عقود الاحتكار سيف على رقبة الفنان .. فن صناعة النجم ·· وهم أم حقيقة ؟
القا هرة / 14 اكتوبر / وكالة الصحافة العربية:قبل أكثر من ستين عاما علي الأقل من الآن كانت الساحة الفنية تهتم بخروج عمل فني متكامل، كان هناك جيل من الفنانين مهمتهم إعداد وصناعة النجم أمثال رمسيس نجيب وحلمي رفلة وغيرهم كثيرين، حتى على المستوي القومي كان هناك ستديو مصر، ومؤسسة السينما اللذان أنتجا أفلامًا لنجوم الغناء أمثال أم كلثوم وعبد الوهاب، وكثيرًا ما أوفدوا المخرجين للخارج لتعلم أصول الإخراج، وأيضا على مستوى الأفراد فقد كانت هناك نجوم تهتم بصناعة النجم أمثال آسيا وماري كويني وأنور وجدي وزكي طليمات ويوسف وهبي، اللذين كانوا يلتقطون المواهب التقاطاً من حفلات أبناء الطبقه الارستقراطية، وحتى من الشوارع الجانبية·أما الآن فما بين الشللية، وصراع شركات الإنتاج تضيع كثير من المواهب الشابة المبشرة، والتي إن شاء حظها أن تظهر علىالسطح فإنها تشق طريقها بصعوبة شديدة وسط أسراب فاشلة من هواة قتل المواهب الجديدة، ناهينا عن الحظ الذي يلعب دورًا مهمًا في صعود نجم واختفاء آخر·فمن المسؤول عن صناعة النجوم؟ وإلى أي مدى تلعب العلاقات الشخصية دورًا بارزًا في إبراز النجوم وتسويقهم؟ولأن السينما المصرية هي الرائدة فكان لابد أن نبدأ من عندها، ولما لا وهي التي تجاوز عمرها المائة عام، وعلى اختلاف الأداء والاتجاهات والمواقع ·· اتفقت كل الأطراف علىأن صناعة النجوم في الفن المصري خرجت ولم تعد، والحديث عن صناعة النجوم في مصر لابد أن ينطلق من زمن المنتجين العظماء، الذي بدأ بإنشاء ستوديو مصر في بداية القرن الماضي والذي أنتج أفلامًا لنجوم الغناء كأم كلثوم وغيرها وكانوا يقومون برعايتهم وتقديم عقود مغرية، ويقومون بتقديمهم للصحافة وللمجتمع وكان آخر هؤلاء المخرجين الراحلين حلمي رفله ورمسيس نجيب وحلمي المهندس· في البداية نضرب الأمثلة لبعض الفنانين الشبان لنتعرف منهم كيف شقوا طريقهم لأدوار البطولة النجم أحمد السقا وجد نفسه مضطراً للانسحاب من فيلم كان ينتظره طويلاً، وهو فيلم إبراهيم الأبيض والذي كان مقررًا أن تنتجه الشركة العربية، لأنه وجد نفسه مكبلاً بعقد احتكار قديم مع شركة العدل جروب، وانتقلت صلاحيته إلى شركة الفن السابع، ويتذكر أن فيلم أفريكانوا تم سحبه من دور العرض وهو في قمة نجاحه بسبب صراع الشركات· والنجاح الساحق لفيلم “اللمبي” لمحمد سعد والذي تجاوزت إيراداته 25 مليون جنيه وهو رقم قياسي في تاريخ السينما المصرية، جاء على حساب حرمان فيلم “سحر العيون” لعامر منيب من دور العرض· الفنان الشاب أحمد حلمي اضطر للبقاء بلا عمل في منزله لمدة تزيد على عام رغم نجاحه في فيلم “رحلة حب” بسبب عقد احتكار وقعه لمدة ثلاث سنوات، لأن الشركة لم تر طوال هذا العام أن الوقت مناسب لتقديمه في