مع الأحداث
من المعروف أن الحكمة الإنسانية قد أشارت منذ القدم إلى أن خير الأعمال هي ما اتجهت نحو غايات إنسانية سامية، واتضحت مقاصدها، وبانت معالمها، وليس هناك من عمل أسمى وأجل من الاشتغال في التربية، وليس بخافٍ أن الغاية البعيدة للتربية في أي مجتمع هي خير الإنسان وخير المجتمع، وهي غاية التربويين في كل زمان ومكان.ولكن هذه الغاية بحاجة إلى تحديد وتفصيل، لما يترتب عليها من أهداف وأغراض ووظائف ومهمات، وفقاً لخصائص المجتمع.ومن أهداف التربية في المجتمع اليمني أنها تسعى لتكوين إنسان متوازن يجمع بين مطالب الجسم ومطالب الروح، ويسعى لخير مجتمعه ولخير الإنسان بلا تناقض وانفصام، يعتمد على نفسه في التعلم وتطوير شخصيته، ويتسم أداؤه ب:- متمسك بمبادئه، ومعتز بكرامته.- يعرف حقوقه وواجباته.- حريص على النهوض بمجتمعه.- مستجيب لدواعي العقيدة الدينية.- متمسك بالقيم الأخلاقية ويعتمد عليها في تسيير شؤون حياته.ولذا فإن الحاجة ماسة إلى التربويين الذين يجسدون أهداف التربية، ويسعون إلى تطوير فلسفتها بالاستناد إلى خصائص المجتمع اليمني ذي المقومات العربية الإسلامية، والمرتكزة على أساس العقيدة الإسلامية وما ينجم عنها من ثقافة، وما ينشأ عنها من مواقف عقلانية وحضارية، وما يترتب عنها من تغيير شامل ينزع إلى التجديد ويتفاعل مع معطيات الحضارة الإنسانية المعاصرة، باستيعاب ما في الحضارة من ثورة علمية وتقنية.وعليه، فإنه لابد من قيام جمعية للتربويين اليمنيين، من أجل تنظيم نشاطهم وعدم تشتيت جهودهم، ليسهموا مجتمعين في تطوير الفلسفة الاجتماعية للتربية، ويعملوا متضامنين مع أشقائهم التربويين العرب على دراسة مشكلات التربية العربية جيداً، ويسعوا لتحديدها وبيان أسبابها، وما ينجم عنها من مخاطر وأضرار لإيجاد الحلول لها.ولما كانت جامعاتنا اليمنية ووزارة التربية والتعليم تمتلك أعداداً غفيرة من الكفاءات التربوية المتخصصة ولديها العديد من الخبرات التربوية المؤهلة، فإنه بإمكان هؤلاء التربويين أن يسهموا متضامنين في عمليات التخطيط التربوي، وتطوير المناهج، وطرائق التدريس، ورفع مستوى أداء القيادات التربوية، والإدارات المدرسية، وذلك من خلال إشراكهم في الندوات، وتقديم البحوث والدراسات العلمية التي تساعد متخذي القرارات التربوية في مختلف المجالات، على اتخاذ القرارات الصائبة، وفقاً لمبدأ تكافؤ الفرص، بدلاً من الاعتماد على بعض الشخصيات التي أكل الدهر عليها وشرب، والتي لم تعد قادرة لوحدها على النهوض بالعملية التربوية، وعاجزة عن مواكبة المتغيرات المتسارعة في العلوم التربوية المتعددة، ومقصرة في تشخيص المشكلات التربوية تشخيصاً علمياً دقيقاً، وهو ما انعكس سلباً على واقع التربية والتعليم في بلادنا، والذي لا يخلو من كثير من جوانب الضعف والقصور، والمتمثل في جملة من المظاهر السلبية، مثل :- عجز التربية في بلادنا عن استيعاب المفاهيم الجديدة للتربية وبقائها معتمدة على التعليم بالدرجة الأولى، دون الاهتمام بالجوانب لروحية والخلقية والوجدانية، وإهمالها للتربية الوطنية.