[c1]محمد زكريا[/c]أشاد الأستاذ الدكتور عبد الكريم الأرياني المستشار السياسي لرئيس الجمهورية ورئيس الوزراء السابق بكتاب (( البحر الأحمر والجزر اليمنية تاريخ وقضية )) لمؤلفه الكبير مؤرخ اليمن الحديث والمعاصر الأستاذ الدكتور سيد مصطفى سالم الكتاب ، يقول فيه " وحريَّ بهذا الكتاب أن تزدان به مكتبات الجامعات ومعاهد الدراسات والكليات العسكرية ، وهو كذلك جدير بأن يكو ن ضمن مقررات الطلاب والدارسين والمهتمين بهذا البحر ـــ الصغير والضيق نسبياً ــ وجزره ذات الأهمية تاريخياً وسياسياً واقتصادياً " . [c1] البحر الأحمر وأهميته[/c]والحقيقة أن ذلك الكتاب يعد من الكتب القيمة والنادرة التي كتبت عن حوض البحر الأحمر بالعربية بصورة عامة ، وسواحل وجزر اليمن المطلة على مياهه بصورة خاصة من ناحية ثانية والتنافس الشديد بين الدول أو القوى الأوربية على ذلك الشريان البحري الحيوي والاستراتيجي الذي يربط بين الشرق والغرب من ناحية أخرى . وهذا ما أكده الدكتور عبد الكريم , إذ يقول : " فالبحر الأحمر يتحكم بأهم ممرين يربطان القارة الأسيوية والشرق الأوسط بدفتيه الأسيوية والأفريقية وبكل من القارة الأوروبية وأمريكا الشمالية " . [c1]الحملة الرومانية[/c]فالكتاب يعطينا رؤية تاريخية واضحة عن الارتباط التاريخي بين الحضارة الفرعونية والحضارة اليمنية القديمة في حوض البحر الأحمر والحملة الرومانية الضخمة التي أمر الإمبراطور الروماني أُغسطس بتجريدها على دولة الحميريين في اليمن في ( 24 ق . م ) بقيادة اليوس جاليوس بسبب الثراء والازدهار الكبير الذين كانوا حلقة وصل بين تجار الغرب وتجار الشرق( مصر والهند ) . وكيف دمر الرومان ميناء عدن إزاء فشلهم الذريع في حملتهم على اليمن .[c1]الدولة الرسولية والبحر الأحمر[/c]والكتاب بحق سفر جليل ـــ على حسب تعبير مستشار رئيس الجمهورية ـــ فهو يتكلم بصورة مستفيضة وعميقة حول دور الدولة الرسولية التاريخي ( 626ـ 858هـ / 1228 ــ 1454م ) التي حكمت اليمن أكثر من مائتي عام وكانت غُرة شادخة في مفرق جبين اليمن في عصرها الإسلامي ـــ على حسب قول مؤرخينا الكبير القاضي إسماعيل بن علي الأكوع ـــ الذي ألف فيها كتاب غاية في الروعة وهو كتاب بعنوان (( الدولة الرسولية في اليمن )) في العناية والاهتمام الكبيرين بموانئ وسواحل اليمن حيث كانت تعمل على محاربة القراصنة والمهربين والذين كان يطلق عليها اسم (( المُجَوّرين )) . وكيف كانت الدولة الرسولية لها علاقة تجارية قوية مع مصر شمال البحر الأحمر ، والهند والصين في الشرق . وكيف كان لها نفوذ وتواجد سياسي على الساحل الأفريقي , وكيف كانت تتدخل في الشئون الداخلية لأمراء وحكام الإمارات والمماليك التي كانت تسمى الطراز الإسلامية في ذلك الساحل المقابل لسواحل اليمن. [c1] رياح التغيير الدولية[/c]والكتاب ـــ كما سبق وأن أشرنا ـــ يروي التنافس القوي بين القوى الأوربية في البحر الأحمر ، فهو يلقى الأضواء على سيطرة البرتغاليين على منافذ البحر الأحمر الجنوبي بغرض منع التجارة الشرقية القادمة من الهند إلى موانئ المماليك في مصر ، واليمن في عهد فترة حكم الدولة الطاهرية ( 858 ــ 933هـ / 1454ــ 1527م ) ذلك في ( القرن العاشر الهجري / القرن السادس عشر) التي عصفت بها رياح التغيير الدولية . وظهور المماليك ثم السلطنة