أي فيلم من أفلامها· وهكذا نجد أن بين الشللية، وصراع شركات الإنتاج الكبرى تضيع كثير من المواهب الشابة، أو قد يصل الحال بها للاحتجاب، أو تأخير ظهورها كثيرًا هذا ما يؤكده الجميع مع اختلاف مواقعهم علىخريطة السينما المصرية الآن·ويدور على الساحة السينمائية الآن صراع قوي بين النجوم الشباب وبين ثلاث شركات كبري، أولها وأهمها الشركة العربية التي يبلغ رأسمالها ملايين الجنيهات، والتي اشترت أغلب تراث السينما المصرية، وهي الشركة التي ترأس مجلس إدارتها إسعاد يونس والتي تعمل في مجال النشر والإنتاج السينمائي والإنتاج الموسيقي، وشركة مجموعة الفن السابع والتي تكونت من مجموعة من الشركات الإنتاجية التي اتحدت مع مجموعة العدل جروب وهي تمتلك نسبة كبيرة من دور العرض بالإضافة إلي شركة شعاع ، والصراع بين الشركات الثلاث سبب خسائر بالملايين في الموسم الماضي بسبب التنافس على عرض الأفلام الجديدة في دور العرض، وبسبب عقود الاحتكار التي اضطر عدد كبير من النجوم الشباب لتوقيعها حتى لا يجدون أنفسهم بلا عمل·[c1]نجوم الصدفة[/c]وفي رأي المخرجة إيناس الدغيدي أن صراع الشركات الكبرى على الساحة السينمائية أدى ظهور إلي ما يسمي نجوم الصدفة فأغلب النجوم الذين ظهروا في السنوات الأخيرة لا تتوافر فيهم مواصفات النجوم والحال ينطبق على النساء والرجال، مؤكدة أن الشركات الكبرى تحولت إلى ما يشبه مراكز القوي التي عانيناها على الساحة السياسية في الستينات، فقد قامت تلك الشركات باختيار فنانين لا يصلحون كنجوم وفرضتهم على الجمهور كما يفرض الدواء علي المريض علي حد قولها، وهؤلاء أصبحت أفلامهم فقط هي التي تعرض في دور العرض التي تملكها هذه الشركات، وهم يقومون بلعبة غريبة ·· إذ يدخلون لعبة مساومة مع بعضهم، ويطلبون من المنافسين أن يفسحوا الفرصة في دور العرض لأفلامهم مقابل أن يفسحوا هم أيضًا الفرصة للأفلام المنافسة في وقت لاحق، ولذلك ضاع المنتج الفرد الذي لا يملك دار للسينما، وضاع معه من يحاول أن يقدمه، ضاع المنتج الفرد وسط صراع الحيتان، ولهذا رأينا أفلام نجوم الكوميديا هي التي تربح، لأنها تضمن إيرادات سريعة وتؤكد إيناس أن عقود الاحتكار التي يتحدث عنها هؤلاء النجوم ليست ظلمًا لهم، لأنهم لا يستحقون النجومية من الأساس، واعتقد أن ما ينتظرهم بعد انتهاء هذه العقود هو الأسوأ لأنهم سينتهون ··[c1]لا يوجد قدوة[/c] ونعود سريعًا للنجوم الشبان وهم أكثر الذين يدركون مشكلة افتقاد سوق الفن المصري لصناعة النجوم الفنانة الشابة مي عز الدين والتي حققت بصمه النجاحات السينمائية والتليفزيونية في الفترة القليلة الماضية تقول: الممثل الشاب في هذه الأيام عليه أن يخضع لقانون الصدفة، والمحاولة والخطأ في كل شيء عليه أن يختار ويدفع ثمن اختياره، وقد يكون اختيارًا صائبًا إذا كان محظوظًا، أو اختيارًا