شهدت الساحة الفكرية والسياسية في السنوات الأخيرة الماضية جدلاً في عدد من القضايا، منها ما هو فكري خالص، ومنها ما هو فكر اختلط بالسياسة، ومنها ما هو قانوني اختلط بالفكر تارة وبالسياسة تارة أخرى. فمن قضية حجية الحديث التي أثيرت في بعض الصحف المحلية، وكانت لها تداعيات مختلفة، إلى قضية مشروع قانون لتحديد سن زواج الصغيرات، شهدت المنابر الإعلامية والمساجدية والسياسية تجاذبات بين أطراف متنازعة منها الموالي ومنها المعارض للمسألة قيد الخلاف.وإذا كانت بعض تلك التجاذبات قد خفت حدتها بين المختلفين، فإن بعضها الآخر ما زال قائمـا على سوقه، فعلى خلفية الخلاف الذي احتدم بين المؤيدين لسن قانون تحديد الزواج المذكور أعلاه، وبين معارضي هذا القانون، أصدر المعارضون بيانـا يسمونه “بيان علماء اليمن” في المسألة، وذلك بعد ندوات ومحاضرات وفعاليات معارضة لهذا القانون. وفي المقابل فإن من المتوقع أن يسعى الطرف الآخر (المؤيدون) إلى إصدار بيان آخر بعد الرد على المعارضين بمختلف أشكال ووسائل التعبير.وخلاصة ما يراه المعارضون لمشروع القانون أن إصدار هذا القانون يعد تحريمـا لما أحل الله، وهذا أمر يخالف الشرع، من وجهة نظرهم؛ إذ لا يجوز تقييد المباح خصوصا إذا كان منصوصـا عليه في القرآن الكريم، فضلا عن أن ذلك مخالف لإجماع المسلمين في المسألة، ومخالف لعمل الرسول صلى الله عليه وسلم الذي تزوج عائشة في سن السادسة. ويرد المؤيدون للقانون تفنيدًا للحجج الماضية بالقول - إجمالا- : إن المسألة قيد الخلاف تدخل في دائرة الخلاف السائغ بين الفقهاء وأهل النظر، وإنها ليست من المحرمات قطعـا؛ فليس في القرآن ولا في السنة الصحيحة ما يمنع سن قانون لتحديد سن زواج الصغيرات، وهذا باعتراف الطرف المعارض، إذ قد اعترف أن المسألة لا تخرج عن دائرة المباح. أما قول المعارضين إن المباح لا يجوز تقييده، فهذا مخالف لعمل أهل الفقه طوال التاريخ الإسلامي، وهذا الفقه مبسوط أمام الجميع؛ فلينظر المستطيع كم من المباحات قيدها الفقهاء عملا بقواعد جلب المصالح ودرء المفاسد. أما زعم المعارضين بأن ذلك مخالف لإجماع المسلمين، فهو كلام خال من الصحة والبرهان؛ فليس هناك إجماع في المسألة وإن كان بعضهم قد حكى الإجماع (ابن المنذر)، فإنه كلام مرسل بلا دليل، يخالفه واقع الأمر، هذا فضلا عن أن الإجماع في حد ذاته موضع نقد من قبل العلماء والمحققين منذ ظهوره الأول حتى اليوم. أما قولهم إن الرسول قد تزوج عائشة في سن السادسة ودخل عليها بعد ذلك بسنوات، فقد ثبت زيف هذه المعلومة بالتحقيقات العلمية التاريخية التي قام بها بعض الباحثين المعاصرين، وأشار إليها بعض المتقدمين.وبعد إسقاط اعتراضات المعترضين، يطرح مؤيدو القانون مبرراتهم في تأييد هذا القانون، وهي مبررات مختلفة أساسها البحث عن مصلحة المجتمع والأسرة والفرد، وحماية الصغيرة من عسف أولياء الأمر الظالمين.. استنادا إلى قواعد المصلحة ودرء المفسدة التي هدت إليها كليات الشريعة وقواعد أصول الفقه، وفتاوى أهل الاختصاص من أطباء وعلماء اجتماع ونفس.
مشهد فكري ملتبس بالدين
أخبار متعلقة