محمد زكرياأينما وليت وجهك شطر قرى ومدن مصر المحروسة المختلفة سواء في وجه قبلي أو بحري، فإن الكثير من شهود القبور لأسماء قبائل يمنية التي نجت من قبضة الزمان والتي تعود إلى تاريخ فتح مصر بقيادة الصحابي الجليل والقائد الفذ عمرو بن العاص مازالت ماثلة للعيان تروي قصة أصحابها الذين ضربوا أروع البطولات والتضحيات والفداء ليبزغ فجر الإسلام على ضفاف نهر النيل العظيم . [c1]كتاب قيم[/c]والحقيقة أن قصة القبائل اليمنية لمصر ، رويت في كتاب قيم بعنوان (( القبائل اليمنية في مصر منذ الفتح العربي حتى نهاية العصر الأموي )) . لمؤلفها الأستاذ الدكتور السيد طه أبو سديره الذي بذل جهود كبيرة من أجل رسم صورة دقيقة ومفصلة عن دور اليمنيين في فتح مصر بقيادة القائد المحنك عمرو بن العاص وتمكن أن يعيدنا إلى مشاهد تلك القصة الرائعة التي سطرت حروفها من نور ، فالقصة التي يرويها لنا الدكتور السيد طه ليست من صنع خياله وإنما هي قصة حقيقية أبطالها من القبائل اليمنية وقائدها عمرو بن العاص حدثت مشاهدها على أرض الكنانة مصر .[c1]بداية أحداث القصة[/c]يقول الدكتور السيد طه أبو سديره أن بداية خيوط أحداث قصة فتح مصر على يد القبائل اليمنية ـ كما مر بنا سابقا ـ بدأت عندما استولى الصحابي الجليل القائد عمرو بن العاص على بيت المقدس . وفر قائد حاميتها الروماني أرطبون إلى مصر , ووجد بطريقها أنه من العبث المقاومة . فطلب من القائد عمرو أن تسلم المدينة لخليفة المسلمين أمير المؤمنين عمر بن الخطاب . وفي سنة ( 15هـ / 636م) دخلها الخليفة وتسلمها من بطريقها . وبعد أن دخلت مدينة بيت المقدس في حوزة المسلمين . كان هناك مقترحا غاية في الأهمية يراود ويشغل بال القائد عمرو بن العاص وهو فتح مصر . والحقيقة أن القائد عمرو كان يدرك أهمية مصر بالنسبة للفتوحات الإسلامية لكونها كانت بها قوة ضاربة من القوات الرومانية التي تبلغ عددها قرابة مائتي ألف من الجند , وأن سقوطها بيد المسلمين سيحسم الكثير من المعارك مع الإمبراطورية البيزنطية أو بمعنى آخر ستكون الضربة القاصمة للإمبراطورية البيزنطية . وكان يعتبرها القاعدة الكبرى والصلبة التي يمكن منها أن تنطلق الجيوش الإسلامية إلى المغرب العربي والذي كان الكثير من مناطقه تحت النفوذ البيزنطي الروماني أو تحت حلفاءه من قبائل البربر سكان المغرب العربي . [c1]الطريق إلى مصر[/c]وكيفما كان الأمر ، فقد عرض القائد عمرو على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب مشروعه المتعلق بفتح مصر . ولكن عمر ارتأى أن الأوضاع العسكرية في الجبهات الإسلامية لم تتضح بعد معالم انتصارها بصورة حاسمة . وحينما بدأ الميزان العسكري يميل لصالح المسلمين أو بعبارة أخرى استقامت الأمور للمسلمين في البلدان التي فتحوها " فلما ظهر العرب ، وانتهت الحرب أو كادت عاد عمرو إلى عرض رأيه " . ويبدو أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أقتنع برأي القائد عمرو لعدد أسباب أولا أن الأمور قد استقرت للمسلمين ـ كما قلنا سابقا ـ وثانيا أن القائد عمرو كان يعرف مداخل ومخارج مصر لكونه كان في الجاهلية قبل إسلامه كان كثير السفر إليها حيث كان له علاقة تجارية مع تجارها.