المرحلة الثانية من الحملة الوطنية للتخلص من البلهارسيا (من 6-9 أبريل 2008م)
لقاء/ زكي الذبحانيملايين الأرواح في العالم يختطفها الموت سنوياً بسبب أمراض فتاكة تخلفها الإصابة بالبلهارسيا بما ينجم عنها من مضاعفات شديدة لو علم الناس بخطورتها لما تهاونوا أو ترددوا في تشخيص المرض وطلب العلاج إذا ما راودهم الشك بالإصابة، وهذا حقيقة أمر مطلوب لكنه لا يكفي مالم يتخل العابثون عن سلوكياتهم وممارساتهم السلبية غير الصحيحة صغار كانوا كباراً _ والتي تسهم في انتقال العدوى وانتشار الإصابة بالمرض بين الناس على نحو واسع النطاق.أمام هذه التحديات ولأهمية تصحيح الاختلالات وما نشهده هذه الأيام من تنفيذ للمرحلة الثانية من الحملة الوطنية للتخلص من البلهارسيا في الفترة من (9-6 إبريل 2008م لمعالجة الفئة العمرية من (18-6 عاماً) في سائر المدارس التابعة لأربع وعشرين مديرية بمحافظات (عمران _ حضرموت المكلا _ ريمه _ صعدة) ولا تستهدف معالجة طلبة وطالبات المدارس وحسب، بل وغير الملتحقين بالمدارس.ميدانيا من موقع الحدث أجرينا هذا اللقاء الصحفي مع الدكتور / أحمد يحيى الصعفاني _ اختصاصي أمراض باطنية. فإلى ما ورد في هذا اللقاء..[c1]التوطن والانتشار* مرض البلهارسيا على حد علمي ـ جذوره ضاربه في الأعماق,فما سر توطن هذا المرض في بلادنا؟ وما العوامل المساعدة على انتشاره؟[/c]- اكتشف المرض في القرن التاسع عشر في مصر، بالتحديد في عام (1861م) من قبل العالم (تيودور بلهارس)، وإليه تنسب تسمية هذا المرض.وهو كما ذكرت من أقدم الأمراض المعدية التي عرفها الإنسان، فقد وجد علماء الآثار بعض بيوض البلهارسيا في إحدى الموميات الفرعونية. وتصنف بلادنا من الدول الموبوءة بالبلهارسيا، مصنفة من قبل منظمة الصحة العالمية بأنها ذات توطن عالي بهذا المرض المنتشر بشكل كبير في بعض المناطق الزراعية الريفية التي تكثر فيها البرك والحواجز المائية والغيول، لعوامل متعددة ساهمت في استيطان هذا المرض في تلك المناطق، وأبرزها:- قصور وتدني الوعي الصحي وجهل المجتمع بماهية هذا المرض وأسبابه وطرق الانتقال والوقاية.- إهمال علاج الحالات وعدم متابعتها وخاصة حالات الأطفال.- اللامبالاة وعدم الاكتراث بعمل الفحوصات الدورية وبالأخص في المناطق الموبوءة.- طول الفترة الزمنية ما بين حدوث الإصابة وظهور المضاعفات التي يمكن أن تمتد إلى عدة سنوات والتي قد تكون قاتلة لكثير من الحالات.- تدني المستوى المعيشي الذي يدفع الكثيرين إلى استخدام مياه البرك والحواجز المائية ومصادر المياه الأخرى العذبة الراكدة والبطيئة الجريان وذلك للأغراض اليومية بصورة إجبارية وعدم وجود البديل الصحي والمناسب.كل ذلك وغيره أدى إلى تفشي البلهارسيا وساعد على انتشارها بصورة مستمرة ونمط متتابع في بعض المناطق في مجتمعنا.[c1]خصائص المرض وأنواعه * ماذا عن أنواع هذا الداء الطفيلي؟ وكيف يتمكن المرض من العيش والتطور في المياه العذبة ومن اختراق الجلد وصولاً إلى جسم الإنسان؟ أو بمعنى .. آخر كيف هي دورة حياة البلهارسيا؟[/c]- تصنف أنواع رئيسية للبلهارسيا تعتمد على نوع الطفيلي، وكذلك على منطقة الإصابة في جسم الإنسان حيث يوجد منها نوعان فقط في بلادنا هما:- البلهارسيا البولية.- البلهارسيا المعوية.