أضواء
على قدر ما هو مفرح القبض على 520 إرهابيا ، على قدر ما هو أمر مخيف أيضا ، فمن جهة كان يمكن لهؤلاء أن يزيدوا معاناة المجتمع المتورط في الغلاء ، فيحولوها لكارثة ، لو نجحوا في مخططاتهم التي يحددها لهم كتابهم المقدس “إدارة التوحش” للمؤلف المجهول “أبي بكر ناجي” ، وهي ضرب اقتصاد البلد .من جهة أخرى مخيف ، لأنه يجعلك تتساءل كيف يمكن لمثل هذا الكتاب أن يصبح مقدسا لدى فئة للأسف لا توجد دراسة تحدد نسبتهم ؟ كتاب يعتمد القتل والتدمير ويرى أن مهمة المسلم هي أن يخوض الحروب دون أن يعتمد على الزمن أو الجغرافيا ، أي يجاهد طوال حياته وبلا توقف إلى أن يفنى غير المسلمين ، مع ملاحظة أن المسلمين هم أصحاب هذا المذهب فقط ؟كتاب يعتمد على التدمير ، تدمير كل شيء ، من أجل تحقيق الهدف الأسمى وهو أن يدخل جميع من في الأرض الإسلام رغما عنهم ، ومن لا يدخل فدمه وماله ونساؤه مباحون لهذه الفئة من باب أنهم غنائم .كتاب يشوه الإسلام ، ويقدمه على أنه عدواني وبلا مبادئ ، فهو أي الكتاب وهو يقدم صراعه مع الآخر ، كحكومة عربية مصر ، يطالب من أفراده في مثل هذا الصراع ، بأن يخطف رهائن لأي أفراد في سفارة مصرية ، ثم يفاوضون الحكومة من أجل فك إخوتهم الأسرى ، وإن لم تستجب الحكومة ، فعليهم قتل هؤلاء الأبرياء ، ولكن ليس بطريقة عادية ، بل بطريقة مرعبة ومخيفة ترهب ليس الحكومة بل والشعب معها ، من باب إرهاب عدوهم الذي هو عدو الله أيضا.كتاب قائم على التدمير أولا ، تدمير كل شيء من خلال خطة على ثلاث مراحل الأولى “شوكة النكاية والإنهاك” ، وهي تعتمد على قتل/اغتيال من يخالفهم في الرأي ؛ كقتل أحد الكتاب كأضعف الجهاد ، إلى أن يصل لتدمير كل مؤسسات الدولة ، فالدولة أو الوطن بالنسبة لهم وكما يقول الكتاب “لا بد من التنبيه على ضلال دعوة بعض قادة الحركات المهترئة ـ (ويعني بالحركات الإسلامية كحماس والإخوان والبشير) ـ بوجوب الحفاظ على النسيج الوطني أو اللحمة الوطنية أو الوحدة الوطنية ، فعلاوة على أن هذا القول فيه شبهة الوطنية الكافرة ، إلا أنه يدل على أنهم لم يفهموا قط الطريقة السننية لسقوط الحضارات وبنائها” .وبعد تدمير كل ما هو مؤسساتي ، تأتي المرحلة الثانية “إدارة التوحش” ، وهي تحول المجتمع إلى غابة ، فيتمنى عقلاء المجتمع أن يأتي من يدير أمور هذا المجتمع ، فيتقدم رجال هذه الفئة ليلعبوا هذا الدور ، فينشروا الأمن ويوفروا الطعام والعلاج لهذا القطيع .ثم تأتي المرحلة الثالثة “شوكة التمكين” أو قيام دولة الإسلام ، التي من مهامها خوض الحروب أو كما يقول الكتاب : “إمكانية التوسع على الإغارة على الأعداء ، لردعهم وغنم أموالهم وإبقائهم في توجس دائم وحاجة للموادعة” .ما يثير المخاوف أكثر ، ليس الكتاب ولا هؤلاء الـ 520 إرهابيا ، بل إنك حين تحاول البحث عن تأثير مثل هذا الكتاب في أفراد المجتمع ، من خلال الانترنت ، ستكتشف أن أغلب الردود على من نشر لهم هذا الكتاب أو أجزاء منه لا تتعدى “جزاك الله ألف خير .. أو جعله في ميزان أعمالك .. أو بارك الله فيك” .وهذا ما يجعل مخاوفك ترتفع أكثر ، لأنك أمام أفراد يمكن وبسهولة أن ينخرطوا مع هكذا تنظيم إرهابي ، لأنه تم تأسيسهم على الحفظ والترديد ، ويكفي لأي كتاب أو مقال أن يضمن بداخله بعض آيات القرآن والأحاديث ، وروايات ضعيفة عن كيف أباح الصحابة لأنفسهم سحل وقتل وحرق من يخالفهم “كما يروي كتاب إدارة التوحش” ، ليعتنقوا أفكاره .بقي لدي سؤال وهو غير بريء مفاده : حين تقرأ الكتب والمقالات والبحوث التي خرجت لترد على رواية كتبها المفكر السعودي “تركي الحمد” من باب نصرة الدين وحماية المجتمع من الفكر الضال ، فيما مثل هذا الكتاب لم ينبر له أحد منهم ، هل يعني هذا أن أولئك المحاربين يرون كتاب “إدارة التوحش” كتابا مقدسا ؟[c1]* جريدة “شمس” السعودية[/c]