ان القضايا الرئيسة الكبرى التي شغلت الناس قد تناولها وفد الجن في احاديثهم مع قومهم بعد ان رجعوا اليهم مؤمنين مبشرين بظهور النبي الامين صلى الله عليه وسلم وهي قضية التوحيد توحيد الالوهية والربوبية وتنزيه الخالق عن الولد والزوجة والشريك وقضية النبوة والرسالة وقضية البعث والحساب ومسألة الغيب وتطهير الاعتقاد من الوهم والباطل، وكل ماينافي اخلاص التوحيد مع بطلان اللجوء والاستعاذة بغير الله سبحانه وتأكيد ان احداً من الخلق لايدري ماذا يكون غداً وما المقدر للعبد فيه.لقد كان هذا النفر من الجن من اهل الكتاب وكانوا على علم بان نبياً عربياً قرب زمان مبعثه ، فلما سمعوا قراءته علموا انه خاتم المرسلين وانه المبعوث آخر الزمان وان معجزته الكبرى القرآن فآمنوا وصدقوا ووحدوا واكدوا العزم على تطهير الاعتقاد من كل شائبة من شوائب الشرك وهذا في قوله تعالى: » انا سمعنا قرآنا عجباً يهدي الى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا احد ً" وعادوا يدعون قومهم الى التوحيد النقي الخالص.ثم نبهوا قومهم الى بطلان التثليث والى تنزيه الرب عن الولد والصاحبة : " وانه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولداً " اي : انه تعالى جلال ربنا وعظمته ان يتخذ صاحبةً وولداً للاستئناس بهما والحاجة اليهما والرب يتعالى عن ذلك علواً كبيراً كما يتعالى عن الانداد والنظراء والاشباه تقول العرب: جدَّ فلان في عيني اي : عظم امره، وكان الرجل اذا حفظ سورتي البقرة وآل عمران جد في اعين المسلمين - كما روى انس- اي : عظم واصبح له مقام لما وفق اليه من الخير. ومعنى : " جد ربنا " عظمته وسلطانه اي ان العظمة والجلال الإ لهي يأبي ويتنزه عن ان يتخذ لنفسه صاحبة وولداً اذ ان مقام الالوهية ينافي هذا الاتخاذ الذي هو اثر من آثار العجز او الانقسام والتجزؤ.اخذ هؤلاء الحكماء يصفون لقومهم ماكان من تاثير الكلام الالهي في نفوسهم وكيف صحح من عقائدهم وغير من اوهامهم وذكروا مادخل على عقائد اهل الكتاب وغيرهم فافسدها فعميت البصائر وضل الناس في متاهات الشرك والتثليث وبينوا انهم اقروا بالتوحيد والتنزيه ثم حذروا من ادعياء العلم وقادة الضلال الذين افتروا على الله الكذب ونسبوا اليه سبحانه ماهو منزه عنه : " وانه كان يقول سفيهنا على الله شططا " والشطط: الخروج عن حد الاعتدال والسفه : الخفة والطيش في المرء تنشأ عن الحمق والجهل: والسفيه هنا هو المبتدع في دين الله ماليس منه الذي اضل غيره عن حقيقة توحيد الالوهية ، ونسب الى الله سبحانه مالايليق بكتاب قدسيته.ولنتدبر اسف مؤمني الجن على غفلتهم عن تمويهات المضلين وحزنهم على سذاجتهم في قبول ماكان يقوله زعماء الضلال وادعياء العلم : ( وانا ظننا ان لن تقول الانس والجن على الله كذباً ) ليكون لنا في ذلك عبرة : ولنزن كل كلمة بميزان الوحي ، ويكون مرشدنا دوماً هو كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم.[c1]اهل اليمن[/c]وبعد الدعوة الى التوحيد والحث على تنزيه الرب وعلى نبذ الشرك اخذ خطباء الجن في مسائل ذات اهمية بالغة في تطهير الاعتقاد فقالوا كما حكى الله عنهم : " وانه كان رجال من الانس بعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقاً " قال مقاتل : كان اول من تعوذ بالجن قوم من اهل اليمن، ثم من بني حنيفة ثم فشا ذلك في العرب فلما جاء الاسلام عاذوا بالله وتركوهم ، وكان الرجل اذا نزل بوادٍ يقول : اعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه الجن، فيبيت في جواره حتى يصبح. ولاشك في ان هذا نوع من الخلل في الاعتقاد وسبيل لإضعاف النفس وزعرعة الطمأنينة وهذا مما يدفع الجهال الى الاستجارة بالكهان والمنجمين والعرافين وسائر مستطلعي الغيب مدعي العلاقة بالجان وقد صورت الاية الكريمة الاثر النفسي والعقلي الناجم عن هذا الوهم بقوله سبحانه : " فزادوهم رهقاً " وهي عبارة قوية الايحاء ، عظيمة الدلالة، شديدة الوقع على النفس والتنبية للفكر.والرهق يطلق على معاني منها : الخطيئة، والاثم، الخوف ، وشدة الجبن ، والعنت، ويمكن ان تعود الواو على الجن ،" هم " على الانس اي فزاد الجن الانس خوفاً وفرقاً فيهم. فان الاستعاذة بالجن كفر وشرك اذا الاستعاذة تكون بالله وحده.فريد محسن علي
|
رمضانيات
حكاية وفد الجن مع مبعوث آخر الزمان
أخبار متعلقة