القاهرة/14أكتوبر/وكالة الصحافة العربية:الزواج الثاني يراه الرجال حقّاً شرّعه الله تعالى لهم إلا أن النساء يرفضنه ويضعونه في هذه الآونة متصدراً لقائمة الممنوعات الاجتماعية، حيث إنه لم يعد مقبولاً في مصر أن يتزوج رجل على زوجته، ومن ثم تحولت المسألة إلى حرب بين النساء على ملكية الرجال، فالأمر تعدى مرحلة الحب ،و بات ملكية خاصة فالمرأة تكره زوجها لكنها في ذات الوقت ترفض أن يتزوج عليها مهما كانت دوافعه وأسبابه التي يستند عليها نظراً لأن قانون الأحوال الشخصية المنظم للعلاقة ينصفها على زوجها.تشكل حكايات الزواج الثاني مادة خصبة للدراسة والبحث بشكل يمكن أن يكشف العديد من التغيرات الاجتماعية التي شهدتها مصر في السنوات الأخيرة.فاطمة لم تكن غنية ولا جميلة جمالاً صارخا كما أن عمرها كان قد تجاوز الثلاثين عندما تزوجت واستمر زواجها 7 سنوات دون إنجاب لم تسلم خلالها من الغمز واللمز، لكن الحمل لم يحدث ولم يعوضها عن ذلك إلا حنان زوجها الذي رفض تطليقها ولكن دوام الحال من المحال فقد اكتشفت أن الزوج الحنون متزوجاً بأخرى فطلبت الخلع عندما رفض الطلاق ليس احتجاجا على زواجه ولكن احتجاجا على كذبه.وعلى الضفة الأخرى من نهر الزواج الثاني هناك نساء يقبلن أن يصبحن زوجات على ضرة ومنهن شيماء م.ع وهي حاصلة على بكالوريوس إعلام وقد وقعت في حيرة شديدة فكان عليها أن تختار بين العنوسة والزواج الثاني، ولكن الشعر الأبيض الذي كان يزحف إليها حسم الموقف وجعلها تقبل رجلاً بنصف قلب ونصف عقل رغم أنها كانت متأكدة من فشل هذه الزيجة بنسبة %80 وهذا ما حدث بالفعل.حالة شيماء ليست الوحيدة فصفاء 35 عاما مدرسة نموذج آخر لم يمكن أن تتحمل العنوسة وصفاء تقول عن زوجها الذي كان متزوجا قبلها: تزوجته لأنني لم أجد غيره وزوجها يكبرها بـ25 عاماً وتعترف بأنها هي التي سعت إليه بعد أن قاربت على الأربعين دون أن تجد من تتزوجه رغم جمالها، استغلت صفاء كل أسلحتها في الإيقاع بمدير المدرسة الذي ترك أسرته وأولاده الثلاثة وكلهم رجال كبار وتفرغ لعروسه الجديدة. تقول صفاء لست شريرة لكنني أحمي نفسي من غدر الأيام فمن حقي أن أتزوج وطالماً تزوجت من رجل متزوج فلابد أن أضمن مستقبلي وحربي ضد أولاده وزوجته الأولى هي حرب من أجل البقاء وضمان الحقوق لي ولأطفالي الصغار·· هكذا، يمكن تلخيص وجهة النظر النسائية للزوجات في مسألة الزواج الثاني في مقولة واحدة تردده النساء المتزوجات يخونني آه، لكن يتجوز على لا .[c1]الحل الصعب :[/c]في المقابل تجد أن العانسات يرين في الزواج الثاني حلاً ينقذهن من الغرق في بحر العنوسة، فالزوجة ترضي بخيانة زوجها لكنها لا تقبل زواجه من أخرى وهذا ما يؤكده كثير من الاستطلاعات والاستقصاءات التي أجريت في الفترة الماضية وكان محورها، أيهما أرحم الخيانة أم الزواج الثاني؟ كثير من الزوجات سارعن إلى الإجابة: طبعاً الخيانة لأنها فعل وقتي وغير مرئي، وقد لا تعلم به الزوجة فلا يسبب جرحا لمشاعرها أو إيذاء نفسيا لها والباقيات رددن إجابة كلاهما مر لا تحتمله المرأة وكلاهما يدل على عدم الأمان الذي تعيشه المرأة المصرية مع زوجها.وفي ذات السياق تكشف إحصاءات الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء عن تراجع نسبة الرجال المتزوجين، بأكثر من امرأة فهناك فقط 3242 رجلاً متزوجا من 4 سيدات و 8350 متزوجا من ثلاث سيدات، و 153 ألفا يجمعون بين زوجتين بإجمالي يبلغ 164 ألفا و 592 شخصاً بينما اكتفى ملايين الرجال بزوجة واحدة مما أسعد د·ضحى عبد الغفار أستاذ الاجتماع بكلية البنات وهي ترى أن تعدد الزوجات ظاهرة خليجية عرفت طريقها للمجتمع المصري في حقبة الانفتاح، إضافة إلى ذلك هناك 9 ملايين شاب وفتاة تخطو سن الزواج منهم 5 ملايين فتاة و 4ملايين شاب وتعني هذه الأرقام ببساطة أن العنوسة تحولت إلى صداع مزمن في رأس كل أسرة مصرية وكان الحل الذي اقترحه البعض هو تيسير شروط الزواج بشكل يحل هذه الأزمة فيما كانت الزيجات الأخرى كالعرفي والفريند والمسيار، بديلاً للزواج الرسمي.وعلى قائمة الأشكال الجديدة هناك الزواج العرفي وزواج المسيار وزواج الفريند، وزواج الدم وغيرها وهي أنواع تحقق للرجل ما يصبو إليه مع خسائر أقل له ولأسرته، لكن علماء أزهريون يرون فيها تحايلا على الواقع، وأشكالاً لعلاقات جنسية تجاوزنا فيها بأن أطلقنا عليها زواجا وكلها بنيت علي عدم تسامح المجتمع مع فكرة الزواج الثاني.وتقول د.هدى زكريا أستاذ الاجتماع السياسي بآداب الزقازيق: لا يجب وضع الزواج الثاني في قائمة الممنوع على الرجال لأنه ببساطة ليس ممنوعا بالفعل فهو يمارس في أسوأ صورة وكأنه جرم يقترفه الرجل تجاه امرأته ليعاقبها به فالسبب الرئيسي لمنعه اجتماعياً على الرجال هو سوء استخدامهم، صحيح أنه مشروع ورخصة أعطاها الشرع لهم لكن في حدود ووفق شروط لا يلتزم بها أحد فنجد زيجات كثيرة تتم بدافع الانتقام من الزوجة الأولى أو لمجرد أن الزوج امتلك أموالاً أكثر وأحياناً تكون فراغة عين ليس إلا.وتضيف: لسنا مثل الخليج في انتشار الزواج الثاني ولا نمنعه مثل تونس فالمسألة مفتوحة بالنسبة لنا من ناحية الشريعة، لكنها موصدة من ناحية البنية الاجتماعية وهذا يرجع في جزء منه إلى ثقافة المجتمع الذكورية، التي تدلل الذكور.[c1]دعوة لكل الرجال :[/c] أما الرجال فيستندون في رغبتهم في الزواج الثاني إلى أنه حق شرعي وهناك الكثير من المؤيدين لهذا الرأي ، وتنادي هيام دربك بإعطاء الرجل الحق في الزواج مرة ثانية، وثالثة طالماً أنه قادر مادياً وجسديا على ذلك، وقدمت في كتاباتها دعوة لكل الرجال للزواج ، ورفع شعار «زوجة واحدة لا تكفي» وأرادت أن تضفي على فكرتها صيغة رسمية فدعت إلى إنشاء جمعية يكون هدفها تزويج الفتيات اللاتي يعانين من العنوسة ولا مانع من أن يكن زوجات لرجال متزوجين من قبل وتقدم إلى وزارة الشئون الاجتماعية «التضامن الاجتماعي» حالياً وإشهار هذه الجمعية رسمياً، وكان أعنف رد على هذه الجمعية هو مطالبة بعض النساء العاملات في مجال الدفاع عن حقوق المرأة بوجود تشريع يجرم الزواج الثاني ويحرم الرجل من تعدد الزوجات. ويقول د.