العُثمانية التي تولت مسئولية حماية حوض البحر الأحمر وغلقه أمام البرتغاليين وصار بحيرة عُثمانية ولكن عندما ضعفت شوكة العثمانيين في القرن( الثالث عشر الهجري / القرن التاسع عشر الميلادي ) . تبوأت مسرح حوض البحر الأحمر دول أوربية وهي هولندا ، فرنسا ، إنجلترا وكانت الأخيرة أقواها ، فقد كانت سيدة البحار حينئذ التي وضعت نصب عينيها ثوابت أساسية في سياستها وهي عدم ظهور قوى أوربية في البحر الأحمر الذي يمثل لها الشريان الحيوي لمواصلاتها البحرية إلى الهند والشرق . وفي سنة 1871م توحدت إيطاليا ، وأخذت تبحث عن نفسها موضع قدم على الساحل الأفريقي والذي ساعدها على ذلك ضعف السلطنة العُثمانية من ناحية وغض طرف إنجلترا عن تأسيسها لمستعمرة إرتريا سنة 1890م من ناحية ثانية ولم تكتف بذلك بل مدت بصرها إلى ساحل البحر الأحمر الأسيوي وتحديدًا سواحل وموانئ اليمن . [c1]أحداث متشابكة ومتداخلة[/c]والحقيقة أن أحداث الكتاب متشابكة ومتداخلة يأخذ بخناق بعضها بعض وعلى الرغم ذلك فهي تنساب بسهولة ويسر دون حدوث هوة بينهم وفضلاً عن ذلك أن الأحداث في سطور صفحات الكتاب تكتظ بأحداث خطيرة هزت العالم وغيرت مجراه أو قل إذا شئت رسمت خريطة جديدة للعالم بعد خروج السلطنة العُثمانية كأقوى دولة حينئذ من المسرح الدولي وعلى وجه التحديد بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى ( 1914 ـــ 1918م ) . [c1]" البحيرة والممر "[/c]وبرؤية فلسفية يتكلم مؤلف الكتاب الدكتور سيد مصطفى سالم حول مسألة " البحيرة والممر " في البحر الأحمر . وهنا ربما يكون مناسبًا أن نقتبس فقرة من كلامه عن رؤيته الفلسفية لحوض البحر الأحمر ، فيقول : " ورسم الملمحان " البحيرة والممر " الخطوط العريضة لتاريخ حوض هذا البحر عبر العصور ، فكانا مصدر خير لشعوب الحوض طالما حافظ هؤلاء على التوازن بين الملمحين ، أي أبقوا على أن يكون بحيرة وممر معًا . أما إذا أختل التوازن وعملت أحدي قوى الحوض على أن تحوله إلى " بحيرة " خاصة فقط ، وتهمل جانبه الآخر ــ " الممر "ــ فسوف تفقد شواطئ البحيرة الاستفادة من البحر . وبنفس القدر ، إذا عملت أحدى قواه أو قوة خارجية على أن تحوله إلى " ممر " فقط لخدمة مصالح ذاتية ، فسوف تتضرر شطآن " البحيرة " في أيدي ذلك المستأثر . أما جزر هذا البحر الكثيرة الممتدة أمام شواطئه ــ وهي جزء من ثوابته ـــ فيجب أن ينظر إليها باعتبارها أدوات زينة لجمالها الطبيعي أو محطات اتصال ، لا أن تكون بُؤر صديد تنفجر من حين إلى آخر ، فتكون مصدرًا آخر للمتاعب داخل هذا الحوض ... " . ويضيف سيد مصطفى ، قائًلاً : " وهكذا ، نرى أن البحر الحمر يفرض ثوابته حتى تتحقق الاستفادة منه ، أما إذا فقد ثوابته أو إذا اختل توازنهما ، فسنجد أن أمواجه تهدر وتزمجر ، وتضطرب شطآنه بالحروب ، وتنهار المصالح ، وتضيع الفائدة " . [c1]مخطوطة نادرة[/c] وعلى أية حال نعود إلى الدولة الرسولية ونشاطها في البحر الأحمر بصورة مستفيضة ومفصلة , فيكتب الدكتور سيد مصطفى سالم تحت عنوان ( نموذج الدولة الرسولية ) ، والحقيقة أن ذلك العنوان يحمل قسمين القسم الأول يتكلم عن علاقة الدولة الرسولية بمصر ، والهند والصين ، وعلاقتها بساحل البحر الأحمر الأفريقي وكيف صار لها نفوذ سياسيًا على الإمارات الإسلامية والتي تعرف بإمارات الطراز في الحبشة . أما القسم الآخر فهو يسلط الأضواء على دور ونشاط الدولة الرسولية في متابعة ( المُجَوّرين ) أي القراصنة والمهربين في البحر الأحمر الذين يهربون من دفع الضرائب و (العشور) المطلوبة منهم مقابل السلع التي يجلبوها . ويقول سيد مصطفى أن باحثاً يبانيًا اسمه " هيكوايشي ياجيما " قام بتحقيق ونشر مخطوطة لمؤلف مجهول حملت عنوان ( تاريخ اليمن في الدولة الرسولية ) وتعود أهمية تلك المخطوطة إلى أنها كشفت النقاب لأول مرة عن نشاط الدولة الرسولية بصورة عميقة عن مطاردة سفن الدولة الرسولية لمراكب المهربين والقراصنة التي كانت تسمى بالسفن الديوانية أو الناصرية ويبدو أنها كانت من نوع سفن (( خفر السواحل )) المزودة بآلات الحرب والقتال. وفي هذا الصدد ، يقول سيد مصطفىَ سالم عن موضوعات المخطوطة : " فهي تحتوي على كثير من النتف الإخبارية التي تشير إلى علاقات الرسوليين بمصر ، والهند والصين , وساحل البحر الأحمر الأفريقي وإلى نشاطهم في البحر ضد المُجَوّرين ( أي المهربين والقراصنة ) .[c1]اليمن ومصر[/c]ويذكر سيد مصطفى سالم في بداية ما جاء في المخطوطة بأنها تناولت العلاقة التجارية بين الدولة الرسولية في اليمن ومصر وبالرغم من المنافسة السياسية بين الدولتين على بسط سيطرتهما على مكة المكرمة لكونها تضفي على من يسيطر عليها هالة من المكانة والهيبة الدينية في البلدان الإسلامية إلا أن حركة التجارة بينهما لم تتوقف . وهذا ما أكده الدكتور سيد مصطفى ، إذ يقول : " وقد تكرر وصول السفراء والتجار بين اليمن ومصر ، وتكرر تبادل الهدايا ، حقيقة لقد كان بين الطرفين منافسة سياسية حول السيطرة على مكة المكرمة لأهميتها الدينية لكن هذا لم يؤثر على التبادل التجاري بين الطرفي ، إذ كان كل منهما يشعر بأهمية التكامل بينهما لتحقيق الازدهار لبلديهما " . ونستشف من هذا أن المصالح الاقتصادية بين البلدين اليمن ومصر تغلبت على المنافسة السياسية . وينقل لنا سيد مصطفى بالنص ما ذكر في المخطوط من تفاصيل العلاقات التجارية بين مصر الأيوبية واليمن وهي " وصول السفراء من الديار المصرية " والهداية الثمينة والنادرة التي كانوا يحملوها من سلاطين مصر إلى سلاطين وملوك الدولة الرسولية . وكانت أيضاً سفراء وتجار اليمن يحملون معهم الهداية النفيسة من سلاطين وملوك الدولة الرسولية إلى مصر .[c1] اليمن في أفريقيا[/c] وتناولت أيضاً المخطوطة علاقة الرسوليين بساحل البحر الأحمر الأفريقي أو الغربي ونفوذها الاقتصادي والسياسي في تلك المنطقة ومن أهم الموانئ الأفريقية التي كانت محطة نفوذ اقتصادي لهم هي ( دهلك ) في الحبشة التي تحولت بعد ذلك إلى نفوذ سياسي . في عهد السلطان الملك الناصر ألرسولي المتوفى سنة ( 824 هـ / 1421م ) والذي حكم اليمن 24عامًا والتي شهدت في عهد حكمه استقرارًا سياسيا وازدهارًا اقتصاديًا . وربما مناسبًا أن نورد نص الرواية التاريخية عن استنجاد ملك دهلك بالسلطان الناصر ضد أعداءه ، إذ تقول : " وصل ولد سعد الدين صاحب الحبشة بهدية إلى الباب الشريف بتعز المحروس وطلب النصرة على الكافر الحطي ، فقابله السلطان الملك الناصر بكل خير وكساه وأنعم عليه ووعده بالنصر نهار الجمعة 13من شهر ذي القعدة سنة 811هـ " . ويشرح الدكتور سيد مصطفى الأسباب التي دعت ملك ( دهلك ) طلب مساعدة الدولة الرسولية على خصومه ومنافسيه