الفنان اليمني: عبدالرحمن الغابري
د. زينب حزام لقد عشق الفنان اليمني المحميات الطبيعية في الحديدة حيث أشجار البلح وعشق الطبيعة، في ذمار حيث الجمال والطيور النادرة .. ومادام المشهد يتحدث عن نفسه بنفسه من حيث الجمال الخلاب وفتنة الطبيعة الآخذة بالألباب، فما أغنانا إذن الأشارة إلى آية جمال الطبيعة اليمنية.يعد الفنان اليمني عبدالرحمن الغابري من الرواد اليمنيين الأوائل في مجال التصوير الفوتوغرافي، بل لايكاد يذكر هذا الإبداع الفني إلا مع ذكر أسمه، لقد استطاع عبر عمله الفني أن يبدع في مجال فن التصوير الفوتوغرافي، مع تسجيل مميز في الساحة الفنية اليمنية وخارجها.. وذلك بفضل موهبته الفذة في التعامل مع المحيط البيئي بمختلف أنماطه وأشكاله .. الأمر الذي جعله يراكم خبرة عميقة في طريقة النظر للأشياء وعلى النحو البعيد في خلعها وابتكارها وفق رؤية مختلفة تبحث عن المضامين الداخلية اللامرئية أو على شاطئ ما أو صحراء أو غابة .. الخ .هذه العملية الإبداعية كثيراً ما تدعو فناننا عبدالرحمن الغابري بالخروج للتصوير والصيد في الغابات أو تصوير المناظر الطبيعية في المحميات اليمنية، كونه يجيد التعامل مع المكان مهما كان غريباً عليه أو جديداً في محتواه ومضمونه أو بسيطاً في رموزه ومدلولاته.إننا وعبر هذه الصفحة الثقافية نلقى بصيصاً من الإضاءة على المشوار الفني لهذا الفنان المبدع، ومدى نجاحه في حصد الدهشة من رحلاته الفوتوغرافية.* يقول الأستاذ المقالح عبدالكريم الفنان عبدالرحمن الغابري وتجربته في مجال فن التصوير الفوتوغرافي.تعيش في عالم لا محدود من الصور المختلفة الأشكال والأحجام .. فكل بيئة لها مواصفاتها المحددة ولها أنماطها المعنية من المفردات الثقافية التي تشكل المحيط العام المعاش..فمن الآثار إلى المعمار القديم والحديث مروراً بالطبيعة من أثمار وغيول وغابات وسهول إضافة إلى التضاريس المتنوعة من الجبال والتلال والشواطئ والوديان .. إلخ .
أن معظم أعمال الفنان اليمني عبدالرحمن الغابري الفوتوغرافي موصولة إلى مكان مألوف ومعروف مثل محمية عتمة الغنية بالغابات المتنوعة أو حضرموت وصحاريها المملوءة بالجمال والخيول وأشجار الصنوبر أو جزيرة سقطرة حيث نجد شجرتها المشهورة والنادرة شجرة “دم الأخوين” حيث نسجت أسطورة هابيل وقابيل .. هذه الأعمال الفوتوغرافية الرائعة التصوير يجعله يدخل مغامرة ذهنية مع المكان، ويبحث عن كل جديد يدهش الناس ويعرف السائح عن الطبيعة اليمنية الخلابة.إن سر التصوير الفوتوغرافي يكون في المقام الأول هو فن البوح لأنه يجيد الإصغاء حسب الباز .. هذا هو السلاح الذي يستخدمه فناننا اليمني عبدالرحمن الغابري في جميع رحلاته التصويرية، إذ إن قدرته الكبيرة على الاستماع لحكايات المحيط الذي وصله تمكنه من موازاة اندفاعه إلى ضغط الفلاش وحبس اللقطة التي وجدها.. وذلك بزيارة الصبر داخله وتناسي وشغفه وانبهاره بما يجد. أنه يقوم بعمل ما يشابه لحد بعيد عمل القناص الذي يحمل بندقية جاهزة التصويب .. انتظاره للفريسة الأهم والأكبر والاثمن يدفعه للتغاضي عن فرائس أصغر وأسهل لا أهمية لها .. لذا فإن قرار الضغط على الزر في كاميرته، كما يقول المصور أبق بونفوا كثيراً نتساءل أمام صور فوتوغرافية معينة: ما الذي فعله المصور حتى استطاع الاقتراب إلى هذا الحد دون أن يقترب من ذلك العصفور الرائع الذي حط على فرع شجرة برهة قصيرة.ولو تأملنا بعضاً من لقطات الفنان الغابري لعرفنا الإجابة الكاملة لتلك التساؤلات .. حيث يتضح لنا إن المصور في هذه اللقطة أو تلك قد قام بعملية معقدة أساسها أنه خط داخلياً .. أي داخل ذاته هو كما يرى الباز: (في داخل النفس تقع أحداث الحدس والإدراك فوق الحسي التي تعد أفضل العناصر في فن يفترض لأول وهلة أنه لا يعني إلا بظاهرة الأشياء).
