الأديب والباحث عبدالجبار نعمان باجل في حديث ضاف لـ ( 14أكتوبر ):
أجرى اللقاء / علي ثابت القضيبي يعد صدور كتابه - الشعر الحميني .. الريادة والأصول - الذي قدم فيه الأديب والباحث عبدالجبار نعمان باجل إضافة جديدة بل حسماً للغط والجدل الذي اكتنف الكثير من الابحاث والدراسات حول هوية الشعر الحميني ومصدر تسميته - حميني - والتي أرجعها إلى منطقة الحمينية بمديرية حيس في محافظة الحديدة والتي هي عبارة عن محراث يتكون من عدة محلات وتمتد مساحتها من القرية المسماة حالياً ( الكنب ) وتقع في منتصف الخط الرئيسي الذي يصل الحديدة في تعز باتجاه الغرب إلى جهة الأكبر ( عزلة زهير ) والتي من قراها قرية الجوء التي هي مسقط رأس أقدم من توافرت مخطوطاته من الشعر الحميني حتى الآن .. بعد صدور هذا الكتاب - الشعر الحميني .. الريادة والأصول - والذي نشر ضمن إصدارات فعاليات صنعاء عاصمة للثقافة العربية لعام 2004م واتبعه بديوانه ( سفور الحبيب ) وهو من الشعر العامي التهامي ويحوي 40 قصيدة .. ومن خلال هذا اللقاء الصحفي بالأستاذ الأديب والباحث عبدالجبار باجل نسلط الضوء على بعض قضايا الثقافة والأدب في تهامة والقضايا الثقافية عامة وفيما يلي ننشر حصيلة هذا اللقاء : [c1] من هو عبدالجبار باجل ؟[/c]ج- أولاً اسمح لي أن أتقدم بجزيل الشكر والتقدير لصحيفة 14 أكتوبر على اهتمامها بالموروث الأدبي ومتعلقاته لما من شأن هذا الاهتمام الحفاظ على إبراز وترسيخ وإجلاء الشخصية الفكرية الثقافية والعلمية والأدبية للمجتمع اليمني الأصيل وتتبع إبداعاته في كل زاوية من زواياه الحضارية المبدعة .وبالنسبة لسؤالكم فأنا عبدالجبار نعمان حسن باجل ، من مواليد 1962م بمديرية حيس محافظة الحديدة وأراأس المنتدى الأدبي بحيس والمسؤول الإداري لفرع اتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين بزبيد ، وكنت قبلاً المسؤول الإداري لفرع الاتحاد بالحديدة ، كما أتمتع بعضوية اتحاد الأدباء والكتاب العرب .. وكما أشرتم فقد نشر لي كتاب الشعر الحميني .. الريادة والأصول في 2004م ، ومؤخراً صدر لي ديوان من الشعر العامي التهامي في هذا العام 2006م ولدي العديد من الدواوين الشعرية والأبحاث والدراسات التي لم تنشر بعد .. متزوج ولدى سبعة أولاد أربعة ذكور وثلاث بنات. [c1]بعد صدور كتابكم الشعر الحميني .. الريادة والأصول هل تشعرون بأن هذا الإصدار لقي حقه من النقاش والتعريف به بين أوساط المهتمين والمثقفين بشكل عام خصوصاً وأنه الغى اللغط القائم بشأن هوية هذا النوع من الشعر ومصدر تسميته ؟ [/c]ج- اسمح لي هنا ايضاً أن أصحح مفهوماً من الأهمية بمكان تصحيحه ، وهو إن كتابنا ( الشعر الحميني .. الريادة والأصول ) حاول كثيراً الابتعاد عن الخوض فيما يتعلق بموضوع نشأة الشعر الحميني ، لان المصادر حتى الآن لم تسعفنا بالمعلومات الكافية عن هذا الجانب ، وان ماتيسر لنا هو الوصول إلى زمن عفيف الدين ( الحكاك ) وهو المئة الخامسة للهجرة ، والملاحظ كما نرجحه أن تجربة الحكاك في الشعر الحميني تجربة ناجحة ما يدل على أن القصيدة الحمينية تسبق زمن الحكاك بفترة طويلة وحتى الآن لم تستطع المصادر المتوافرة تحديدها ، ولذلك اقتصرت جهودنا على ( حل إشكالية أصل التسمية ) وهي لماذا سمي الشعر الحميني بهذا الاسم وهي الاشكالية التي حيرت الكثيرين من المهتمين والباحثين والدارسين بالاضافة إلى ترجمة عدد من الرواد ابتداء من اقدم رائد عرفناه حتى الآن وهو ابوبكر الحكاك في المئة الخامسة إلى زمن الشاعر محمد أحمد ناصر شيخ الزبيدي المتوفي في مطلع المئة الثالثة عشرة للهجرة بحسب السلم الزمني لهؤلاء الرواد والإعلام ، ثم تناولنا في الباب الثالث من الكتاب الجانب الفني من حيث الشكل للقصيدة الحمينية حاولنا تثبيت الأصول الفنية للقصيدة الحمينية حتى لا تضيع في زحمة أعمدة وقوالب الشعر الشعبي والعامي الأخرى سواء ما كان فيها يمنياً أو عربياً .وعما إذا كان لقي حقه من النقاش والتعريف به بين أوساط المهتمين والمثقفين أقول إن هناك عدداً من المهتمين والمثقفين رحبوا به كثيراً وكتبوا عنه في عدد من الدوريات اليمنية واعتقد ان هناك من كتب عنه في صحيفة عكاظ السعودية وأنا اشكرهم جميعاً وهذا محسوب لهم ، ولكن في اعتقادي أن هذا الكتاب نظراً لأهميته التاريخية والتأصيلية ينبغي أن لاينتهي مشواره عند حدود الألف نسخة في طبعته الأولى ، فهذه الكمية لاتلبي احتياج القارئ المحلي ، وإنما يجب إن يتم طباعة كميات تلبي احتياج القارئ اليمني وتتجاوزه لتشمل المشهد الثقافي العربي ، على اعتبار أن الشعر الحميني يعد حلقة من حلقات الأدب العربي وأصلا من أصوله التي ينبغي الحفاظ عليها .. واعتقد أنه اذا تجاوز المشهد الثقافي في اليمن إلى خارج نطاق الجغرافية اليمنية سيوفر فرص توافر المادة التاريخية للمهتم والناقد العربي على متعلقات هذا اللون من الشعر ( الحميني ) بالإضافة إلى أنه سينقل التجربة الشعرية الحمينية اليمنية إلى الأديب العربي أملاً في إقراضه عربياً وفق أعمدته وقوالبه القادرة على استيعاب الموسيقى والإيقاعات العربية المختلفة . [c1]وعن الكتالب عموماً نقصد الاصدارات تقريباً نحن في موقع المتلقي لثقافة الآخر عربياً كان أو أجنبياً .. هل تتفقون معنا في هذا ؟ وماهي سبل تجاوز هذا الواقع أو الرقي به ؟[/c]ج- أشكركم على إستراتيجية هذا السؤال الهام والذكي ، أنا اتفق ولا اتفق في آن .. ، أما من حيث اتفق فذلك لسبب القصور الملحوظ في شبه غياب عملية التفاعل الثقافي الأدبي ، العلمي .. مع المشهد الثقافي بأسلوب منظم تتبناه مؤسسات يقع على عاتقها هذا الدور بعيداً عن التدخلات والتداخلات التوجيهاتية سواء ما كان سياسياً خالصاً او سياسياً إيديولوجيا او إيديولوجيا بحثاً .. فوجود مثل هذه المؤتمرات نستطيع القول إلى حد ما انها تخلق واقعاً رتيباً تشوبه الكثير من المحاذير مما يعني ذلك في نظرنا أن هناك عناصر لا تسمح الا بتسريب ما لا يؤثر او يتوافق وأدلجتها سواء من أو إلى في عملية التبادل المعرفي والمعلوماتي.أما من حيث لا اتفق فهذا في نظري أن هناك نسبة من ايجابية الرؤية إلى المثقف اليمني ايا كان نوعه فكراً وأدبا وثقافة وأن كان هناك يبدو قدراً من الطفرة الحاجبة للمشهد الآن ، ولكن بالرجوع إلى خلفية المبدع اليمني التاريخية لجلاء المشهد نجد أن الأديب أو المفكر او العالم اليمني تفاعل وبقوة مع الفكر العربي والإنساني بشكل عام ، أي أنه أثر وتأثر واستفاد وأفاد في فترات زمنية مختلفة من خلال رموزهم الذين هم أشهر من نار على علم وحفلت بذكرهم مختلف المصادر التاريخية وأعمالهم في مختلف ميادين العلوم منها ماهو مطبوع ومنها لايزال مخطوط اما في مكتبات محلية او مكتبات عربية أو أجنبية .