مع الأحداث
لبنان “ مالئ الدنيا وشاغل الناس “..ما الذي يعطي للبنان هذا التوهج.. هذا الحضور الدو لي؟هذا الحضور الطاغي في قلوب العرب وعقولهم..؟؟هذه البقعة الصغيرة المساحة من الوطن العربي الكبير، المطلة على البحر الأبيض المتوسط، المكونة من جبل وسهل وساحل.. تختصر في كيانها الشرق كله والعروبة كلها..لبنان هو التكثيف المتميز للوطن العربي، بإيجابياته وسلبياته.. هو التألق الذي يسبق تألقنا.. وهو الرماد الذي يعقب انطفاءنا .. هو الكتيبة التي في المقدمة.. والعشيرة التي في المؤخرة..هو مجموع نقائضنا : الانتماء والانعزال، الانفتاح والانغلاق ، الاستقلالية والتبعية، المقاومة والاستسلام، الثقافة والخرافة، الدين والعصبية، الحضارة والبداوة، الأمة والطائفة.لبنان تؤلفه روح الحضارة وتمزقه عقدة الطائفية.لبنان المتعدد المتنوع منارة النهضة العربية الحديثة إلى جانب الشقيقة الكبرى : مصر..ولبنان درة بلاد الشام الكبرى وبوصلة الوطن العربي..لبنان هو البؤرة التي تحوي كل اتجاهات وتوجهات ومكونات وظواهر الوطن العربي والإقليم بل والعالم كله في كثير من الأحيان التقاء الإمبراطوريات مع الطوائف.الأممية مع القبلية.القومية مع العشائرية..الشيء ونقيضهاحتدام الداخل وصراعات الخارجمن لديه كتاب فليرسله إلى بيروتمن لديه مال فليبعث به إلى بيروتمن لديه سلاح فليحمله إلى بيروتمن لديه مشكلة فليذهب بها إلى بيروتومع ذلك يظل لبنان محكوماً بالتميز والتفوق فناً وثقافة وتحرراً وإبداعاً، كتاباً ومسرحاً، قصيدة وأغنية، شجرة أرز وبندقية، تفاحاً ومواويل، كنائس ومساجد، جمالاً وأناقة، عمقاً وجاذبية.. وروحاً وجسداً، شجاعة وصبراً، عشقاً وجرأة، فلسفة وشعراً، صحافة وأدباً، موسيقى وألواناً، بهجة وأملاً.بسبب تكوينه المتنوع والخاص لعب لبنان دوراً كبيراً في الثقافة القومية العربية وفي الريادة الفكرية النهضوية منذ القرن التاسع عشر..وكان اللبنانيون هم الرواد الأوائل في كثير من جوانب الثقافة والفن في الكتاب والمسرح والفنون والترجمة والتأصيل للفكر العلمي، كما لعبت المهاجر اللبنانية دوراً مؤثراً في التجديد الأدبي والفكري للأمة العربية.كان الأداء الأدبي والفكري والفني للبنانيين يسمو فوق الطوائف والمذاهب.. المبدعون اللبنانيون خدموا الثقافة العربية وقدموا عطاء عربياً فريداً وتجاوزوا كل عقبات الانتماءات الضيقة وفتحوا للأجيال العربية آفاقاً إنسانية رحبة، ومدوا جسور الثقافة لأبناء العروبة كلها للتواصل والتقدم والتحرر والتغيير.في وجه الطائفيين والمذهبيين والمتعصبين هتف جبران خليل جبران : “ لكم لبنانكم ولي لبناني “.لبنان جبران هو لبنان الخير والجمال، لبنان جبران وبطرس وسليم البستاني، وشكيب ارسلان ونعيمة وأبي ماضي والريحاني والأخطل الصغير أو شبكة وفيروز الرحابنة ومارسيل خليفة ووديع الصافي وفيلمون وهبة، لبنان الشعراء والشهداء والرواد والأبطال والقادة والمفكرين والمجددين والمحدثين وحاملي ألوية العرب إلى العصر.لبنان الذي أساه ينسي كل عربي أساه.. وكذلك مجده..!!