وفوق ذلك كله هو نشر نور الإسلام على ربوعها . [c1]معلومات جديدة[/c]والحقيقة أن الدكتور السيد طه يكشف لنا معلومات هامة عن صفحة من صفحات قصة تاريخ فتح مصر . فالكثير من المؤرخين القدامى ظنوا أن مشروع أو فكرة فتح مصر أتت من القائد عمرو بن العاص ، وأنه هو وحده الذي تحمل على عاتقه ذلك الفتح العظيم . والحقيقة أنه ما كان يستطيع أن يتحرك صوب مصر هو وقواته دون إذن من الخليفة عمر بن الخطاب , وأما حول الرسالة أو الكتاب الذي أرسله الخليفة الفاروق عمر إلى قائده عمرو وهو تعبيره عن مشاعر الإشفاق و القلق على المسلمين . وهنا ربما يكون مناسبا أن نقتبس فقرة من كلام السيد طه أبو سديره عن ذلك الموضوع ، إذ يقول : " وتحاول بعض الروايات العربية أن تجعل فكرة غزو مصر آتية من عمرو بن العاص وحده ، وأنه أخذ على عاتقه السير إلى مصر على الرغم من عدم موافقة الخليفة على ذلك ، وأنه أرسل إليه كتابا يأمره بالرجوع إلا إذا كان دخل في أرض مصر " . ويمضي في حديثه ، قائلا : " ولعل التردد الذي تنسبه الرواية العربية التي أوردها ابن عبد الحكيم وغيره إلى عمر ، قد يكون بسبب تخوفه على سلامة المسلمين , ولكن الواقع يقتضي القول بأن عمرا لم يكن ليسير نحو مصر إلا بعد أن عدل عمر عن رأيه ، وهناك نص قاطع أورده ابن اسحق ، يأمر فيه الخليفة عمرو بن العاص بالتوجه إلى مصر بمجرد قراءة كتابه ، مما يدل على أن خطة الفتح كانت تسير وفق خطة الخلافة نفسها "التحديد من قبيلة عك اليمنية ومساكنها في تهامة اليمن . وأما المؤرخ الكندي ، فيقول أن ثلث الجند كانوا من غافق وهي قبائل يمنية ـ أيضا ـ فإذا بعدد من القبائل اليمنية تسارع إلى مناصرة جيش المسلمين وهم قبائل من لخم ، وراشدة وتلك القبائل كانت تسكن مصر قبل ظهور الإسلام في جزيرة العرب . وعلى أية حال ، فقد تمكنت القبائل اليمنية التي كانت القوة الضاربة لجيش القائد عمرو بن العاص بمساعدة تلك القبائل اليمنية الأخرى التي كانت تقطن مصر منذ وقت طويل ـ كما مر بنا سابقاـ أن تستولي على مدينة العريش وحصونها وقلاعها بسهولة ويسر . ولكن الدكتور سيد طه يطرح سؤالا هاما وهو " كيف نفسر أن عماد جيش عمرو من قبيلة عك ؟ أو من هؤلاء اليمانية " . فيجيب على ذلك السؤال الهام الذي لم يلتفت إليه الكثير من المؤرخين القدامى أو المؤرخين المحدثين . فكل ما نعلمه أن القائد الفاتح عمرو توجه من بيت المقدس بعد أن أذن له الخليفة الفاروق بالتوجه إلى مصر , على رأس جيش كان عماده من القبائل اليمنية . وعلى أية حال تلك القبائل اليمنية التي ذكرناها سابقا والتي كانت تحت قيادة القائد الفذ عمرو هل أتت من اليمن مباشرة إلى الحجاز ، والشام ؟ . ولكن يقول الدكتور سيد أبو سديره بأن تلك القبائل اليمنية كانت تقطن بلاد الشام قبل ظهور الإسلام بزمن بعيد وعلى وجه اليقين أن تلك القبائل اليمنية التي سكنت الشام . قد نزحت من اليمن ( الأم ) إلى تلك الديار الشامية بعد انهيار سد مأرب الشهير في حوالي سنة 450م . [c1]اليمنيون في بلاد الشام[/c] وربما يكون مناسبا أن نورد نص إجابة سيد أبو سديره على ذلك السؤال الذي طرحه قبل قليل ، إذ يقول : " والواقع أن القبائل اليمنية كانت موجودة في بلاد الشام قبل ظهور الدعوة الإسلامية ، فمن المعروف لدى النسابة العرب أن العديد من الهجرات العربية من جنوب الجزيرة قد نزحت نحو الشمال حتى وردت أرض الشام ، واستقرت فيه ، وعرفوا أيضا بقحطان على اسم قحطان أبو اليمن كلها كما يقول ابن هشام ، وان غلب عليهم اسم اليمنية أو اليمن أو اليمانية في المصادر العربية ". وفي واقع الأمر ، أن القائد عمرو كان مسيطرا على غالبية بلاد الشام قبل أن يفتح مصر , وكانت تلك القبائل اليمنية تسكن تلك الديار الشامية , وعندما توجه على رأس جيشه إلى فتح مصر كانت قوته الضاربة أو بمعنى آخر كان قوام جيشه من القبائل اليمنية التي كانت تسكن بلاد الشام . والجدير ذكره أن القبائل اليمنية التي سكنت بلاد الشام كانت تعتنق النصرانية , وعندما بزغ نور الإسلام في ربوع الجزيرة العربية دخلت في دين الله أفواجا . [c1]الغساسنة[/c]ويزيد الدكتور شوقي ضيف في توضيح صورة هجرة القبائل اليمنية العربية من اليمن , فيقول أن القبائل اليمنية اتجه البعض منها إلى الحدود المتاخمة لبلاد الشام الواقعة تحت نفوذ الإمبراطورية البيزنطية الرومانية . ولقد ارتأى الأباطرة الرومانيين أن يتخذوا من الغساسنة حلفاء لهم ضد أعداءهم الفرس , ويكونوا هؤلاء الغساسنة الذين تعود أصولهم إلى اليمن بمثابة درع واقي تحجزهم من غارات البدو , وهجمات الفرس . وربما كان من المناسب أن نقتبس فقره من كلام الدكتور ضيف حول نسب الغساسنة : " والغساسنة يعودون في رأي نسابي العرب إلى أصل يمني ، فهم من عرب الجنوب الذين نزحوا إلى الشمال مع قبائل أخرى كثيرة أهما جذام وعاملة ، وكلب ، وقضاعة " . [c1]قبائل حضرموت[/c] ويشير سيد أبو سديره أن الروايات العربية اختلفت في عدد جيش عمرو بن العاص بعضهم ، يقول تراوح إلى ثلاثة آلاف وخمسمائة مقاتل ، وبعضهم ، يرى أنه يصل إلى أربعة آلاف مقاتل . ولكن الشيء المؤكد هو أن المراجع التاريخية أجمعت بأن عماد جيش عمرو كان من أصل يمني ـ على حد قول سيد أبو سديره ـ . ويشير سيد أبو سديره نقلا عن ابن الحكم في كتابه المشهور ( فتوح مصر والمغرب ) بأن غالبية الذي شارك مع جيش القائد عمرو من الحضارمة وأنهم من أوائل من دخل معه الفسطاط العاصمة الأولى لمصر الإسلامية . ولقد أورد عبد الحكم أسماء عدد من قادة قبائل الحضارمة وهم عبد الله بن كليب ، ومالك بن عمر بن الأجدع ، والملامس بن جذيمة ابن سريع ، ونمر بن زرعة ، والاعين بن مالك بن سريع ، وأبو العالية أحد مواليهم حينذاك . ويضيف المؤرخ محمد عبد القادر بامطرف أسماء أخرى للموالي الذي كانوا في صحبة القبيلة الحضرمية التي دخلت مصر وكان لهم دور كبير فيها ، فيقول : " أما من عرف من موالي حضرموت فهم : أبو العالية ـ ولقد جاء ذكره قبل قليل ـ , وكان قد دخل مصر في الفرقة الحضرمية من جيش عمرو بن العاص ، ومغيث وكان كاتبا لتوبة بن نمر القاضي ( 115 ـ 120هـ ) , ويزيد ابن مقسم الذي ضرب العباسيون عنقه لميوله الأموية ، وعبد الرحمن الميسري ، وأبو