أما دورة حياة البلهارسيا فتبدا من لحظة خروج البيوض من الشخص المصاب عن طريق البول أو البراز وطرحها في المياه العذبة الراكدة أو البطيئة الجريان، وتخرج من هذه البيوض (مهيدبات) تنطلق باحثة في هذه المياه عن العائل الوسيط (قواقع مائية) لتدخلها وتتكاثر فيها لتخرج منها بعد ذلك على هيئة (مشقوقات الذنب)، وبأعداد هائلة تقوم بالانتشار في المياه الباحثة عن ضحية جديدة إذ تستطيع هذه (المشقوقات الذنب) أن تخترق الجلد والغشاء المخاطي للإنسان، وهي تعيش من يومين إلى ثلاثة أيام وتعتبر الطور المعدي للإنسان فإذا ما تم دخولها للجسم تبدأ بالسريان عبر الدم للأعضاء والأنسجة المختلفة ولا تلبث حتى تستقر في الكبد إلى أن تصل إلى مرحلة النضج وبالتالي تهاجر عبر (الوريد البابي) إلى منطقة الحوض وغالباً ما تحل في القولون والمستقيم (في نوع البلهارسيا المعوية) أو المثانة البولية (في النوع البولي)، أي على حسب نوع الطفيلي المهاجم .. يستغرق كل ذلك مابين (6-4 أسابيع ) من بداية الإصابة، ومن الأمعاء أو المثانة يبدا الطفيلي بوضع بيوضة بأعداد متزايدة والتي تخرج من الجسم عن طريق البول أو البراز فإذا ما صادفت مياه عذبة راكدة أو بطيئة الجريان، عندها تبدأ بدورة حياة جديدة بنفس الطريقة التي ذكرتها سابقاً، ولكن مع ضحايا آخرين مسفرة عن المزيد من الإصابات.[c1]علامات الإصابة* ما الذي يكون عليه المريض مع أعراض وعلامات الإصابة بالبلهارسيا المبكرة منها والمتأخرة؟[/c]- تمر أعراض البلهارسيا بعدة مراحل وهناك المراحل المبكرة منها التي تبدأ بدخول الطفيلي للجسم وتستمر ليوم أو ليومين، وغالباً ما تأتي على شكل حكة وظهور بثور جلدية واحمرار ناتج عن اختراق مذنبات الطور المعدي (مشقوقات الذنب) للجلد.ومع انتشار الطفيلي عبر الدم وسريانه في الجسم، تنتج عن ذلك تفاعلات حيوية وردود فعل مناعية تسفر عن أعراض تأخذ أسابيع لظهورها، منها الحمى والتعرق والصداع والتحسس الجلدي العام وآلام البطن والعضلات وتضخم طفيف للطحال، وقد يصاجب ذلك سعال والتهاب رئوي.بالتالي قد تستمر هذه الأعراض من أسبوع إلى أسبوعين ثم تزول تلقائياً، يتبعها فترة كمون أي بدون أعراض لمدة قد تصل إلى عدة أشهر، وبعدها تظهر أعراض تختلف باختلاف نوع ومكان الطفيلي المسبب.ففي البلهارسيا البولية يكون البول المدمم – عادة – أول الأعراض لهذا النوع ويصاحبه حرقة وصعوبة في التبول وآلام أسفل البطن وتكرار البول، ويمكن أن يؤدي هذا النوع إلى ارتجاع البول إلى الكليتين وحدوث التهابات متكررة للجهاز البولي والتناسلي.أما بالنسبة للبلهارسيا المعوية فتأتي أعراضها على شكل مغص معوي متكرر يصاحبه براز مدمم وإسهال مخاطي وفتور عام وضعف وتضخم خفيف للكبد، ومع مرور الوقت تظهر أعراض ارتفاع الضغط في الوريد البابي وبالتالي ظهور المضاعفات والتي غالباً ما تؤدي إلى الوفاة في معظم الحالات.[c1]تداعيات .. ومضاعفات* ما أوجه الخطورة في الإصابة المزمنة بمرض البلهارسيا؟ وما طبيعة مضاعفاتها الخطيرة؟[/c]- مضاعفات البلهارسيا تعتبر الصورة النهائية والنمط العام للمرض، وهو ما نشاهده غالباً في المستشفيات والمراكز الصحية بصورة متزايدة، وغالباً ما تكون نتيجة إصابة المريض ببلهارسيا في الماضي لم تعالج وأهمل متابعتها من قبل الطبيب المختص.وعادة ما تكون على هيئة:- هزال وضعف عام.