وذلك بسبب الحروب والمنازعات بين الإمارات الإسلامية في الحبشة , وفي هذا الصدد ، يقول : " ويبدو أن ذلك يرجع إلى الحروب المستمرة بين الولايات الإسلامية ـــ التي كانت تسمى إمارات الطراز لإحاطتها بهضبة الحبشة ــ وبين الولايات المسيحية التي تقطن تلك الهضبة ". ويتكرر نفس المشهد في دهلك عندما يستغيث ملكها بعد سنوات قليلة بالسلطان الملك الناصر بإعادته إلى ملكه الذي فقده بسبب مؤامرة أخوته عليه ، فتقول المخطوطة بالحرف الواحد: " وصل صاحب دهلك إلى الباب الشريف مستنجدًا بمولانا السلطان الملك الناصر قدس الله روحه على إخوته كونهم أخرجوه من البلد وكان الحكم له دونهم قبل ذلك " . كل تلك الدلائل تؤكد أن الدولة الرسولية كان لها مركز ثقل سياسي في الإمارات الإسلامية أو إمارات الطراز على الساحل الأفريقي للبحر الأحمر . [c1] مع الهند [/c]وتتكلم المخطوطة كذلك على علاقة اليمن في عهد حكم الرسوليين بالهند والصين بسبب موقع اليمن الذي يقع في طرف جنوب البحر الأحمر واتصاله وارتباطه بالمحيط الهندي فالعامل الجغرافي لعب دورًا هامًا وكبيرًا في بناء جسور العلاقات التجارية مع الهند والصين ودليل ذلك أن أسواق عدن ثغر اليمن كانت في العصر الإسلامي وتحديدًا في العصور الوسطى تكتظ بالسلع والبضائع القادمة من الهند والصين بصورة خاصة والشرق بصورة عامة . وازدادت العلاقة التجارية مع الهند والصين في حكم الدولة الرسولية وكانت علاقتها بالهند والصين علاقات وثيقة وشائجه ووطيدة . وهذا ما يؤكده سيد مصطفى ، إذ يقول : " ولأن اليمن تقع عند طرف " الممر " الجنوبي ... فقد كانت على علاقات طيبة مع الهند والصين ، وكانت رسلهما يصلون بالهدايا إلى الرسوليين . فقد " وصل رسول ملك الهند بالهدايا والتحف من الأشجار الفاخرة والملابس الحسنة الباهرة وذلك في سنة 769هـ ( 1367م ) . وكانت البضائع الهندية تعامل في الجمارك اليمنية معاملة خاصة . وكانت تأخذ منها العشور القليلة وذلك بأمر من سلطان ملك الدولة الرسولية . وهذا ما أكدته المخطوطة عن معاملة التجار الهنود معاملة جيدة , وكذلك ربان السفينة أو السفن ، ويبدو أنه كان نوعًا من تشجيع التجارة الهندية في اليمن , فتقول المخطوطة في هذا الصدد : " وكسى الناخوذة كسوة فاخرة ، وسمح له مولانا السلطان شيئًا من العشور وطابت خواطر التجار بما يصدق به مولانا السلطان عليهم ... كان ذلك يوم الاثنين 9 ذي الحجة سنة 836هـ " . [c1]مع الصين[/c]ومثلما كانت العلاقات التجارية قوية ومتينة مع الهند ، كانت أيضاً مع الصين في عهد حكم الدولة الرسولية وتحديدًا في عهد السلطان الناصر أحمد الذي شهدت اليمن في عهده الاستقرار السياسي والأمن والأمان والازدهار الاقتصادي ــ كما أشرنا في السابق ـــ . وهذا ما أكده الدكتور سيد مصطفى سالم ــ نقًلا عن المخطوطة ـــ ، إذ يقول : " وتبادل الرسوليون مع أباطرة الصين الهدايا أيضًا ، فقد كان : " وصول مراكب الزنك ( نوع من أنواع السفن التجارية الضخمة ) إلى الثغر المحروس ( يقصد به ميناء عدن ) ومعهم رسول من صاحب الصين بهدية سنية لمولانا السلطان الملك الناصر في شهر ذي الحجة الحرام سنة 821هـ . وقد ردت اليمن على الصين بهدية كبيرة ، فقد : " أمر السلطان الملك الناصر بتجهيز رسل صاحب الصيني بهدية عوض هديته فيها من أنواع التحف " . * [c1]مطاردة