صباح الخير
من ينظر إلى الظروف المحلية والإقليمية والدولية الحالية يدرك أننا أمام منعطف تاريخي كبير في تاريخ المنطقة والعالم، وليس بالضرورة أن يكون التحول القادم سلبياً، لكن طبيعة التحولات وضرورة التغيرات تتطلب بالتأكيد فهماً وقراءة وسلوكاً في السياسة والمجتمع مختلفاً عن السائد والبائد.والمجتمعات المتخلفة في مراحل التحولات هي أكثر عرضة للأزمات والصراعات إذا لم تتحل بالحكمة والرؤية الثاقبة لفهم ظروفها الذاتية والموضوعية فتتحول من ثقافة المواجهة والصراع إلى ثقافة الحوار والتنافس الديمقراطي الشريف.وحسناً فعل الأخ الرئيس علي عبدالله صالح إذ جعل بوابة الحوار مشرعة أمام كل القوى والأحزاب السياسية في الوطن. وأصر على جعل اليد ممدودة لكل الفرقاء.ولا أظن الأحزاب المعارضة ستفوت هذه الفرصة لبناء الثقة بين أبناء الوطن، إذا كانت تدرك حجم المخاطر التي تتعرض لها البلاد ويتعرض لها الإقليم بأكمله.. وعلينا أن نقرأ خطوة الرئيس بالدعوة إلى الحوار بين الفرقاء السياسيين في البلاد في سياقها الصحيح وهو أسلوب القيادة في إدارة البلد بروح الفهم والحكمة والتسامح وتغليب المصلحة الوطنية العليا على الاختلافات الثانوية، فثقافة الحوار كانت نهجاً ثابتاً في سياسة الأخ الرئيس، وهي من مقومات منهج الحكم طوال ثلاثين عاماً، وهذه الروحية والمنهجية هي التي عبرت باليمن مراحل صعبة ومعقدة، وتجاوزت بالوطن أقسى الظروف والأزمات. في العمق، لا يوجد هناك تناقض كبير على المستوى الوطني واقعياً وعملياً بين الفرقاء السياسيين، فمهما اختلفت المنطلقات الأيديولجية والنظرية فإن الخيارات الموجودة في الواقع السياسي والاجتماعي محدودة جداً أمام الجميع، فبلادنا وسواها من بلدان العالم الثالث والأخير هي في طور الانفعال لا الفعل في دور الاستجابة لا في دور التأثير، لذا فإن مهمة القوى السياسية الوطنية في الحكم والمعارضة هي في تسييج الكيان الوطني من الأخطار المحدقة بنا في البحر والبر.الحوار الذي دعا إليه فخامة الرئيس حول الانتخابات هو قاعدة وبداية يمنية للتفكر والتأمل بذهنية وطنية صافية تستطيع التفريق بين الآني والتأريخي، بين الثانوي والأساسي، بين المتغير والثابت، بين الذاتي والموضوعي.. المطلوب عقلية يمنية أصيلة الانتماء تعرف أن خلط النزف بين المصالح الشخصية والعامة، بين الانتماء الضيق والانتماء الواسع الرحب يمكن أن يؤدي إلى الضياع الكبير للذات وللكيان معاً. والوعي بطبيعة المرحلة والمقومات ومكونات الكيان والواقع الوطني وبالفهم العميق لأسلوب العمل والأداء السياسي المطلوب وطنياً وتاريخياً وعملياً.. كل ذلك يمهد لأن يقوم أبناء اليمن معاً بصياغة جديدة تعبر باليمن جسر الآلام الذي يمتد أمام بسطاء وفقراء عالم الرأسمالية المتوحشة.