قصة قصيرة
[c1]مهداة إلى الطبيبة ( س ) [/c]عبدالإله سلاماليوم عرفت أن الماضي بالٍ ولا يجب الالتفات إليه وأن الحاضر بكل مافيه من حلو ومر يحتاج إلى صبر ومثابرة وأنه يدور بسرعة جنونية.. في نفسها أشياء لن تبوح بها.. وأن الحاضر رغم أنف الإنسان سيعيشه مهما طال الزمن أو قصر، وأن الزمن له وجهان وجه للسعادة ووجه آخر في علم الغيب.. الساعة التي في معصمها تمر ببطء شديد وهي تقلب الزمن الماضي .. نفسيتها محطمة لا تستطيع المقاومة لا تدري لماذا؟ توعز لها بأشياء بالية وعقلها يجرها إلى عالم اليوم قررت فتح صفحة جديدة والخوض في غمار الحياة نفسيتها محطمة .. الخوف الذي يعتري كل إنسان جاثم على صدرها كقنبلة موقوتة .. التضحية هي المجال المفتوح أمامها يجب أن تضحي .. تعلم أن الإنسان خلق هلوعا .. وخلق الإنسان من عجل وخلق الإنسان من ماء مهين ، وأن الأمر كله بيد الله خيره وشره القدر لا مفر منه اختلط عندها كل الألوان ، لونان هما الباقيان الأسود والأبيض .. لكن البداية صراع داخلي وصراع خارجي. قررت العودة إلى البداية . أين هي البداية ألم تكن ماضياً؟ جلست تبحث عنه .. قسمت الزمن إلى ماض وحاضر ومستقبل .. وقت مولدها الأول ثم الطفولة ثم الصبا ثلاث فترات يجب معرفتها. أولاً : اتخذت قراراً صعباً للغاية ، أين مولدها وماهية مرحلة النمو سنتان لم تستطع معرفة ولادتها، خططت رسمته على الورق ، والدها توفي من زمن بعيد أمها أصبحت كبيرة السن، عادت من جديد إلى مرحلة الدراسة، تقلب الزمن حصلت على خيط رفيع جداً بدأت تفك تلك الطلاسم المبهمة سنتان وهي تحاول أخذ أول الخيط لكنه كان معقداً جداً الماضي يزحف إلى الخلف والحاضر يحاصرها والمستقبل في علم الغيب .. لا أحد يعلمه .. دلوها على مولدها قالت: كل شيء بأمر الله وصلت إلى مرحلة الثانوية العامة بدأت تعرف نفسها هذا منتصف الخيط تركت كل شيء وراحت تواصل تعليمها ، هي ذكية حصلت على منحة إلى خارج الوطن ارتاحت من ذلك العناء وتركت الماضي خلفها يموت واصلت دراستها وتركت كل شيء جانبا هاهي السنوات الدراسية تنقضي لم يبق سوى سنتين ستصبح طبيبة نفسية. عاد ذلك الهاجس يراودها والخوف من المستقبل أما الماضي فقد ذهب ولن يعود أبداً.. قاومت كل المغريات التي صادفتها وقالت: الدراسة أولاً، واصلت دراستها بكل جهد وصبر وتفان .. هاهي السنة الأخيرة تصل، حصدت كل تلك السنين، بدأ المستقبل يراودها.. كخيط رفيع جداً، كان المستقبل أمامها غامضاً كغشاوة ليل سرمدي حاولت فك تلك الغشاوة وتلك الطلاسم، وطردت كل شيء من مخيلتها جاءت الامتحانات.. ونجحت وأخذت شهادة التخرج، ارتاحت من ذلك الكابوس، لم تفكر بالماضي ، بدأت كريات الدم البيضاء تخرج كلؤلؤ مكنون، ارتبطت بأحد زملائها في الدراسة كتعارف واتفقا على الزواج بعد العودة والحصول على الوظيفة، اليوم شعرت بالاطمئنان للمستقبل لكن اطمئنان مؤقت بدأ يظهر لها لكن الخوف مازال مسيطرا عليها. كانت بين زملائها كنحلة لاتهدأ أعجب بها الكثيرون منهم. بدأت بشد أمتعتها للعودة إلى أرض الوطن. في حفل التخرج أرادت الكلية تكريمها، فأعطتها سنة تخصص ولتكن السنة القادمة، فرحت كثيراً. بدأ الزملاء توديع بعضهم بعضاً، كان الفرح بينهم كفرح الزرع بالمطر، بدأت المؤامرة تحاط بها دون علمها. زميلها الذي ارتبط بها لم يكن يرغب بعودتها. لأنه جاء في ذيل القائمة فجاءه الحقد والحسد. ظل يراقبها وهي لاتدري.. اتفقا أن يزورها في منزلها لتقديم هدية لوالدتها ليتفقا على الزفاف. يوم السفر كانت المفاجأة.. قلبها لم يطاوعها. قال لها: غدا السفر وليكن غداؤنا معا في مطعم ما. وافقت على ذلك. حيث أن السفر غدا في مطعم ما كانت المفاجأة لقد اعد ما أعد لها. المسافة التي بين بلده وبلدها (ألف كيلو) تنقص أو تزيد. غادرت مقر دراستها ودعت زملاءها وزميلاتها وهي تحمل دمعة الوداع الأخير وشهادة المستقبل وشيئاً آخر لم يظهر بعد قال لها: هذا رقم تلفوني سأكون على أتم الاستعداد في حال اتصالك. فرحت كثيراً. كانت صالة المطار هي الوداع الأخير بينهما قالت في نفسها: أيصدق أم يكون من الكاذبين ، جعلت ذلك سراً في نفسها، ولم تبديه لأحد. في بلدها عملت في حقل الصحة. عملت كخلية نحل مع زملائها بدأت السنة تنقضي، اتصلت به لكنه لم يرد ..حاولت أكثر من مرة لم يرد بدأت صحتها تعود إلى الوراء بدأ الخوف يساورها من جديد. وصلت لها تذكرة العودة للدراسة لكنها لم تستطع قاومت كل شيء بدأت تخاف من كل ما تراه تركت العمل أهملت نفسها وبيتها حاولت الخروج من عزلتها.. الخوف بدأ يسيطر عليها التحقت بالعمل الصحافي كتبت عدة مقالات عن الصحة النفسية وغيرها من المقالات وبدأ الحال يعود إليها .. شرايين الحياة دبت في نفسها قاومت كل شيء حتى المرض قاومته بدأت تحس بضعف يسري في جسمها. الوسواس القهري سيطر عليها توقفت عن الكتابة عرضت نفسها على طبيب لكن كل الأعراض كانت سليمة ولم يكن هناك مرض عضوي. عرضت نفسها على قارئ قرآن .. قال لها: أنت مسحورة . وسحرك مشروب وله فترة طويلة عرفت كل شيء.. تحصني بالقرآن صلي واطلبي الشفاء من الله عملت ما قيل لها تماثلت للشفاء قليلاً لكن ظلت طريحة الفراش جسمها هزيل صوتها تغيرت نبرته لاتخرج إلا لقضاء حاجتها عاودت التداوي بالقرآن.. قال: عليك بقراءة القرآن وآيات الشفاء.. والشفاء من عند الله لكن السحر مازال ملازما لها. ذبلت كما تذبل الوردة بعد قطفها.. كانت ضحية للحقد والحسد لشخص كان قمة في العلم.