خاطئًا ·· هناك كثيرون مثلي يدخلون إلى عالم الفن بدون أي علاقات أو بعيدًا عن الشللية وهؤلاء يعانون كثيرًا لأنهم لا يجدون من يرشدهم أو يعلمهم كيف يختارون ملابسهم وإكسسوارتهم أو كيف يتكلمون، وكيف يتعاملون مع المنتجين، وحتى كيف يحددون أجورهم وتلك مسألة في غاية الإرهاق والتعب·ونترك الشباب ونتجه لكبار النجوم والذين وجدوا أنفسهم لأول مرة منذ سنين طويلة على قائمة الانتظار، ومن تجرأ منهم وحاول الخروج على قوانين الشركات الثلاث سوف يجد نفسه في النهاية خسران خسارة كبيرة لم يكن يتخيلها وأقرب مثال علي ذلك ما حدث مع الفنانة نادية الجندي التي وجدت نفسها بلا عائد مادي نظير عرض أفلامها التي تم إنتاجها بعيدة عن هذه الشركات، مما دعاها للتوجه للتليفزيون لعل وعسى·[c1]خلافات على النجوم[/c] والصورة تبدو مختلفة عند كبريات شركات الإنتاج التي ترى أن كل خطواتها تعمل علي ضخ دماء جديدة في عروق السينما المصرية من خلال تقديم وجوه جديدة ومخرجين شبان ـ الفنانة إسعاد يونس ـ رئيس مجلس إدارة الشركة العربية تقول: البعض يحاول تصوير الأمر وكأن الشركات الكبرى هي سبب اختفاء المنتج الفرد وهذا غير حقيقي فلقد اختفى هذا النوع من المنتجين منذ سنوات سبقت ظهور الكيانات الكبرى، ونحن لم نسيطر على أحد ولم نتحكم في السوق بحيث نمنع الآخرين، بل على العكس تمامًا فنحن نتيح الفرصة للمنتجين للعمل من خلال شركاتنا، كما أننا قدمنا ما يقرب من 12 مخرج جديد إلى جانب عدد من الوجوه الشابة الذين أصبح معظمهم نجومًا· محمد العدل شركة الفن السابع يقول أن شركته تبحث عن النجوم الواعدين بين الموهوبين في شتي المجالات، ليس في التمثيل فقط بل كتاب السيناريو أيضًا والمخرجين ونحن بدورنا نقوم بعمل ورش عمل، ونقدم أفكارًا لم يسبقنا أحد إليها كما فعلت في فيلم “أصحاب ولا بيزنس” والذي قدمنا فيه مصطفى قمر وهاني سلامة وهما نجمان شابان·[c1]مكتشف النجوم[/c]وفي هذا التحقيق لا نستطيع أن نتجاهل دور الفنان محمد صبحي واحد من الذين خرجت من تحت أيديهم أسماء كثيرة تحولت إلى النجومية، بعد اكتشافه ورعايته لهم أمثال مني زكي التي اكتشفها في سن الخامسة عشرة من عمرها وقدمها في مسرحية “ماما أمريكا”، وهاني رمزي الذي قدمه لأول مرة في مسرحية “وجهة نظر” وغيرها من الأسماء التي بدأت خطواتها الأولي في فرقة ستوديو 80 والتي تحولت فيما بعد إلى ستديو الممثل بعد انسحاب شريكه السابق المؤلف لينين الرملي ، و ينفي محمد صبحي عن نفسه صفة صانع النجوم ويفضل بدلاً منه لقب مكتشف النجوم ويقول: أعتز بهذا اللقب لأنه هو الذي يستطيع أن يرى في الفنان الشاب مالا يراه الآخرون ولذلك يؤمن به ويعمل على تقديمه بالشكل المناسب ، أما تصنيع النجوم فهي عبارة تعني شيئًا زائفًا لأن النجوم لا يتم تصنيعهم فإما أنك أمام إنسان موهوب أو غير