باريس /متابعات : صدر حديثاً في باريس، على صفحات مجلة لونوفل أوبزرفاتور كتاب جديدي يحمل اسم "قاموس فرنسا الاستعماري" للكاتب جان بيير ريو ليصب به الزيت فوق النار الملتهبة منذ بضع سنوات حول هذا الماضي الذي يقلق ضمائر شرائح واسعة من مختلف مثقفي ما يسمى بقايا اليسار الفرنسي، وليزيد من حدة الجدل الدائر، الذي انتقلت أصداؤه إلى داخل البرلمان عام 2005، وصدر بشأنه قوانين تجاذبتها فئات اليمين في الحكم، واليسار في المعارضة، لتخرج بالتالي متناقضة، ولا تحمل بوادر مصالحة مع الذات القومية المتعبة من إرث يعذبها من جهة، ومن يمين متطرف يرى في ذلك الماضي صفحات مشرقة من تاريخ الأمة. يقول ريو وفقاً لجريدة "تشرين" السورية: "لم يكن الاستعمار خياراً استراتيجياً لفرنسا بقدر ما كان ردود فعل مستمرة، وصدفوية، مقارنة مع الإمبراطوريات الأخرى، كبريطانيا وهولندا واسبانيا. ولم يتأصل في ضمير الرأي العام كحقيقة تاريخية، على الرغم من وجود حزب استعماري و«لوبي» يتمتع بمصالح مادية كبرى في ذلك الحين". ويؤكد أن جنوح تلك القوى الأوروبية الكبرى نحو سباق محموم لاقتسام العالم منذ القرن السادس عشر، كان وراء دخول فرنسا في تلك الحمى الاستعمارية، مكتفية في بداية حقبتها الاستعمارية بإرسال البعثات التبشيرية الرامية إلى تنصير سكان البلاد المفتوحة، بعد غزوها ثقافياً، ليتسنى لها ربطها بعجلة الاقتصاد الفرنسي، تحت إطار ما سميّ لاحقاً، مستعمرات ماوراء البحار. وسرعان ماتم الانزلاق نحو الشهوة الاستعمارية التي برزت من داخل الصراعات الفرنسية ـ الفرنسية، والفرنسية الأوروبية. وبالتحديد، لم تتبلور شروط المغامرة الاستعمارية إلا في أواسط القرن التاسع عشر، عندما اعترفت فرنسا عام 1815 بموت إمبراطوريتها التجارية القديمة، ومضت لتحتل الجزائر عام 1830، تحت ذريعة تنوير العالم ومساعدة الشعوب المتخلفة على الانفتاح، ونشر حقوق الإنسان ومبادئ الديمقراطية. لقد دافع جول فيري حسبما جاء في "تشرين"، تحت قبة البرلمان عام 1885 عن تلك النزعة الاستعمارية إبان احتلال تونكين ومدغشقر، وانبرى له جورج كليمانصو مهاجماً «الحضارة» التي تزعم بلاده تصديرها للعالم تحت غطاء الشرعية. وفي الواقع، لم يكن في نية «فيري» التنظير لسياسة استعمارية، بقدر ما كان يرغب بتسليط الضوء على ثلاثة سجلات تختلط فيما بينها: الاقتصاد، والعمل الإنساني «الحضاري» والعامل القومي. فعلى الصعيد الاقتصادي، رأى فيري أن السياسة الاستعمارية هي الوليد الطبيعي للنهضة الصناعية. وعلى الصعيد الإنساني، وتصدير الحضارة، أوضح أن الأعراق المتطورة، لها الحق، ويقع عليها عبء مساعدة الأمم المتأخرة. أما على الصعيد القومي فأشار إلى أن الأمم العظمى عندما لا تتألق فهي تحكم على نفسها بالتلاشي. لهذا كله، فلم تشكل مستعمرات ما وراء البحار مصيراً حاسماً في تاريخ فرنسا. كما أخذ العنف في البلدان الواقعة تحت الانتداب الفرنسي، يتصاعد وتصل أنباؤه المؤلمة إلى الرأي العام في الداخل الفرنسي، الذي رأى في تطور تلك الأحداث المؤسفة وجهاً آخر، يتنافى مع الشعارات والذرائع المعلنة، وينحرف عن مبادىء ثورته التي يعتز بها. ولأن فرنسا كانت تختلف عن بريطانيا في رؤيتها الاستعمارية، فقد تغلبت نزعاتها الانطوائية وتطلعاتها لزعامة أوروبا سياسياً على طموحاتها التوسعية الاستعمارية، خصوصاً بعد الحرب العالمية الثانية.
أخبار متعلقة