محمد علي عمران أستاذ القانون المدني بجامعة عين شمس: أثبتت التجربة أن القانون الحالي لا يغطي جميع المسائل والأحكام القانونية المنظمة لعلاقات الأسرة كما أنه لا يتناسب مع احتياجاتها وظروفها في القرن الواحد والعشرين، إضافة إلى ذلك فقد تراكمت عبر السنوات الماضية، التطبيقات التي يمكن الاستفادة منها في تحقيق الاستقرار بالكامل للأسرة المصرية ولذا فقد طالبت المرأة المصرية والجمعيات الأهلية بإصدار قانون جديد للأسرة بمشروع قانون الأحوال الشخصية العربي الموحد وتبني المجلس القومي للمرأة هذه الدعوة، وتقوم اللجنة التشريعية بإعداد مشروع جديد لقانون الأسرة.ويوضح أن هذا القانون الجديد يراعي فيه عدة نقاط منها ما يتعلق بوضع ضوابط أمام تعدد الزوجات سواء باشتراط إذن القاضي أو ترتيب حق تلقائي للزوجة الأولى يقضي بحصولها على الطلاق للضرر في حالة الزواج بأخرى مع احتفاظها بجميع حقوقها المالية.[c1]مخالفة الشريعة :[/c]و يقول د.عاطف البنا أستاذ القانون الدستوري بجامعة القاهرة تجريم أو مجرد منع الزواج الثاني يعد مخالفاً للشريعة الإسلامية ولمبادئها العامة لأنها المصدر الرئيسي للتشريع وأي قانون بهذا المعنى سوف يعد مخالفاً للشريعة، وبالتالي مخالفاً للدستور ويطعن فيه وتقضي المحكمة الدستورية العليا بعدم دستوريته لأنه يخالف المادة 2 من الدستور التي تنص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.ويرى أنه من منظور الحياة الاجتماعية ليس من المصلحة العامة إلغاء الزواج الثاني، ورغم أن الأصل في الإسلام الزواج بواحدة، إنما التعدد جائز شرعا ولأسباب عديدة يراعي فيها العدالة بين الزوجات ومع أنها صعبة فإنها غير مستحيلة، والعدالة التي تقصدها الشريعة هي العدالة الظاهرة أي في المعاملات لأن مشاعر القلب بالتأكيد تختلف من زوجة لأخرى في حال التعدد ولذا فمع شرعية التعدد يجب عدم الإفراط في استخدام هذا الحق واستخدامه للضرورات القصوى وبعلم الزوجة الأولى.وتقول د.آمنة نصير أستاذ العقيدة والفلسفة الإسلامية بالأزهر: فكرة إباحة تعدد الزوجات خالية من الحكمة لأنها تتجاهل جذور المشكلة فآخر إحصاء أثبت أن عدد الذكور يفوق الإناث بمليون ونصف المليون، فالمشكلة ليست في تضخم عدد النساء فنضطر لتزويج كل رجل من أربعة.وتضيف: والذين يتبنون هذه الدعوة يرتكبون جرما اجتماعياً لأنه في حال التعدد ستسعى كل زوجة للفوز والانتصار على الأخرى عن طريق الإنجاب، لتوطيد وضعها عند زوجها بشكل يعني مزيداً من المشكلات للمجتمع، وزيادة سكانية ستؤثر على كل مناحي الحياة هذه فرقعة ودعاية إعلامية لمروجيها أولى منها أن نساعد الشباب على الزواج بدلا من أن نسعى لتزويج المتزوجين أكثر من مرة.