القراصنة والمهربين [/c]ونظرًا للعلاقات التجارية مع الهند والصين والآخرين من البلدان الواقعة على بحيرة البحر الأحمر أن يكون للدولة الرسولية نشاطاً ملحوظًا وقويًا في ملاحقة ومحاربة المهربين والقراصنة ( المُجَوّرين ) لحماية سواحلها الذين كانوا يتسللون عبرها إلى المدن لهروبهم من دفع العشور والضرائب الجمركية المطلوبة منهم على سلعهم وبضائعهم وبسبب ذلك شكلت مراكب أو سفن خاصة لذلك الغرض وهي كانت تطلق عليها اسم مركب " الديوان " و مركب الناصر " ، وكانت تحمل على ظهرها بعض آلات الحرب والقتال مثل النفط . ونستطيع أن نقول أن تلك المراكب أو السفن التابعة للدولة الرسولية أشبه ما تكون بخفر السواحل في وقتنا الراهن ـــ إذا جاز التعبير ـــ ويتساءل سيد مصطفى حول الغرض من تلك المراكب أو السفن , فيقول : " فقد نعت بعضها " بمركب الديوان" " وبالمركب الناصري " ولا ندري هل كانت هذه السفن سفناً حربية تابعة للدولة من أجل حراسة السواحل اليمنية ؟ " . ولكنه يميل إلى أنها سفن حربية ودليل ذلك أن أحدى السفن " الناصرية " قد أطلقت النفط على سفينة المُجَوّرين ، " فاحترقت المركبتين معًا بسبب قربهما من بعض وبسبب امتداد لسان اللهب من أحداهما إلى الأخرى ، أم كانت سفناً تمتلكها الدولة لنقل البضائع ؟ وإذا كانت كذلك فلماذا حملت كمية من النفط ؟ " . [c1]الدولة الرسولية والجزر اليمنية[/c]ويؤكد الدكتور سيد مصطفى مرة أخرى بأن الدولة الرسولية كان لها نفوذاً اقتصاديًا وسياسيًا على ساحل البحر الأحمر الأفريقي من ناحية وسيطرتها على الجزر اليمنية من ناحية أخرى التي أشارت إليها نصوص المخطوطة في معرض كلامها عن ملاحقة الرسوليين للمهربين والقراصنة ( المُجَوّرين ) ، فيقول : " وقد تبين لنا من خلال تلك النصوص أن " جزيرة زقر " كانت تحت أيدي الرسوليين كما أتضح عند القبض على " المُجَوّرين " بها ، كما امتدت أيديهم كذلك إلى باقي الجزر الهامة مثل جزر فرسان ودهلك بدليل ما كان لهم من نفوذ في جنوب البحر الأحمر ، وسواحله الغربية " . [c1]اليمن وإيطاليا[/c]وتحت عنوان (( نظرة إيطاليا إلى الساحل الأسيوي )) يكشف الدكتور سيد مصطفى سالم النقاب عن تطلعات إيطاليا على الساحل الأسيوي وتحديدًا على ساحل وجزر اليمن . والحقيقة أن هناك من الأسباب الرئيسة التي دفعت إيطاليا إلى أن ترنو ببصرها إلى سواحل وجزر اليمن هي أنها بعد تأسيسها مستعمرة أرتيريا في سنة 1890م زاد اهتمامها باليمن من ناحية وفشلها الذريع في توسعها في وادي النيل حيث وقفت لها إنجلترا بالمرصاد من ناحية ثانية وقبل ذلك أن إيطاليا بعد أن توحدت سنة 1871م دخلت معترك السباق في إقامة مستعمرات لها مثلها مثل الدول الأوربية وعلى رأسها وفي مقدمتها إنجلترا سيدة البحار . والحقيقة أن إيطاليا وجدت أن الخروج من مشكلة الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تعاني منها هو تأسيس مستعمرات لها في ساحل البحر الأحمر الأفريقي . وعلى أية حال ، بعد أن غضت إنجلترا الطرف عن احتلالها لميناء عصب وتأسيسها مستعمرة أرتيريا ــ كما قلنا سابقاً ـــ . أخذت تفكر إيطاليا تفكيرًا جادًا في وضع قدم لها على الساحل الشرقي للبحر الأحمر وتحديدًا سواحل اليمن وجزره . ولذلك أرسلت عددًا من الرحالة الإيطالية إلى اليمن قاموا بعدد من الجولات فيها " إذ قام الرحالة