الحضارات صدام أم حوار 3 - 5
غرضنا من وراء هذا السرد التاريخي هو التعرف على المعنى الذي منحه الكتاب للحضارة حيث وجدناهم يخلطون بين الحضارة والثقافة والمدنية والقومية والعرق والأمة والمجتمع ككل، ومن التعريفات التي تكرر في الكتب المدرسية تعريف الانجليزي "أدوارد تايلو 1832-1917م" في كتابه "الثقافة البدائية" والذي يطابق فيه بين الحضارة والثقافة بقوله:إن الثقافة "الحضارة" هي كل مركب يشتمل على المعرفة والمعتقدات والفنون والأخلاق والقانون والعرف وغير ذلك من الإمكانات والعادات التي يكتسبها الإنسان كونه عضواً في المجتمع" وقد شاع هذا المعنى الانتربولوجي للثقافة عند الدارسين العرب كتعريف للحضارة.ورغم أن الألمان قد فرقوا بين الحضارة والثقافة ، إلا أن هذا التفريق لم يكن موفقاً حيث يذهب ماكس فيبر إلى "أن الحضارة تمثل العقل ولا وطن لها، إذ تنتقل نماذجها بسهولة من مجتمع إلى آخر، أما الثقافة فأساسها العاطفة والقيم الروحية وهي تعبر عن روح الجماعة التي تنشأ بها وهي تقوم على الكمال الروحي والفلسفي والعاطفي".بيدان معظم العلماء الأمريكيين مثلهم مثل الفرنسيين لايفرقون بين لفظي الحضارة والثقافة بل ويخلطونها بالمدنية ، إذ استخدم الامريكي ديورنت في كتابه "قصة الحضارة" كلمتي مدنية وحضارة بمعنى واحد بقوله "نستخدم كلمتي "مدنية أو حضارة" في هذا الكتاب بمعنى النظام الاجتماعي والتشريع الخلقي والنشاط الثقافي.ويرى الفرنسي تشايلد "أن المدنية هي حضارة المدن وأن كل ماياتي من المدنية هو رمز ونتيجة للحضارة".ولايفرق ارنولد توينبي بين الحضارة والثقافة والمدنية والمجتمع، بل يستخدمها بمعنى واحد فالحضارة عنده هي الوحدة الأساسية في دراسة التاريخ العالمي إذ أنها تعبير عن أوسع كيان بلغة المجتمع البشري.ويرى الأمريكي "برودل" أنه "من المضلل أن نحاول على الطريقة الألمانية- فصل " الثقافة" عن أساسها الحضارة إذ أن ا لحضارة والثقافة كلاهما يشير الى مجمل اسلوب الحياة لدى شعب ما، والحضارة هي ثقافة على نطاق واسع.. هنتجتون 69 .ويرى هينتجتون ان التاريخ الإنساني هو تاريخ حضارات ومن المستحيل ان نفكر به بأي معنى آخر والحضارة هي الكيان الثقافي الأوسع ا لقرى والمناطق والجماعات ا العرقية والقوميات والجماعات الدينية.. وهكذا فإن الحضارة هي أعلى تجمع ثقافي من البشر واعرض مستوى من الهوية الثقافية يمكن أن يميز الإنسان عن الأنواع الأخرى. وهي تعرف بكل من العناصر الموضوعية العامة مثل اللغة والتاريخ والدين والعادات والمؤسسات والتحقق الذاتي للناس . وهناك مستويات للهوية لدى البشر. فساكن روما قد يعرف نفسه بدرجات مختلفة من الاتساع: روماني،كاثوليكي، مسيحي اوروبي، غربي.والحضارة التي ينتمي إليها هي أعرض مستوى من التعريف الذي يمكن أن يعرف به نفسه. الحضارة هي "نحن" الكبرى التي نشعر ثقافياً بداخلها اننا في بيتنا، في مقابل "هم" أي الآخرين الاغيار.والناس يعرفون انفسهم من خلال النسب والدين واللغة والتاريخ والقيم والعادات والمؤسسات الاجتماعية ويتطابقون مع الجماعات الثقافية "قبائل- جماعات اثنية- طوائف دينية مذاهب وكل - أمم" ومع الحضارات على المستوى الأكبر كما يستخدم الناس السياسة لتحديد هويتهم الى جانب دفع مصالحهم وتنميتها فنحن لانعرف من نكون إلا عندما نعرف مالبس نحن، وذلك يتم غالباً عندما نعرف "نحن ضد من؟".وينتهي هنتجتون الى اعتبار الحضارات المعاصرة هي القبائل الكبيرة التي تتصارع اليوم كما كانت تتصارع في الماضي القبائل الصغيره.هذه بعض النماذج الذي تلقي الضوء على الفهم المضلل واملتبس الحضارة تحديداً وللتاريخ على نحو عام، حيث جرى الخلط بين التاريخ وقواه التي هي الحضارة والثقافة والمدنية، فإذا كانت هذه المفاهيم تعني شيء واحد فلها ماذا تستخدم كلمات مختلفة للتعبير عن ذلك الشي الذي تعنيه.[c1]التاريح وقواه: [/c]على الضد من ذلك الخلط والتشوش الذي عرضناه نرى ان الفهرسة الصحية للتاريخ وقوته تتجدد في الآتي:أولاً: أن اجود تعريف للتاريخ يقوم في أن التاريخ حركة الكون كله حركة ا زلية ابدية لابداية لها ولانهاية من جميع الجهات الى جميع الجهات، وصراع ازلي ابدي دائم اذ هو في حقيقة امر النقدية إلا رد فعل وتكيف بالتطور وتطور بالتكيف واتخاذ موقف تزيده قوة في مواقع محمية وتزيده حماية في الصراع الدائم.ولاشيء يجيء الى التاريخ ولاشيء يخرج منه ولاتعني فيه الحوادث ولاتستحدث لكنها دائمة التغيير والتبدل.والإنسان كائن مؤرخ وله تاريخان تاريخ طبيعي ولامصادفة في الطبيعية ، تاريخ وضعي ولااختيار في فعل الانسان.وما عناصر التاريخ إلا وسائل وأسبابه وغاياته قواه التي يتطور بها صاعداً في معارج التقدم والتطور والارتقاء والتي هي:1- الثقافة علماً وأدباً وفناً: وهي القوة الإبداعية في التاريخ والثقافة هي كل التطور الدائم والمستمر في العلم وفي الأدب وفي الفن.2- الحضارة: سياسة وأخلاقاً وتشريعاً وهي قوة التاريخ التنظيمية وتعني بها كل التطور الدائم المستمر في السياسة وفي الأخلاق وفي التشريع.3- المدنية: زراعة وصناعة وعمارة: وهي قوة التاريخ المادية السلعية ونعني بها كل التطور الدائم المستمر في الزراعة والصناعة وفي العمارة والتعدين والتدجيل ولايكون التاريخ بهذا التعريف الا مجمل خبرة الانسان في الثقافة وفي الحضارة وفي المدنية التي هي عناصر التاريخ التي منها يتكون ومنها لامن غيرها جميع قواه الفاعلة في جميع ظروف الزمان والمكان والحركة والفعل ورد الفعل والتطور والتكيف واتخاذ الموقف.