منذ أن التفت العالم إلى ظاهرة الكراهية الدينية، أخذ الحديث عنها يتزايد ويتراكم بين مختلف الثقافات والمجتمعات، بصورة تلفت الانتباه بشدة إلى هذه الظاهرة، وبالشكل الذي يكشف عن تنامي الوعي والإدراك بخطورة وحساسية هذه الظاهرة وبإرهاصاتها وتداعياتها، في ظل مجتمعات تتميز بتعدديات متنوعة، دينية ومذهبية، عرقية وقومية، لغوية ولسانية، وهي السِّمة التي تطبع معظم أو جميع المجتمعات الإنسانية فلا يكاد يوجد في مجتمعات العالم اليوم مجتمع خالٍ من تلك التعدديات المذكورة، سواء كانت تعدديات أصيلة من داخل النسيج المجتمعي، أو تعدديات وافدة جاءت من مجتمعات أخرى قريبة أو بعيدة، في ظل الهجرة المتزايدة والعابرة بين المجتمعات والقارات بحثًا عن الرزق أو الأمن أو المعرفة، وبعد التقدم الكبير في تكنولوجيا المواصلات التي سهلت عبور وانتقال الناس من مكان لآخر رغم المسافات البعيدة التي تفصل بين الدول والقارات.وهكذا بعد التطور المذهل في شبكات الإعلام وتقنيات الاتصال التي فجرت معها ما عرف بثورة المعلومات، إذ جعلت بالإمكان الوصول إلى المعلومات والمعارف لمعظم الناس وبطرق سريعة في أية بقعة كانوا من بقاع العالم المترامي الأطراف، وازدادت معها حركة الأفكار العابرة بين الثقافات والمجتمعات.وفي عصر العولمة تضاعف الوعي واشتدَّ الاهتمام بهذه الظاهرة، حيث أصبح العالم بكل مكونات التعدد فيه بمثابة وطن لجميع الناس، أو هكذا يفترض من الناحية المجازية، ولأول مرة يدرك فيها الناس مثل هذا الانطباع، ويتعاملون على أساسه، ويتبادلون الحديث عنه بمختلف لغات العالم، بوسائط مثل الأقمار الاصطناعية، والشبكة العالمية للمعلومات الانترنت، أو بدون وسائط.أما العامل الأبرز الذي حرك بقوة، وفتح وعي العالم على هذه الظاهرة، هو الانبعاث الواسع والمخيف لأفكار ونزعات التعصب والتطرف التي لا تقبل التعايش مع الآخر مهما كانت طبيعة هذا الآخر وهويته، ولا التواصل معه أو الانفتاح عليه، ولا تتعامل إلا بذهنية الإلغاء والإقصاء، وبمنطق القسوة والصدام، وبمنهج الأُحادية واحتكار الحقيقة المطلقة.وقد أطلقت هذه الأفكار والنزعات موجةً من الكراهية الدينية أثارت معها حفيظة العالم، وفي مقدمتهم العقلاء والحكماء في كل الأديان والمذاهب والجماعات، الذين أخذوا يحذِّرون من خطورة تفشي وتنامي مثل هذه الظاهرة، وعبورها وامتدادها بين المجتمعات الإنسانية، وظلوا يطالبون بتضامن إنساني وعالمي للوقوف بوجه هذه الظاهرة، والإعلان عن رفضها ومقتها والتشنيع بها.وحقيقة الأمر أن المشكلة ليس في الاختلافات التي ظهرت وتظهر بين الأديان والمذاهب والجماعات، إنما في تحول هذه الاختلافات إلى كراهية، وإعطائها تسويغات دينية تحرِّض على التنافر والتباعد والتباغض، وقد يتطور الأمر ويصل الحال إلى الدعوة لعدم مجالسة المختلف معه، والابتعاد عن مجاورته، وترك توقيره ومكالمته ومجادلته، وعدم بسط الوجه له، وحتى السلام عليه.ومنبع المشكلة في نظر الدكتور راشد المبارك هي في وجود فئة من الناس تحترف الكراهية، وهذا ما شرحه في كتابه (فلسفة الكراهية)، وحسب قوله “توجد فئة من الناس تحترف الكراهية، تزرعها وتسقيها وتنميها، وتدعو إليها، وتبشر بها، لقد صارت الكراهية في بعض النفوس نوعًا من العقيدة، لها جلال العقائد التي تجب حمايتها وصيانتها وإحاطتها بسياج يمنع أن تمس أو تناقش أو توضع موضع المساءلة والاستشكال”.وهذه الفئة من الناس قد توجد، ووجدت كما نعلم ويعلم الجميع في مختلف الديانات والمذاهب والجماعات والفئات، وهي تشترك مع اختلافها في طباعها الذهنية والنفسية، والتي تتسم في العادة بالتعصب والانغلاق والجمود.[c1]نقلاً عن صحيفة/ «عكاظ» السعودية[/c]
اضاءة خليجية
أخبار متعلقة