ريزو مانزو بجولة في اليمن عام ( 1870م ) ، كما زار تاجر الآثار الإيطالي اليهودي موسى شابرو اليمن عام ( 1879م ) " . بهدف استكشاف اليمن عن كثب. والحقيقة أن إيطاليا كانت لها مندوبًا في اليمن بغرض تصدير البُن إلى جنوة بإيطاليا . وفي صنعاء كان لها مندوبين يمثلان شركة إيطاليا للتجارة . ونستشف من ذلك أن إيطاليا كانت تخطط بأن يكون لها نفوذ اقتصادي وسياسي في اليمن وسواحله وجزره الهامة . ومما دفعها إلى ترنو ببصرها إلى اليمن هو ضعف السلطنة العثمانية في الجزيرة العربية والبحر الأحمر . ولكن كانت إنجلترا العقبة الكأداء في تحقيق أغراضها الاستعمارية في ساحل البحر الأحمر الأسيوي أو الساحل الشرقي التي كانت من إستراتيجيها هو عدم السماح لأية قوة أوربية تنافسها في الجزيرة العربية والبحر الأحمر الذي كان يمثل لها الشريان الحيوي والهام لطريقها البحري إلى الهند دُرة تاج مستعمراتها . [c1] اليمن بين العثمانيين والإيطاليين[/c]ولقد شهدت سواحل اليمن قطع من الأسطول البحري الإيطالي وهو يجوب بالقرب منها ويهدد باستعمال العنف ضدها . ولقد كانت إيطاليا تختلق المبررات وأحياناً ترفع الشعارات الإنسانية وهي محاربة تجارة الرقيق من قبل القراصنة . ولقد كانت قطع البحرية الإيطالية تصول وتجول أمام سواحل والجزر اليمنية وهي المًخًا ، الحديدة ، كمران ، وفرسان . ولقد قصفت البحرية الإيطالية بالمدافع ميناء ميدي وإزاء ذلك حشدت السلطنة العثمانية قواتها في ميدي لمنع نزول الإيطاليين إلى المدينة . وعلى الرغم من النزاع الشديد الذي وقع بين السلطنة العُثمانية وإيطاليا على سواحل اليمن . فقد تلطف جو العلاقات سنة ( 1904م ) بين البلدين نسبيًا وإزاء ذلك " أقامت إيطاليا قنصلاً عامًا لها في الحديدة ، ونائب قنصل في المَخَا ، بينما كان لبريطانيا نائب قنصل في الحديدة منذ عام ( 1884م ) . وقد وصل أحد الإيطاليين إلى المَخَا لجمع عدد من اليمنيين للخدمة في الجيش الإيطالي في " إرتريا " " . ونستخلص من ذلك أمرين الأول أن إيطاليا نجحت في تهديد السلطنة العثمانية فأجبرتها على أن يكون لها قنصلين في الحديدة ، والمَخَا وأما الأمر الآخر هو أن إنجلترا قد ثبتت أقدامها في اليمن منذ سنة 1884م أي منذ وقت طويل أما إيطاليا فقد دخلت حلبة اليمن في وقت متأخر عنها. [c1]اليمن بين إنجلترا وإيطاليا[/c]والحقيقة أنه كان من الطبيعي أن تنظر إنجلترا سيدة البحار بعين الشك والحذر لمحاولات إيطاليا مد نفوذها إلى الساحل الأسيوي للبحر الأحمر . وفي واقع الأمر لقد وضعت إنجلترا استراتيجية وثوابت أساسية في سياستها وهي عدم السماح مطلقاً إلى تواجد قوى أوربية أو أية قوة أخرى في البحر الأحمر والجزيرة العربية ــ كما قلنا سابقًا . وكانت إيطاليا تعلم علم اليقين أن إنجلترا لن تسمح لها أن تمد نفوذها السياسي إلى الجزيرة العربية ودليل ذلك أن الأخيرة عندما لاحظت " ضخامة النشاط الإيطالي الحربي أمام السواحل اليمنية وجدت من الضرورة تهدأت قلق الساسة الإنجليز من نشاطها أمام السواحل اليمنية ، وهذا ما أكده سيد مصطفى ، بقوله : " أبلغت الحكومة الإيطالية السفير البريطاني في روما أنه ليس لديها أية مشروعات في اليمن ، وذلك للتخفيف من مخاوف بريطانيا من ضخامة التحركات الإيطالية أمام الساحل اليمني " . [c1]الإمام يحيى وإيطاليا[/c]وعندما