أثّر التدهور المفاجئ لأسعار النفط التي هبطت في غضون أشهر قليلة من نحو مائة وأربعين دولاراً للبرميل الى ما دون خمسين دولاراً في الوقت الراهن على دول فقيرة أصلاً لديها انتاج محدود من الذهب الأسود. من بين هذه الدول تأتي اليمن التي تواجه في المرحلة الراهنة وضعاً اقتصادياً واجتماعياً صعباً ومعقداً. يضاف الى ذلك أن جهات اقليمية عدة تسعى الى الاستثمار في الفتنة في اليمن بهدف واضح كل الوضوح يتمثل في ايجاد موطئ قدم لها في هذا البلد ذي الموقع الاستراتيجي والحضارة العريقة.من بين الأحداث الملفتة التي تشهدها اليمن، استمرار التمرد في محافظة صعدة. لا يمكن فهم ما يدور في محافظة صعدة منذ ما يزيد على خمس سنوات إلا في سياق السعي الإيراني الى نشر فكر مذهبي معين في بلد لم يشهد تاريخياً أي نوع من النزاعات المذهبية. وفجأة ظهر الحوثيون وسيطروا على منطقة واسعة وعملوا على عزل المنطقة عن بقية أنحاء اليمن. كان ظهور الحوثيين في الشكل الذي ظهروا فيه رافعين شعارات لا يرفعها سوى الإيرانيين أو اتباعهم مثيراً للقلق لسبب في غاية البساطة. تبين أن لديهم من يمدهم بالسلاح والمال بشكل منتظم وأنهم قادرون على خوض حرب طويلة مستنزفين القوات المسلحة اليمنية والاقتصاد اليمني. ولذلك كان قرار الرئيس علي عبدالله صالح القاضي بعمل كل شيء من أجل وقف المعارك قراراً حكيماً نظراً الى أن هناك من يدفع في اتجاه استمرار الحرب في صعدة الى ما لا نهاية. إن من يعرف القليل عن اليمن يدرك أن أي تمرد مسلح في أي منطقة كانت لا يمكن أن يستمر طويلاً من دون وجود من يموله بشكل مستمر من الخارج...حتى لو كان قرار وقف الحرب صعباً، خصوصاً أن الظاهرة الحوثية في منتهى الخطورة، إن من ناحية ما تشكله عسكرياً أو من ناحية تهديدها لتماسك المجتمع اليمني الذي عرف دائماً كيف يحافظ على وحدته ويحميها، فإنه يظل أولوية يمنية في الظروف الراهنة. صحيح أن المعارك والاشتباكات تعود بين الحين والآخر إلا أن الصحيح أيضاً أن القرار القاضي بتطويق مناطق التوتر في المحافظة ومنع رقعة التمرد من التوسع هو أفضل القرارات التي يمكن اتخاذها في هذه المرحلة بالذات. إنه أفضل القرارات ما دام رهان التمرد والذين خلفه يتمثّل في التمدد واختراق المجتمع اليمني مستغلاً الأزمة الاقتصادية وحاجة المواطن العادي الى مساعدة مادية ما قبل أي شيء آخر.تترافق الأزمة الاقتصادية والتمرد الحوثي مع ظواهر أخرى مثيرة للقلق في اليمن. من بين هذه الظواهر سعي عناصر من “القاعدة” الى إعادة تنظيم صفوفها في ضوء انسداد الأبواب في وجهها في العراق والنجاح السعودي في التضييق على العناصر المتطرفة في المملكة والخلايا التي شكلتها هذه العناصر. ومن بين الظواهر أيضاً، سعي قيادات يمنية سابقة في الحزب الاشتراكي، الذي كان يحكم الجنوب قبل الوحدة، الى تضخيم الأحداث الأمنية التي تشهدها بعض المحافظات في جنوب البلد ووسطه بين الحين والآخر. لا تشكل هذه القيادات المقيمة في الخارج خطراً على الوحدة، علماً أن مواقفها لا تصب في مصلحة البلد في المدى الطويل نظراً الى تجاهلها أن التشكيك في الوحدة من أي جهة كانت لا يصب في مصلحة أي يمني بغض النظر عن المنطقة التي ينتمي اليها. فالموقف من الوحدة لا يمكن أن يكون موسمياً نظراً الى أن التمسك بها وبثباتها تعبير عن ايمان عميق بالعمل من أجل الاستقرار بدل الدخول في مغامرات، أقل ما يمكن قوله إن البلد والمنطقة المحيطة به في غنى عنها.اليمن جزء من منطقة مهمة. أمنه جزء من الأمن العربي والخليجي وجزء من أمن الممرات البحرية وجزء من أمن البحر الأحمر والقرن الإفريقي. لذلك فإن هناك مصلحة عربية في دعم اليمن في هذه المرحلة بالذات ومساعدتها في مواجهة التحديات المشتركة. وفي مقدم التحديات الحرب على الإرهاب والقرصنة البحرية والوقوف في وجه الأطماع التوسعية للجيران الموجودين على الضفة الأخرى من الخليج، أولئك الذين يستخدمون الدين عموماً والغرائز المذهبية تحديداً لأهداف سياسية والتمدد في كل الاتجاهات على حساب كل ما هو عربي في المنطقة.ما العمل إذن؟ يبدو أن لا مفرّ من استراتيجية عربية تتعاطى مع اليمن كشأن اقليمي من منطلق أن كل دول المنطقة في مركب واحد، وأن من غير الجائز بقاء تلك الهوة الاقتصادية بين المواطن اليمني والمواطن الخليجي. ليس مطلوباً بالطبع توزيع المال على اليمنيين وتحويلهم من شعب منتج يزرع أرضه، حتى لو كانت في أعالي الجبال وأكثرها وعورة، الى شعب ينتظر المساعدات. ما قد يكون مطلوباً وضع خطة شاملة لدعم اليمن، خطة تأخذ في الاعتبار ضرورة مساعدة السلطات اليمنية في تغطية العجز في الموازنة من جهة وفتح مجالات العمل في الدول الخليجية أمام اليمنيين من جهة أخرى، ولو في حدود معينة، نظراً الى أن الازمة الاقتصادية العالمية طالت دول الخليج العربي أيضاً... وهو أمر لا يمكن إلا الاعتراف به.في النهاية إن الاستعانة باليمني، على الرغم من وجود مخاوف لدى بعضهم من تأثير لـ”القاعدة” على بعض فئات المجتمع، يساهم في حل جانب معين من مشكلة العمالة الأجنبية في الخليج. إنها خدمة للجانبين تلعب دوراً متواضعاً في المحافظة على الأمن الخليجي. من يفكر في اليمن، يفكر في المستقبل العربي... ويفكر أيضاً في أن الوضع الراهن لا يمكن أن يستمر الى ما لا نهاية. في حال تضرر اليمن، المنطقة كلها ستضر. هل من مصلحة عربية في ذلك؟[c1]* عن صحيفة ( المستقبل ) اللبنانية[/c]
أخبار متعلقة