اذ أن القصور ليس من صنع المثقف او الأديب او المبدع اليمني سواء اوائله او معاصروه وإنما هو من صنع مؤسسات علمية وأدبية وثقافية هي المسؤولة عن تغذية المشهد الثقافي وتوفير قنوات التواصل الداخلي والإقليمي والعالمي ، كما أنها مسؤولة مسؤولية كاملة عن إخراج وطبع إبداعات الأوائل وطبع ودعم إبداعات المبدع المعاصر وخلق جسور التواصل بينه وبين قرنائه على مستوى المشهد الثقافي الإنساني إضافة إلى التكثيف من الفعاليات الثقافية والعلمية والأدبية يمنيا وعربياً وعالمياً ، كما أن توفير المناخات المناسبة للمبدع اليمني وحل إشكالاته المادية والبحثية عامل مهم في القفز بقدراته إلى الخلق والإبداع في أجواء نظيفة محروسة بروح التقبل والعطاء والحياد الايجابي لتهيئة السبل وتذليل الصعاب للمبدعين .[c1] وأدباء ومبدعو تهامة يبدون بعيدين إلى حد ما عن المشهد الثقافي للوطن وأتذكر قول الأديب والباحث التهامي عبدالله العمري في ندوة له في عدن في نوفمبر 2004م بأنه لو سلطت الأضواء على أدباء زبيد لحظوا بشهرة الاكوع والبردوني .. فهل المشكلة هنا في الإعلام تريدونه أن يأتي اليكم ، أم في الكتابات والتجمعات الثقافية لديكم والتي عليها إبراز عطائكم ونشره ، خصوصاً وان فرص وأبواب الإعلام بتفرعاته المختلفة مفتوحة للجميع ؟[/c]ج- صحيح أن تسليط الضوء على المبدع يلعب دوراً كبيراً في ظهوره وتكريسه على المشهد بقوة ، ولكن هذا لا يأتي إلا من خلال قوة المبدع بالفتح وقدرة المبدع بالكسر إضافة إلى استعداد من يملك أزرة الطاقة ومقدار قناعته بالمنتج بالفتح ، وبغض النظر عن هذا وذاك فأدباء ومبدعو تهامة هم جزء لايتجزأ من أدباء ومبدعي الوطن اليمني عموماً هذا من حيث المبدأ .. فتهامة غنية بأدبائها وعلمائها ومبدعيها عبر التاريخ ، والحقيقة التي تطرح نفسها اليوم هي أن أدباء ومفكري تهامة لهم مشاركات قوية في صياغة الفكر اليمني المعاصر وريادته ، وحتى لا أثقل على القارئ بالاطالة أقول إن هناك رموزاً عديدة من هؤلاء لاتنقصهم الشهرة وليسوا في عوز إليها أمثال الأستاذ المفكر الكبير معلم الأجيال ( أحمد جابر عفيف ) صاحب مؤسسة العفيف وهي تعد من أكبر المؤسسات الإبداعية والفكرية والثقافية ، وهناك الأستاذ المناضل الجسور والأديب المبدع المرحوم ( يوسف الشهاري ) الرئيس الأسبق لاتحاد الأدباء والكتاب اليمنيين ، وكذلك الأستاذ الفاضل الأديب ( علي عبدالعزيز نصر ) ومن هؤلاء ايضاً الأستاذ المرحوم ( إبراهيم صادق ) صاحب نص تلك الأنشودة الثورية التي لازال وقعها في قلب كل يمني (أنا يمني واسألوا التاريخ عني أنا يمني ) والأستاذ المربي الفاضل الأديب والشاعر المرحوم ( عبدالله محمد عطيه ) والأستاذ الشاعر ( يحيى عوض محرقي ) وهكذا دواليك ، ناهيك عن أعداد لا حصر لها كالأستاذ العزي مصوعي والأستاذ محمد العديني وآخرون من قوافل المبدعين الشباب الذين لازالت تزخر بهم تهامة .. وبعد .. فهل هؤلاء بعيدون عن تسليط الأضواء أو أن أحدهم تنقصه الشهرة في أوساط المثقفين او على المشهد الثقافي برمته .