أن تلك الخطوات في العمل الإبداعي التي يقوم بها فناننا اليمني عبدالرحمن الغابري هي خطوات مصور يقوم بها داخل نفسه .. تقودها أو توجهها حاسته السادسة المتمثلة بـ “العين الثالثة” والتي يفحص بها الأشياء أولاً .. ثم يقوم بغربلتها ثم أخيراً يتخذ قراره الهام والمصيري “هذا المشهد هل يستحق التصوير والاهتمام من قبله أو أنه مجرد مشهد عادي لايثير فضوله، هذا القرار الذي يتخذه في تصوير المشهد لا يأتي إلا بالتهيؤ للتصوير أو التمثيل الكامل للطقس الأساسي للتصوير.وحول كتابة التصوير الضوئي يقول جون هيدجكو:(بالزيادة المستمرة في المعلومات يمكنك أن ترى صوراً أفضل وبالتالي يمكنك أن تنتج صوراً أفضل .. وعندما يميز بين المهم والأهم .. وعندما نعرف لماذا تبعث فينا العناصر شعوراً أفضل من الفوضى .. يتعلم تحليل عناصر الصور وبمراقبة دور كل عنصر من أي تشكيلات وبتنسيقه بشكل يبرز العنصر المراد الإشارة إليه .. تصبح صورك مقنعة وذات طابع شخصي، إن المصور الذي يلتقط الصور دون تفكير لا يمكنه أبداً أن يصور نفسه وفنه ضمن هذه المميزات الواسعة المتاحة له).وللفنان عبدالرحمن الغابري ثقافة واسعة في فن التصوير الفوتوغرافي وله ثقافته الذاتية .. “حرية التعبير” والتحرر من الأساليب الأكاديمية والنقل الحرفي عن الطبيعة في فن التصوير .. ومن هنا بدأت روح “التمرد” على ماهو تقليدي، والبحث عن المغامرة وتعريض حياته للخطر والحيوانات المفترسة في الغابات اليمنية حتى يلتقط صور نادرة، لم يسبقه أحد في تصويرها، وليس في هذه النظرية فلسفة “شمولية” تهدف إلى إعادة صياغة المجتمع، وإنما يهدف إيقاظ ملكة الابتكار والتجديد عند هذا المصور الفوتوغرافي المبدع.كل هذه العوامل جعلت احتراف الفن ومهنة التصوير الفوتوغرافي، مهنة الفكر صعبة بل تكاد تكون مستحيلة إذا لم يغامر الفنان بحياته في سبيل التقاط صورة فوتوغرافية نادرة أو مهمة بدون المغامرات والتعرض للصعاب لا يكون الفنان الفوتوغرافي فناناً مبدعاً، لذا نجد للفنان عبدالرحمن الغابري بصماته الخاصة في فن التصوير الفوتوغرافي، هذه البصمة التي حولت مسار حركة الفن الفوتوغرافي من الاتجاهات التقليدية إلى الاتجاهات الحديثة والمعاصرة.وهو من الفنانين الذين أدركوا ضرورة خلق فن جديد يجب تجسيده على واقع المثقفين الجدد والبحث عن الفنون الجديدة والمعاصرة التي تجيد محاكاة الطبيعة، وكذلك الفن الذي يصور المثل الأعلى للمناظر الطبيعية الخلابة أو يصور الإنسان العامل أو الفلاح المجتهد أو الإنسان المنتج بشكل عام.والحق يقال إنني أعجب أشد الاعجاب بهذا الفنان المبدع عبدالرحمن الغابري الذي أستطاع تحويل طاقاته الإبداعية الفنية لأجل مصلحة مجتمعه والدعاية الإعلامية عن الطبيعة اليمنية الخلابة.
صنعاء القديمة بعدسة / الغابري
![](https://14october.com/uploads/content/0807/7SWPSXL0-CDFBWD/gmaal.jpg)