غزت إيطاليا طرابلس الغرب ( ليبيا ) التي كانت من أملاك السلطنة العثمانية واشتعلت الحرب بينهما على أرضها في سنتي ( 1911 ـــ 1912م ) أرادت إيطاليا أن تفتح جبهة أخرى من القتال ضد السلطنة العثمانية وبذلك تشغلها عن الحرب الدائرة بينهما هناك . فوجدت أنسب مكان لإشغال السلطنة العثمانية هي الجزيرة العربية والبحر الأحمر . فأقامت حلفاً مع محمد الإدريسي عدو العثمانيين اللدود ، وعدو أيضاً الإمام يحيى . ولقد أمدت الإدريسي بالمال والأسلحة لمواجهة القوات العثمانية في عسير . ورأت إيطاليا ضرورة تخفيف الضغط على حليفهم الإدريسي وذلك من خلال المصالحة بينه وبين الإمام يحيى إمام اليمن ، وطلبوا من سلطان لحج التوسط بينهما ، ولكن الإمام يحيى رفض المصالحة . ولم تكتف إيطاليا بمد حليفها بالمال والسلاح بل أنها قامت بمحاصرة جدة والحديدة وأطلقت مدافعها على الأخيرة وعلى عدد من موانئ اليمن وهي اللُحية ، الشيخ سعيد ، الخوخة ، ويختل ذباب ويبدو أن ذلك التهديد الإيطالي بهدف الضغط على إمام اليمن ليقبل الصلح مع حليفهم محمد الإدريسي ولكن الإمام رفض الإذعان لمطالبهم. وهذا ما أكده الدكتور سيد مصطفى سالم ، إذ يقول : "... اتصل الإيطاليون بسلطان لحج للتوسط لدى الإمام يحيى حتى يكف عن محاربة الإدريسي ، فرفض الإمام هذا الطلب " . [c1]الدولة القاسمية والجزر اليمنية[/c]ومن أهم الأحداث الملتهبة التي طفت على السطح في اليمن الذي ذكرها الدكتور سيد مصطفى سالم تحت عنوان (( مظاهر اهتمام اليمن , وعقد صلح ( دعّان ) هي خروج العُثمانيين من اليمن سنة 1635م , وظهور الدولة القاسمية واهتمامها بالجزر اليمنية . فقد أرسل الحسن ابن الإمام القاسم بن محمد علي قواته مباشرة بعد رحيل القوات العثمانية من جزيرتي فرسان ، وكمران بغرض تأمينهما وحمايتهما من محاولة العُثمانيين العودة إليهما مرة أخرى . وفي عهد حكم الإمام محمد بن أحمد بن الحسن صاحب ( حصن ) المواهب ، وعلى الرغم من الاضطرابات الداخلية التي عمت حكمه . فقد أرسل حملة إلى زيلع في ساحل البحر الأحمر الغربي ليؤكد نفوذه السياسي عليها . وفي عهد المتوكل أحمد علي اهتم ببسط سيطرته على المَخَا . وبعد أن انحسرت نفوذ الدولة القاسمية في اليمن ظهر مرة أخرى محمد علي باشا والي مصر على مسرح اليمن الأولى كانت سنة ( 1818 ـــ 1820م ) وأما المرة الثانية ، كانت سنة ( 1834 ـــ 1840م ) وفي تلك الفترة دار صراع شديد بين إنجلترا ومحمد على والي مصر فقد كانت الأولى تنظر إلى تحركاته بعين الشك والحذر الكبيرين في اليمن والجزيرة العربية . ولكنها تمكنت من تصفية نفوذه في تلك المنطقة الهامة وتحجيمه في مصر بعد معاهدة لندن سنة ( 1840م ) . وبسبب الصراع بين القوى الداخلية في اليمن ، عاد العُثمانيين مرة أخرى إلى اليمن . في بداية الأمر وضعوا أقدامهم في الحديدة سنة 1849م , وبعد 23عامًا وتحديدًا في سنة 1872م سيطروا على صنعاء . ولكن اليمن تعرضت إلى أزمات اقتصادية خانقة وذلك بسبب انتقال حركة التجارة من المَخَا إلى عدن التي احتلها الإنجليز سنة 1839م ، وإزاء التدهور الاقتصادي فيها. أطل على المشهد السياسي الإمام ابن الإمام المنصور الذي حارب العثمانيين وانطفأت جذوتها بعد صلح ( دعّان ) سنة 1911م . وبعد دخول الإمام يحيى بن حميد الدين صنعاء بعد انسحاب العثمانيين من اليمن