ذؤالة ( ت 204هـ ) من الشهود وصاحب رحبة باسمه في الفسطاط " . ويضيف قائلا : واشتركت حضرموت في فتوح المغرب العربي ، والأندلس . وفي شبه الجزيرة الآيبيرية استقرت أكثر أسرهم في ما يعرف اليوم بالبرتغال ". [c1]الحضارمة والمناصب الحساسة[/c] وفي واقع الأمر ، أن الحضارمة أو قبيلة حضرموت كانت تضم العديد من بطون وأفخاذ القبائل على سبيل المثال الصدف ، السكون ، كندة ، المهرة , وتجيب . وكيفما كان الأمر ، فإن الحضارمة أو قبائل حضرموت لعبوا دورا مهما في فتح مصر بقيادة عمرو بن العاص . ولقد تبوأ الكثير منهم المناصب القضائية والهامة في مصر ، فيقول : " بامطرف ( نقلا ) عن صاحب كتاب (( القبائل العربية بمصر)) أنهم تولوا القضاء بصورة كبيرة ، ففي خلال قرن ونصف في المدة ما بين سنة 84 وسنة 244 هـ ، ولي القضاء بمصر تسعة من رجال حضرموت، ويحلل بامطرف أسباب ثقة ولاة مصر في الدول التي تعاقبت على حكمها بأنهم أي الحضارمة اتسموا بالمهارة والأمانة . وهذا ما ظهر جليا في مصر حيث كان لهم مكانة خاصة لدى أداة الحكم بها .[c1]الأبناء[/c]ولقد سبق أن تحدثنا ، أن القبائل اليمنية التي كانت تسكن الديار الشامية ، وقد اعتنقت النصرانية , ولكنها أسلمت ، ورغبت في الجهاد مع جيوش المسلمين , فأحسن إسلامها ، فأظهرت بلاء حسنا في الجهاد . وأما بخصوص القبائل اليمنية التي يرجع أصلها إلى الفرس والتي كانت من ضمن جيش القائد عمرو ، فإنها كانت من بقايا الفرس الذين جاءوا إلى اليمن لتخليصها من الأحباش حلفاء الروم , وهؤلاء الفرس انصهروا واختلطوا في المجتمع اليمني وأطلق عليهم ألأبناء في المصادر اليمنية الإسلامية . وفي هذا الصدد ، يقول سيد أبو سديره : " كما يذكر ابن دقماق : أنه كان مع جيش العرب ممن أسلم من الروم ومن الفرس ، فكانوا ممن سار مع عمرو من الشام إلى مصر ، فهو يقول عن الفرس (( وهم قوم من بقايا جند باذان عامل كسرى من اليمن قبل الإسلام ، أسلموا بالشام ورغبوا في الجهاد فنفروا مع عمرو بن العاص ، مما يدل على أنهم عاشوا باليمن فترة ، ثم نزحوا إلى بلاد الشام , وكان خروجهم وانضمامهم إلى صفوف الجيش بغية الجهاد في سبيل الله وفتح الأمصار ". [c1]القبط المصريون [/c]ويشير الدكتور السيد أبو سديره إلى موقف القبط ( أي المسيحيين المصريين ) من الفتح الإسلامي . فهو يقول أن روايات المؤرخين القدامى اختلف في تلك المسألة ، فبعضهم من يقول أن القبط المصريين ما كادت طلائع جيش المسلمين تصل إلى مشارف مصر حتى قاموا بثورة ضد الروم , وساعدوا المسلمين مساعدة كبيرة . وبعض الروايات تناقض تلك الرواية السابقة . فتقول أن القبط المصريين ومعهم أهل النوبة وقفوا موقف المراقب حيث كانوا قد ذاقوا الويل والثبور والظلم والجور ، في ظل حكم الروم الطويل , وخشوا أن يكون العرب مثلهم في طريقة حكمهم . ولذلك وجد جيش المسلمين بقيادة عمرو بن العاص الكثير من العنت , والمقاومة الشديدة . وربما يكون مناسبا أن نورد ما قاله سيد أبو سديره حول الروايات المتناقضة في موقف القبط المصريين إزاء جيش المسلمين إذ يقول : " كما يشهد بذلك أن مقاومة أهل المدينة من