- التهابات بولية متكررة وارتجاع بولي للكليتين والتهاب كلوي مزمن.- اعتلال كبدي مزمن.- غيبوبة كبدية حادة.- تضخم الطحال وصولاً إلى حجم كبير.- ظهور دوالي للمريء وغالباً ما يصاحبه في دموي حاد.- استسقاء، وهو عبارة عن تجمع السوائل في التجويف البطني.بالإضافة إلى ظهور بعض حالات سرطان المثانة[c1] الدور الوقائي * ما الآلية التي تمكن من ترسيخ الممارسات الوقائية واكتساب السلوكيات الصحية السلمية بما يحقق التخلص من مرض البلهارسيا وصون وحماية المجتمع والبيئة منه؟[/c]- الوقاية بشكلها الجوهري ترتكز على رفع المستوى الصحي والمعيشي لدى المجتمع وتعريفهم بماهية المرض وخطورته وطرق انتقاله والوقاية منه، وأيضاً التركيز على أهمية الإسراع في علاج المصابين وخصوصاً الأطفال بمجرد ظهور أول الأعراض والمتابعة من قبل الطبيب المختص وتوضيح ما للفحوصات الدورية من أهمية في هذه الناحية، خاصة في المناطق الموبوءة.وهنا يأتي الدور الحيوي لوسائل الإعلام المختلفة في هذا المجال نظراً لقدرتها على الاتصال المباشر بالشريحة العظمى من المجتمع، والقدرة على منحه قدراً من الوعي الصحي ومهارات سلوكية صحيحة تمكنه من الاستفادة من وسائله المحلية وإمكانياته المتاحة للوقاية من هذا المرض وخلق روح المشاركة الفاعلة للعمل جنباًالى جنب ليخلو المجتمع من البلهارسيا بالإضافة إلى تعريفهم بالسلوكيات الصحية السليمة التي يجب عليهم إتباعها وتسليط الضوء على الممارسات الخاطئة التي من شأنها أن تسهم في إنتشار المرض، وكذا العمل على التخلص منها.ولا ننسى دور المدرسة في هذا الصدد في توضيح المفاهيم الصحية والاستعانة بالوسائل السمعية والبصرية من قبل المعلمين لتعريف الأطفال بهذا المرض وخطورته وطرق انتقاله والوقاية منه ومخاطر السباحة في البرك وحواجز المياه ومصادر المياه الراكدة والبطيئة الجريان وكيف أن التبول والتبرز فيها يعتبر المنفذ لانتشار المرض.وللوقاية من الأمراض المعدية بصورة عامة يجب التركيز على محاربة طرق انتشارها.ومن هنا نجد أنه يجب التركيز أيضاً بالنسبة للبلهارسيا على الحلقة الأضعف في سلسلة دور حياتها وهي الإنسان المصاب نفسه لإهمال قواعد النظافة الشخصية، باعتباره المصدر الأساسي للعدوى من خلال طرحه لبيوض الطفيلي بصورة مستمرة.ولا بد من التصدي لهذه المشكلة من خلال القيام بحملات وطنية واسعة لاسيما في المناطق التي يستوطنها المرض، والعمل على تقديم العلاج للأشخاص المصابين وغير المصابين في تلك المناطق بصورة جماعية وبصفة متكررة، والتركيز في ذلك على شريحة الأطفال والنشء في الفئة العمرية من (6-18 عاماً) فبعلاج المصابين نصل إلى الحد من طرح البلهارسيا لبيوضها منهم في المياه الراكدة والبطيئة الجريان وبالتالي الحد من حدوث إصابات جديدة، ومنع استمرار دورة حياة المرض في الأخير .. ومع انطلاقة الحملة الوطنية للتخلص من البلهارسيا يجب علينا كمجتمع موبوء الحرص على إنجاحها والعمل على أن تحقق أهدافها المرجوة إذ ثبت أن البلهارسيا من الأمراض التي يلعب الدواء فيها دوراً مهماً في العلاج وكذلك في الوقاية، وهذه طريقة أثبتت فعاليتها ونجاحها في بعض الدول الموبوءة، ما يعني أن هذه الحملة بمثابة خطوة أولى ليمن بلا بلهارسيا.
المناطق التي تنتشر فيها البلهارسيا
دودة حياة البلهارسيا