بعد هزيمتهم في الحرب العالمية الأولى أرسل قواته إلى الخوخه ، والمَخَا حتى باب المندب " ... بينما كانت بريطانيا قد احتلت الحديدة بحجة الضغط على العثمانيين للانسحاب من اليمن ، وبينما كان الإدريسي قد انتهز فترة هذا الانسحاب دفع بقواته على الزحف جنوبًا في تهامة إلى الصليف شمال الحديدة بقليل " . [c1]حوادث ملتهبة[/c]وفي الحقيقة أن كتاب (( البحر الأحمر والجزر اليمنية تاريخ وقضية )) يحمل الكثير والكثير من العناوين الهامة التي أظهرت الأحداث الساخنة والخطيرة التي طفت على سطح مياه البحر الأحمر والجزر اليمنية والتنافس السياسي الشديد بين الدول الأوربية التي كان كل منهم تحاول البحث عن موضع قدم لها سواء في ساحل البحر الأحمر الأفريقي مثل فرنسا ، إيطاليا ، ألمانيا ، وإنجلترا التي التهمت أكبر جزء من الكعكة الأفريقية بل أن روسيا القيصرية حاولت البحث لها عن مكان بين تلك الدول الأوربية في البحر الأحمر أو بعبارة أخرى الوصول إلى المياه الدافئة وهو البحر الأحمر ولكن مشروعها الطموح هذا تحطم على صخرة إنجلترا التي وقفت بالمرصاد لكل قوى أوربية تحاول أن تعكر صفو البحر الأحمر والجزيرة العربية . ومثلما شاهد ساحل البحر الأحمر الغربي أو الأفريقي تنافسًا شديدًا بين الدول الأوربية ، شاهد أيضًا ساحل البحر الأحمر الأسيوي تنافسًا حادًا بين الدول الأوربية وأبرز تلك الدول التي كانت ترنو إلى الساحل الشرقي للبحر الأحمر هي إيطاليا ولكن كانت إنجلترا سيدة البحار حينئذ العقبة الكأداء التي أفشلت كافة خططها في البحر الأحمر والجزيرة العربية .[c1]الحقيقة التاريخية[/c]ولا يسعنا في ختام الكلام عن كتاب (( البحر الأحمر والجزر اليمنية تاريخ وقضية )) لمؤلفه الكبير المختص في شئون تاريخ اليمن الحديث والمعاصر الأستاذ الدكتور سيد مصطفى سالم الذي بذل جهود جهيدة من وقته وعرقه ، وراحته ليخرج لنا سفر جليل ـــ على حسب قول الدكتور عبد الإرياني المستشار السياسي لرئيس الجمهورية ، ورئيس الوزراء السابق في سياق مقدمته للكتاب ـــ . وينضم هذا السفر الجليل أو الكتاب القيم إلى قائمة مؤلفات الدكتور سيد مصطفى سالم الرائعة المتألقة دائمًا في تاريخ اليمن الحديث والمعاصر التي من مميزات كتابته هو الوصول إلى أقرب نقطة من الحقيقة التاريخية . وهذا ما أكده الدكتور حسن عثمان في كتابه (( منهج البحث التاريخي)) عن بلوغ تلك الحقيقة التاريخية ، إذ يقول : " منهج البحث التاريخي هو المراحل التي يسير خلالها الباحث حتى يبلغ الحقيقة التاريخية ــ بقدر المستطاع ــ ويقدمها إلى المختصين بخاصة والقراء بعامة " . [c1]محمد زكريا[/c]الهوامش : الدكتور سيد مصطفى سالم ؛ البحر الأحمر والجزر اليمنية تاريخ وقضية ، الطبعة الأولى 2006م ، الناشر : صنعاء ـــ دار الميثاق للنشر والتوزيع . * ولمزيد من المعلومات عن رحلات الصينيين إلى البحر العربي , وعدن ثغر اليمن في عهد حكم السلطان الملك الناصر ألرسولي . أقرأ كتاب ( رحلات الصينيين الكبرى إلى البحر العربي ) لمؤلفه المؤرخ عبد الله أحمد محيرز ، الناشر : دار جامعة عدن للطباعة والنشر2000 م . والمركز العربي للدراسات الإستراتيجية . الدكتور حسن عثمان ؛ منهج البحث التاريخي ، الطبعة الثالثة منقحة ، دار المعارف بمصر ، 1970م .
|
تاريخ
الجزر اليمنية في الصراع الدولي
أخبار متعلقة