القبط كانت موضع اختلاف بين المؤرخين القدامى ، ففريق منهم يرى أن القبط قدموا للمسلمين مساعدة كبيرة وذلك بسبب أنهم كانوا يعملون على التخلص من حكم الروم وطغيانهم ، وبينما يذهب المؤرخ بتلر وغيره إلى أن القبط لم يساعدوا المسلمين إلا بعد أن تم فتحهم لإقليم الفيوم ". ونميل إلى الرواية الأولى والتي تقول أن الأقباط المصريين قد ساعدوا المسلمين مساعدة كبيرة ضد الروم بسبب حكمهم القاسي الذي جثم على صدور المسلمين ردحا من الزمن , فوجد الأقباط المصريين وجود المسلمين في مصر فرصة عظيمة للتخلص من نيران حكمهم البشع .[c1]في بلبيس[/c]ويظهر السيد أبو سديره صور من البطولات الرائعة التي قامت بها القبائل اليمنية في فتح مصر , وكيف أبلوا بلاء حسنا في القتال ضد الجيوش الرومانية النظامية المتمرسة على القتال من ناحية وتمتلك أسلحة قوية وفتاكة حينذاك من ناحية أخرى . وظهر بأس القبائل اليمنية أو الجيش العربي المسلم بقيادة عمرو بن العاص في موقعة بلبيس والتي دارت فيها معركة قاسية وشرسة بين المسلمين والحاميات العسكرية الرومانية وتصف الدكتورة سعاد ماهر وقائع تلك الموقعة الكبيرة والتي تعتبر البداية الحقيقة في انهيار خطوط الروم الدفاعية الأولى في مصر أو بعبارة أخرى كانت موقعة بلبيس والذي أنهزم فيها الروم شر هزيمة بداية النهاية لغروب شمس الروم عن سماء مصر , و( نقلا ) عن ابن عبد الحكيم ، سعاد ماهر : " غير أن العرب لبثوا مدة شهر عند بلبيس حدث في أثنائه قتل كثير وقتل من سادات قريش والعرب ( أي القبائل اليمنية ) عدد ليس بالقليل ، ويقال إن الروم خسروا ألف قتيل وثلاثة آلاف أسير " . وتواصل حديثها ، فتقول : " ويضيف الطبري وابن الأثير على ذلك فيقولان : " إن القبائل العربية التي استقرت في بلبيس ولم تتابع سير الجيش الإسلامي إلى حصن بابليون ( بمصر القديمة ) أقامت في المكان الذي استشهد فيه سادات قريش والعرب مسجدا أسمته جامع السادات وتذكر سعاد ماهر أسماء القادة اليمنيين الذين استشهدوا في بلبيس هو شريك بن سمي العطيفي المرادى , ويقول عنه المؤرخ محمد عبد القادر بامطرف هو : " شريك بن سمي المرادي المذحجي ، من بني ميدعان ، من زبيد : أحد القادة الفاتحين . كان على مقدمة جيش عمرو بن العاص الذي فتح مصر وهو الذي هزم الروم عند ( الكوم )الذي سمي فيما بعد باسمه ( كوم شريك ) بمصر . وكان قائدا في الجيش العربي الذي غزا شمال إفريقية سنة 17هـ ) " . [c1]القائد اليمني المرادي[/c]يلفت نظرنا قول سعاد ماهر أن القائد اليمني شريك المرادي استشهد في موضع ببليس يسمى ( كوم شريك ) ومن المرجح أن يكون كلامها هو الأقرب إلى الحقيقة . أما محمد بامطرف فإنه يقول عنه أنه كان قائدا في الجيش العربي الذي غزا شمال إفريقية سنة 17هـ , ولقد جانب الصواب بقوله ذلك فإنه لا يعقل أن يكون قد غزا إفريقية سنة 17 هـ في الوقت الذي كان ضمن جيش عمرو بن العاص الذي دخل أرض مصر سنة وعلى وجه الدقة في بلبيس ( 18 هـ / 640م ) ، فإن غزو إفريقيا جاء في وقت متأخر وبعبارة أخرى بعد أن استقامت الأمور لعمرو بن العاص في كل مكان من مصر ، والإسكندرية . والجدير