أضواء
تناولتُ في المقالين السابقين قضية تأخر زواج الفتيات في المجتمع السعودي إلى درجة تصل بعدم زواج بعضهن مفندة المفاهيم السائدة من ناحية المصطلح المستخدم لوصف هذه الحالة التي لا تعكس حقيقة الأرقام ولا التعريف اللغوي لما يعرف اجتماعياً بالعنوسة حيث سعيت في المقال الأول للتذكير بأن هذا المفهوم ليس مقتصراً على النساء دون الرجال وفي الثاني أوضحت أن هذه القضية مفتعلة إلى حد كبير حيث إن حالة العنوسة إنما هي مشكلة تواجه الشباب في مجتمعنا بشكل أكبر من الفتيات. لكن هذه ليست كل القصة، والسؤال المهم هو لماذا توجد هناك مشكلة إذا كانت أعداد الجنسين متقاربة وليس هناك فارق بينهما يمكن أن يسبب انتشار حالة بقاء الفتيات أو الفتيان من غير زواج؟ وكنتُ قد أشرت سريعاً إلى وجود إشكالات اقتصادية واجتماعية، ولعلي في هذا المقال أركز على العامل الاقتصادي في المعادلة، ونظراً لأنه وفقاً لثقافتنا الدينية والاجتماعية فإن الشاب هو من يقع عليه أكثر الأعباء المادية لتأسيس بيت الزوجية، صحيح أنه لا يقوم بذلك بمفرده وإنما بمساندة أهله، ولكن هذه ليست القاعدة. فهذا يجعلنا نسأل، وهل شبابنا في حال مادية تسمح لهم بتأسيس بيوت؟ وهذا يعني بالدرجة الأولى أن هؤلاء الشباب مؤمنون في وظيفة أو عمل ثابت يدر دخلاً ثابتاً يمكن للشاب على أساسه أن يقرر الحصول على قرض أو أن يوفره حتى يمكن استثماره وغير ذلك من أغراض. والشيء الآخر الأساسي لتأسيس بيت زوجية هو أن يكون هناك «بيت» ليؤسس مع شريكة. وفي ظل الظروف الاقتصادية التي سوف أشير إليها تصبح عملية إمكانية إقدام الشباب على الزواج شبه مستحيلة. ولتفصيل الأمر في قضيتيْ البطالة وتوفر السكن المناسب ألجأ إلى مقالتين وافيتين للدكتور عبدالعزيز العويشق نشرتا في الوطن الأولى بعنوان: «العرض والطلب على العقار.. وآليات السوق»، (17/ 11/ 2009) مع أنها نشرت العام الماضي ولكنها ما زالت تعبر عن اليوم. والثانية بعنوان: «ملف البطالة العنيد أمام وزير العمل الجديد» (29/ 9/ 2010). مع الأخذ في عين الاعتبار بأن هذين مقالان مختاران من بين سلسلة من المقالات المتعلقة بالبطالة نشر بعضها في «الرياض» والآخر في الوطن التي تقدم دراسة وافية حول كثير من المسببات والحلول كذلك. وسوف أقتبس منهما ما يختص بالموضوعين المذكورين بالتحديد فيقول في الأول: « أصبحت البطالة ظاهرة مزمنة في المملكة؛ حيث ظل معدلها في حدود 10 % طيلة السنوات الثماني الماضية، على الرغم من أن الاقتصاد السعودي تضاعف أكثر من مرة خلال تلك الفترة وأوجد مئات الآلاف من الوظائف، لكن معظمها لم يكن من نصيب المواطنين». «وتختلف مشكلة البطالة لدينا عنها في الدول الأخرى ما يتطلب حلولاً تتناسب مع وضعنا المميز. ففي معظم الدول تعود مشكلة البطالة بشكل رئيس إلى ضعف النمو الاقتصادي، وقلة الوظائف التي يتمكن الاقتصاد من إيجادها. ولكن هذا ليس سبب البطالة في المملكة، فاقتصادها قد تضاعف أكثر من مرة خلال العقد الماضي، وتضاعف معه عدد الوظائف المتاحة، ولكن ذلك لم يترجم إلى زيادة مماثلة في عدد المشتغلين من السعوديين، بل ترجم إلى زيادة في عدد المشتغلين من غير السعوديين، كما هو واضح من بيانات مصلحة الإحصاءات العامة أيضا». «واختلاف آخر هو في التحصيل التعليمي للعاطلين عن العمل، ففي الدول الأخرى تزداد فرص الباحث عن العمل في الحصول على وظيفة بزيادة تحصيله العلمي، ومع ذلك نجد أن أعلى نسبة من المتعطلين السعوديين هم من الحاصلين على شهادة البكالوريوس». ثم يسأل السؤال العويص: « لماذا يتركز توطين الوظائف (السعودة) في الوظائف الدنيا ذات المحتوى المعرفي المحدود، وذات الأجور المنخفضة؟ ولماذا لن ننجح في سعودة الوظائف الفنية ذات القيمة المضافة الأعلى؟» وينتهي إلى أن عدد الشباب العاطل عن العمل يبلغ: «449 ألفاً تقريباً في عام 2009، وهي نسبة وعدد قابل للزيادة وتعتمد على نظام حساب غير دقيق. وأن من يعمل بالفعل هم نسبة من المواطنين ممن هم في سن العمل (11.5 مليون شخص تقريباً) لا تتجاوز 33 % من إجمالي من هم في سن العمل، أي واحداً من كل ثلاثة في سن العمل يعمل فعلاً». وهي من أدنى نسب العمل في العالم وتزيد بين النساء لكن ليس هذا موضوعنا اليوم. [c1] صحيفة (الرياض) السعودية