[c1] كيف تقرأ الواقع الثقافي والإبداعي في بلادنا ، وماذا لديك للرقي بهذا الواقع ؟[/c]ج- الواقع الثقافي في بلادنا مشجع جداً ويدعو للتفاؤل مع وجود هذا الكم الكبير من المبدعين في شتى دروب الثقافة والإبداع .. ولكن هذا الزخم وهذا الكم يحتاج الارتقاء به إلى ترشيد الاستراتيجيات الداعمة وتوظيفها توظيفاً يخدم الحركة الإبداعية في بلادنا بعيداً عن الاجترارات التي من شأنها أن تؤدي إلى الانحرافات عن المسارات التي ينبغي أن لا نحيد عنها تحت أي ظرف من الظروف .[c1] اللون التهامي أو الأغنية التهامية هل وقفت عند ذاك القليل الذي جاد به الأقدمون ، أو أنها تترنح عند بعض المحاولات التقليدية التي تعتمد بدرجة أساسية على مفردات تهامية دارجة ليس إلا و لانقول لوناً تهامياً .. ما رأيكم في ذلك ؟ ولماذا لا تفكرون في بدائل جادة لإعادة وهج هذا اللون وفرضه على خارطة الإبداع في وطنناً عموماً ؟[/c]ج- على دقة السؤال اسمحوا لي أن أقول لكم أولاً أن الأغنية التهامية جزء أساسي ومكون فني استراتيجي من مكونات الأغنية اليمنية إذا أنها انتقلت من صفة الخصوص إلى صفة العموم وبالنظر إلى غنى التراث الحميني في اليمن فإننا نجد مؤشراً قوياً يقودنا إلى القصيدة الحمينية التي ترجع أصولها إلى تهامة ولم تخرج من تهامة لتشمل الجغرافيا اليمنية كنص شعري او مكون شعري مجرد وإنما رفرفت بها أجنحة الفن الغنائي إلى أصقاع الأرض اليمنية بشكل عام.بمعنى أن القصيدة الحمينية ولدت لتغنى وهناك سفراء للأغنية من أبنائها كانوا ينتقلون بها إلى صنعاء وإلى كوكبان وغيرهما من المناطق اليمنية كما اخبرنا بهذا ابن لطف الله جامع ديوان محمد بن عبدالله شرف الدين وذكر عدداً من هؤلاء ، ولانذهب بعيداً ، انظروا إلى عميد الإنشاد اليمني الشيخ جابر أحمد رزق الذي لازالت رواحله يرددها المنشدون اليمنيون في مختلف المناطق اليمنية .. وعموماً نقول إن الأساس الشعري للأغنية اليمنية كان هو النص الحميني سواء في صنعاء او في تهامة أو عدن أو حضرموت ليستمر من قبل المئة الخامسة للهجرة حتى المئة الثالثة عشرة للهجرة تقريباً بدأت الأغنية اليمنية تدخل في منعطف آخر فترجلت كثير من المناطق عن النص الحميني الملتزم لتستبدل بنص عامي مثل الأغنية الحضرمية والأغنية اللحجية زمن القمندان وكذلك الأغنية التهامية فاستخدام الإيقاع الشعبي بديلاً دارجاً للإيقاع التراثي المعروف والمصاحب للنص الحميني وظلت صنعاء محافظة عليه إلى يومنا فأصبحت فيما يعرف الآن بالأغنية الصنعانية وتميزت بها صنعاء لأنها انطبعت بخصوصية البيئة الفنية الصنعانية غناء ورقصاً .[c1]في ختام هذا اللقاء ماهي كلمتكم الأخيرة للإخوة القراء ؟[/c]ج- ثانية أكرر شكري وتقديري لصحيفة 14 أكتوبر ولجميع القائمين عليها على جهودهم الجبارة التي نلمسها في التطور النوعي مادة وإخراجاً وما إلى ذلك من الجهود التي تحتاجها كل صحيفة للخروج إلى القارئ بصورة تشده وتجذبه إلى مطالعتها واعتبارها ضمن وجبته الثقافية والتنويرية اليومية وأشكر جميع الإخوة قراء الصحيفة وتمنياتي للجميع بالتوفيق بإذن الله تعالى .