موهوب، وإذا كان موهوبًا فعليك أن تكتشفه وترعاه وتعلمه وتلقنه، وتقدمه في النهاية للجمهور، ثم تعطيه الفرصة تلو الأخرى، وبعد ذلك تمنحه حق الاختيار، ومن خلال فرقتي أقدم كل من أؤمن بقدراتهم ومواهبهم لأنني أقوم برد دين في رقبتي لفنانين كبار اكتشفوني وقدموني مثل المخرج الراحل شادي عبد السلام، والفنان محمود المليجي وتوفيق الدقن، وأنا أقوم بتدريب الممثل التمثيل والإلقاء لأن هذا يدخل في صميم عملي، لكن تبقي بهارات ومهارات أخرى كالأكل والشرب واختيار ملابسه في الحياة العامة، فهي أشياء لا أهتم بها وأتركها للممثل نفسه والذين يستطيعون أن يقوموا بتلك المهام، المنتجين المتفرغين لمهنة الإنتاج فقط والشركات الإنتاجية الكبرى، الشركات والأفراد لا يقومون بمثل هذه المهام في الفترة الحالية، ولا يهتمون إلا بكيفية تحقيق الربح من وراء الممثل·[c1]احتكار الأصوات[/c]وفي دنيا الغناء لا يختلف الحال كثيرًا عن فن السينما والمسرح ويؤكد على هذا الكلام المطربون ويؤكدون أنهم ليسوا أفضل حالاً وأنهم يشقون طريقهم بجهودهم الشخصية، ويضيعون سنوات طويلة في البحث عن فرصة، ولتقديم أنفسهم لشركات الإنتاج (الكاسيت) وحتى الذين استطاعوا أن يقفزوا إلى دائرة النجومية يعانون احتكار هذه الشركات وصراعاتها ، وهناك حكايات عن احتكار عدد من الأصوات بواسطة شركة عربية استطاعت أن توقع عقودًا مغرية مع أكبر كم من المطربين الموجودين في الساحة وهي تتحكم أيضا في اختيار المحطات التليفزيونية التي يقومون بإجراء حوارات تليفزيونية معهم، مطربون كبار مثل علي الحجار انتهوا منذ فترة من تسجيل أغنياته وأصبح في حيرة لأنه خارج دائرة الاحتكار، وعليه أنه يبدأ وحده مشوار البحث عن منتج ·· المطربة الشابة ريهام عبد الحكيم التي خاضت صراعًا مريرًا وصل ساحات القضاء بعد تعاقد إحدى المحطات التليفزيونية العربية على احتكار جهودها لمدة ثلاث أعوام ولكنها فوجئت بعد انقضاء عام بأنها لم تسجل أغنية واحدة لهذه الشركة، ولم تقم بإحياء حفلة واحدة، وعندما تعاقدت على إحياء حفل ليالي التليفزيون لصالح التليفزيون المصري فوجئت بإنذار قضائي يطالبها بعدم الغناء في الحفل·والمطرب الصاعد “إساف” الذي قام بعمل احتكار لمدة خمس سنوات مع شركة طارق نور يشكو من أن الشركة ترفض أن يقوم بالغناء في أي حفل، وترفض الشركة أيضًا أن تقوم بعمل ألبوم غنائي له بعد أن ظهر في برنامج “ستار ميكر”، وكذلك المطرب المغربي عبده شريف والذي حقق نجاحًا مدويًا عن حضوره لأول مرة إلى القاهرة وغنائه على مسرح دار الأوبرا، ولكنه أختفي تمامًا عن الساحة وعاد مرة أخرى ليقدم حفلاً أكثر نجاحًا في الأوبرا أيضًا، ورغم الإعجاب الجماهيري الشديد به فإنه وحتى الآن لم يقدم ألبوماً واحداً غنائيًا له·وقصص الاحتكار لن تنتهي ودائما سيكون الصراع هم ضحايا صراع الكبار ·