الإشارة إليه أن فتح الأخيرة كان تقريبا في سنة ( 21هـ / 641م ) وما يؤكد كلامنا هذا بأن فتح بلاد المغرب جاء في وقت متأخر وليس في وقت مبكر في سنة ( 17 هـ / 639 م ) كما زعم المؤرخ محمد بامطرف هو قول الدكتور السيد عبد العزيز سالم بأن العرب شرعوا في فتح بلاد المغرب العربي منذ سنة ( 20 هـ / 641 م ) في ولاية القائد عمرو بن العاص الأولى على مصر أي في عهد الخليفة الثالث عثمان بن عفان . ويشرح السيد عبد العزيز الأسباب الحقيقية التي دعت القائد عمرو يسرع إلى فتح بلاد المغرب بعد أن تم السيطرة على مصر ، والإسكندرية , فيقول : " شرع العرب في فتح بلاد المغرب منذ سنة 20 هـ ( 641 م ) في ولاية عمرو بن العاص الأولى ، وذلك إتماما لفتح مصر لأن برقة كانت جزءا متمما لها ، أو تأمينا لحدود مصر الغربية التي قد تتعرض لغز بيزنطي من برقة أو تطبيقا لسياسة الاستمرار في الفتح نحو الغرب , وهو أمر يدل عليه خط سير الفتوحات العربية في الشام , ومصر ، وبرقة ، إفريقية ، والمغرب ، والأندلس , وقد تكون محاولة عمرو بن العاص غزو برقة وإفريقية راجعة لهذه الأسباب مجتمعة " . وهناك ـ أيضا ـ مسألة أخرى هو أن قائد الحملة الاستطلاعية إلى برقة هو عقبة بن نافع , وليس القائد اليمني شريك بن سمي العطيفي المرادي . ويفهم من ذلك أن شريك المرادي هذا استشهد في بلبيس تقريبا سنة ( 18 هـ /640م ) . [c1]فتح الإسكندرية [/c]ولقد لعب اليمنيون دورا رئيسيا في فتح الإسكندرية الأول والثاني . في فتح الإسكندرية الأول بعد أن استولوا على حصن بابليون بمصر والذي كان يعد القاعدة الرئيسة للقوات البيزنطية في مصر , وبعد ذلك صار الطريق مفتوحا للقائد عمرو بن العاص للزحف على الإسكندرية . وكان عماد جيش عمرو من القبائل اليمنية أو بمعنى آخر كانت القوة الضاربة والرئيسة لجيشه من اليمنيين وفي فتح الإسكندرية ، كما تقول الروايات العربية فقد أبلوا بلاءا حسنا ، وأظهروا شجاعة منقطعة النظير , وصبرا على مقاتلة الروم . وعلى الرغم من أن الروم حشدوا قوات ضخمة في الإسكندرية لمواجهة المسلمين , واستعدوا استعدادا كبيرا في داخل الإسكندرية حيث شحنوها بالجند والأسلحة والمؤن . وهذا ما جعل فتح المدينة يأخذ وقتا طويلا . وتروي روايات المؤرخين القدامى أن القائد عمرو في أثناء زحفه على مدينة الإسكندرية ، أرسل طلائع من الجيش بقيادة القائد اليمني عوف بن مالك الازدي ليستطلع على مداخلها ومخارجه وبذلك يضع الخطط السليمة لفتح المدينة. وكيفما كان الأمر ، فقد كانت أول الأعمال القتالية التي قام بها اليمنيين هي حصار حصن الإسكندرية . وعلى الرغم من ضروب الشجاعة الفائقة التي أبدوها إلا أن حصار المدينة استمر وقت طويل . وحول مدة الحصار على المدينة ، يقول الدكتور سيد أبو سديره : " وقد طالت مدة الحصار , قيل أن حصارها استمر ثلاثة أشهر , وقيل أيضا أن عمرا ضرب الحصار على الإسكندرية مدة أربع عشرة شهرا منها تسعة أشهر بعد موت هرقل عام 641م, وخمسة قبل ذلك ، وأن فتحها تم في أول المحرم سنة 21هـ / 641 م " . [c1]فتح الإسكندرية الثاني[/c]قامت قوة بحرية بيزنطية بغارة فجائية على