون بنا إلا إحدى الحسنيين ونحن نتربص بكم»(التوبة،52».ولقد ضرب المقاومون في غزة وأفغانستان والعراق ولبنان المثل الأعلى في تحمل الشدائد وفي الصمود أمام المحن.[c1]- المرحلة الثانية: مرحلة الردع :[/c]بعد الهجرة طلب الرسول صلى الله عليه وسلم من المؤمنين أن يعدوا العدة لردع الأعداء دفاعاً عن النفس، وحماية للدعوة، ونزل في ذلك قوله تعالى :»أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير،الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق إلا أن يقولوا ربنا الله»»الحج،29» وفي هذه المرحلة من الكفاح كان الرسول قد أعد جيشاً دخل به معركة بدر ، وانتصر به ، انتصاراً ساحقاً وأشاع الرهبة في قلوب المشركين والمنافقين، وكان في المدينة جماعة من اليهود أصابهم الذعر من انتصار المسلمين على جيش المشركين فلم يستطيعوا أن يكتموا مافي قلوبهم من حقد ومكر وغدر فقالوا للرسول صلى الله عليه وسلم :»لا يغرنك أنك لقيت قوماً لا خبرة لهم بالحروب فأصبت منهم فرصة، أما والله لئن حاربناك لتعلمن أنا نحن الرجال وكانت المواجهة التي أسفرت عن جلاء اليهود عن المدينة.[c1]- المرحلة الثالثة: مرحلة التحرير:[/c]وفي هذه المرحلة تم تحرير المدينة من رجس اليهود الغادرين، ثم تحررت مكة من غدر المشركين، ودخلها الرسول صلى الله عليه وسلم وهو يردد قوله تعالى :» وقل جاء الحق وزهق الباطل إن الباطل كان زهوقا»»الإسراء،81» وبعد فإن الإيمان الذي انتصر به أسلافنا على أعدائهم هو سبيل لينتصر به المقاومون اليوم في فلسطين ولبنان والعراق وفي غيرها من بلدان المسلمين.[c1]* إمام وخطيب جامع الهاشمي - الشيخ عثمان[/c]