- ضعف ملاءمة النظام التربوي لمطالب التنمية وحاجات المجتمع.- ضعف جوانب الكيف، وتدني مستوى المخرجات.- عدم استثمار التقنيات التربوية الحديثة في العمليات التربوية وغير ذلك من المظاهر السلبية التي لا يمكن إنكارها.- عدم الاستفادة من الكفاءات والخبرات المحلية، وتعمد تهميشها أو تطفيشها وليس بخافٍ أن نظام التقاعد الذي تم تطبيقه على المؤسسات التربوية قد أزاح أعداداً غفيرة من الخبرات والمؤهلات العلمية الرفيعة خاصة في الجامعات اليمنية، التي خسرت بسببه مئات الكفاءات والعشرات من التخصصات النادرة في الوقت الذي لا تزال الجامعات بحاجة إليهم لعدم وجود من يحل محل بعضهم، لأن عملية التأهيل ليست متوازنة، ولا مبرمجة، وهو ما يستوجب ضرورة التعاقد مع المتقاعدين من أعضاء هيئة التدريس الذين لا يزالون قادرين على العطاء، وذلك للاستفادة من كفاءاتهم وخبراتهم، إذ من الخطأ بقاء هؤلاء خارج دائرة العمل الأكاديمي، وعدم الاستفادة من كفاءاتهم.ولضمان الاستفادة من الكفاءات والخبرات التربوية لابد من العمل على قيام جمعية للتربويين اليمنيين، تضم في عضويتها جميع التربويين وبالذات المتخصصين منهم في العلوم التربوية، والقادرين على العطاء والراغبين في الإسهام في تطوير العملية التربوية من خلال إعدادهم للبحوث والدراسات، ومشاركتهم في الندوات العلمية، ومبادراتهم في تقديم المشورة لمتخذي القرارات.ومخطئ من قال إن الدولة قادرة لوحدها أن ترقى بالعملية التربوية أو إن بإمكانها أن تنهض بالتعليم دون الاستعانة بالمختصين وأصحاب الخبرات في مجالات التربية المختلفة، لأن هناك جملة من التحديات التي تجعل الدولة بحاجة إلى المتخصصين من التربويين، الذين يمكن أن يفيدوا كثيراً بمشوراتهم إذا تم تحفيزهم وتنظيم جهودهم.ومن الأمور التي يمكن أن تسهم بها جمعية التربويين اليمنيين إذا ما تم تشكيلها وفقاً لمقتضيات المرحلة ما يلي :- توجيه التعليم العالي لتطوير المجتمع والنهوض بوظيفته في توفير الخدمات المجتمعية.- التوفيق بين مطالب التعليم ومطالب البحث العلمي.- تطوير مؤسسات التعليم الجامعي، وتطوير مناهج الدراسات العليا.- تطوير طرائق التدريس، وتنمية التطلع لدى المتعلم لاكتشاف الحقائق، وإثارة اهتمامه وبواعثه بمادة التعليم.- تنمية النزعة في التعلم لمواجهة المشكلات وتشخيص المواقف وتحليل الظواهر، وتجميع الحقائق واستقراؤها وصولاً إلى استنتاجات الحلول.- تنمية الأساليب الديمقراطية في التعاون والمشاركة بالمسؤولية ورعاية المجتمع والمصالح العامة. وغير ذلك من الأمور.إن قيام جمعية التربويين اليمنيين صارت ضرورة في وقتنا الراهن، لأنه بقيامها يستطيع المجتمع أن ينهض بالعملية التربوية ويرقى بها، حيث أن الجمعية بعد قيامها ستكون بمثابة الإطار التنظيمي الذي يوجه نشاط الأعضاء لخدمة التنمية، وينظم حركاتهم، ويثير حماسهم، ويحمي حقوقهم، ويحول دون تهميشهم، أو تجاهل إسهاماتهم في الحياة العامة.