الإسكندرية , واستطاعت تلك القوة العسكرية أن تخترق عددا من قرى الإسكندرية . ويبدو أن البيزنطيين استغلوا سفر القائد عمرو بن العاص إلى المدينة المنورة لمقابلة الخليفة عثمان بن عفان من ناحية ويبدو أن المسلمين كانوا في حالة استرخاء وذلك بسبب المعارك المستمرة القاسية التي خاضوها ضد الروم طوال الشهور الماضية من ناحية ثانية وعلى الرغم من الخسائر التي تكبدتها الإمبراطورية البيزنطية في معاركها مع المسلمين . فقد كانت مازالت تمتلك أسطولا قويا في حوض البحر المتوسط يستطيع أن يهدد ثغور المسلمين بخلاف المسلمين الذين كانوا لا يملكون القوة البحرية التي تستطيع الوقوف في وجوهها حيث كانوا حديث العهد بالبحر من ناحية أخرى وأغلب الظن أن كل تلك الأسبا مجتمعة جرأت القوة البحرية البيزنطية بالنزول إلى ثغر الإسكندرية . [c1]قبيلة المهرة[/c]وعندما بلغت تلك الأخبار الخطيرة إلى الخليفة عثمان بن عفان ، أرسل القائد عمرو بن العاص إلى مصر الذي كانت له دراية واسعة وعميقة في قتال الروم من ناحية وشخصيته المهيبة والقوية في نفوسهم من ناحية أخرى . وعند بلدة نقيوس التي تجمعت بها القوة البحرية البيزنطية دارت معركة حامية الوطيس . وكانت القبائل اليمنية على رأس جيش القائد عمرو التي خاطت القتال بشراسة وشجاعة كبيرين في مواجهة القوة البيزنطية . وقيل أن قوام جيش عمرو كان خمسة عشرة ألف مقاتل , وكانوا من بطون وأفخاذ القبائل اليمنية المختلفة . ولقد شاركت في الفتح الثاني للإسكندرية قبيلة المهرة وتمتاز برباطة الجأش والمهارة في الطعان والنزال . وقد وصفها القائد عمرو بن العاص بأنهم (( قوم يقتلون ولا يقتلون )) وهذا دليل واضح على مدى قدرة مقاتليها الكبيرة في ميدان المعركة . ويصفها المؤرخ محمد عبد القادر بامطرف ، قائلا : " وكانت المهرة كثيرة العدد قوية الجانب ، ويذكر لها التاريخ أن الفرقة المهرية كانت أولى الفرق الإسلامية ـ في جيش عمرو ـ التي اقتحمت على الروم سور مدينة الإسكندرية " . ويضيف فيقول : " وتشهد شواهد القبور بمصر بأن المهرة احتفظوا ببقائهم في مصر حتى القرن الثالث عشر الهجري " . وكيفما كان الأمر ، فقد تمكن القائد عمرو بن العاص والذي كان على رأس جيش قوامه كله من اليمنيين ـ كما مر بنا سابقا ـ أن يهزم الروم هزيمة نكراء .[c1]اليمنيون والأسطول البحري[/c]ومما لاشك فيه أن فتح المسلمين للإسكندرية كانت له نتائج إيجابية على صعيد الفتوحات الإسلامية الكبرى ، فمن ثغرها انطلقت الفتوحات الإسلامية البحرية إلى عدد من الجزر الواقعة في حوض البحر المتوسط . والحقيقة أن الغالبية من الذين خدموا في الأسطول البحري الإسلامي كانوا من اليمنيين وخصوصا من المهرة الذين كانوا لهم دراية واسعة وعميقة في ركوب البحر . فقد اعتمد عليهم الولاة المسلمين على حراسة ثغور السواحل المصرية , ومنها كان تنطلق القوة البحرية الإسلامية الفتية والتي كانت غالبيتها من اليمنيين ـ كما مر بنا سابقاـ وربما يكون مناسبا أن نورد نص ما قاله الدكتور السيد أبو سديره حول دور اليمنيين الهام في تاريخ البحرية الإسلامية ، إذ يقول : " شجع الولاة العرب على إقامة اليمانية بالإسكندرية في أعقاب فتحها لا سيما أن ولاة البحر والمشرفين على هذا الثغر وغيره من السواحل المصرية كانوا من قبائل اليمن . وقد أبدى هؤلاء اهتمامهم بأمور الجهاد والمرابطة للحفاظ على ثغر الإسكندرية من غارات الروم ، وتحصين المدينة بالأربطة والنواطير ( المراقبين ) ونحو ذلك " . ويروي لنا السيد أبو سديره دور اليمنيين في موقعة ذي الصواري والتي حدثت بين القوة البحرية الإسلامية الناشئة والأساطيل البحرية البيزنطية القوية في سنة ( 34هـ / 655 م ) ، فيقول : " وقد أشارات المصادر الإسلامية إلى فضل الرباط بثغر الإسكندرية وغيره من الثغور ، كما شجع ذلك المرابطين ( يقصد اليمنيين ) من أجل الخروج والقتال في البحر ، فقد استطاع هؤلاء العرب المجاهدون هزيمة الروم في موقعة ذي الصواري . وقد سميت بهذا الاسم لكثرة صواري السفن التي التحمت في القتال فيها " . ويشير بأن معركة ذا الصواري كانت أول المعارك البحرية التي انتصر فيها العرب المسلمين على البيزنطيين ومن نتائجها أن صار حوض البحر المتوسط من بحيرة رومانية إلى بحيرة إسلامية . [c1]اليمنيون وجزر البحر المتوسط[/c]ولقد أجمعت كتب التاريخ إن اليمنيون أدوا دورا مهما وخطيرا في تدعيم أركان الدولة الأموية العربية . وكانوا من القبائل العربية المقربة إلى الخليفة معاوية بن أبي سفيان بسبب مصاهرته لأحدى القبائل اليمنية وكان من ثمرة ذلك الزواج هو ابنه زيد والذي قرب إليه أخواله اليمنيين , فتولوا الكثير من مفاصل الدولة الحساسة . وفي واقع الأمر ، مثلما كان عماد جيش القائد عمرو بن العاص الذي فتح مصر من اليمنيين كان ـ أيضا ـ عماد البحرية في عصر بني أمية من اليمنيين وعلى وجه التحديد من أبناء المهرة والحضارمة الذين كانوا لهم دراية وخبرة واسعة في ركوب البحر ـ كما قلنا سابقا ـ . وفي هذا الصدد يقول الدكتور السيد طه أبو سديره : " ومما لا شك فيه أن اليمنيين وهم عماد الجيش والبحرية في عصر بني أمية كان لهم الدور الفعال في غزو جزر البحر المتوسط مثل رودس ، وكريت ، وأرواد ( أحد جزر بحر مرمرة بالقرب من استنبول ) ، وصقلية " ويضيف قائلا : " وقد شجعهم على ذلك تقدم صناعة السفن الحربية في كل من جزيرة الروضة والقلزم (السويس حاليا [c1]الهوامـــــش [/c]الدكتور السيد طه أبو سديره ؛ القبائل اليمنية في مصر منذ الفتح العربي حتى نهاية العصر الأموي ( من 20 إلى 132 هـ / 640 ـ 750 ميلادية ) ، كلية الآداب بقنا / جامعة أسيوط ، الطبعة الأولى 1408 هـ / 1988 م ، مكتبة الشعب بالفجالة ـ القاهرة . الدكتور شوقي ضيف ؛ العصر الجاهلي ، الطبعة الثامنة ، دار المعارف ـ القاهرة ـ جمهورية مصر العربية ـ . الدكتورة سعاد ماهر محمد ؛ مساجد مصر وأولياؤها الصالحون , المجلد الثاني ، دار الكتاب المصري ـ القاهرة ـ . محمد عبد القادر بامطرف ؛ الجامع ، الطبعة الأولى 1424 هـ ـ 2003 م ، الهيئة العامة للكتاب ، الجمهورية اليمنية .الدكتور السيد عبد العزيز سالم ؛ تاريخ المسلمين وآثارهم في الأندلس، الطبعة الثانية ، 1986 م ، مكتبة الأنجلو المصرية .
|
تاريخ
اليمنيون وفتح مصر
أخبار متعلقة