المسلسل التلفزيوني الدرامي «أسمهان»
نجوى عبدالقادر :- هل نعتبر المسلسل الدرامي «أسمهان» ناجحاً بعد أن سلط الأضواء على جوانب مختلفة من حياة الفنانة العملاقة «أسمهان»؟..وأين يكمن التقصير إن كان هناك تقصير؟ - هل أهمل المخرج أحداثاً هامة في حياة هذه الشخصية المتميزة؟- هل استطاع هذا المسلسل أن يكشف كثيراً من الحقائق الغامضة في حياة أسمهان؟ومهما أثير حول المسلسل الدرامي «أسمهان» عن جوانب التقصير أو التركيز على بعض الحقائق .. إلا أن هذه الشخصية المرموقة «أسمهان» ظلت ولا زالت علماً من أعلام الفن.لقد سلط هذا المسلسل الضوء مكشفاً على بعض الجوانب المهمة في حياة أسمهان وخاصة فيما يتعلق بها كفنانة تمتلك طاقة إبداعية وصوتاً أميرياً متميزاً تفوق وتألق في فترة قصيرة وفي زمن صعب ليس من السهل أن يتفوق ويتألق فيه أحد منذ البدايات الأولى لسنوات عمره الفني.ولعل أهم ما تميز به المسلسل أنه تعرض لفترة مهمة من تاريخ مصر الفني وتطور الأغنية العربية ... وارتباطها بفن السينماء واشتراكها في تمثيل الأفلام الغنائية التي لاقت رواجاً وإقبالاً جماهيرياً وعربياً وشهد لها بالنجاح.أثار المسلسل التلفزيوني الدرامي «أسمهان» جدلاً واسعاً ونقاشاً مستفيضاً في كثير من القنوات الفضائية ولم يثره مسلسل آخر وانقسم الجدل والنقاش بين فئات معارضة لبعض مشاهد المسلسل الذي ركز على جوانب مختلفة من حياة الفنانة الكبيرة أسمهان، وفئات مؤيدة للعمل من حيث كونه عملاً فنياً كبيراً.لقد تأخرت كثيراً فكرة إنتاج هذا المسلسل الدرامي (أسمهان) وقتاً طويلاً ظل فيه الملايين من الناس في الشارع العربي - وخاصة عشاق الغناء والطرب - يسترجعون حكاية أسمهان الأميرة الجميلة الفاتنة ذات الصوت العذب الرقراق، وحتى يومنا هذا لا زالت أسمهان محفورة في ذاكرة الفن وفي ذاكرة الأوساط الفنية ولعقود طويلة من الزمن ظل الحديث عن أسمهان شغل الناس الشاغل، وخاصة بعد أن لقيت مصرعها وكانت النهاية المأساوية التي أنتهت إليها حياة أسمهان بعد أن بلغت شهرتها الآفاق في سنوات قليلة من عمرها.ونستطيع أن نقول بكل حق وصراحة إن موت أسمهان بقي لغزاً لم يستطع أحد أن يصل في تفسيره إلى حل .. أوبقي حدثاً مهماً وفاجعة كبرى لا يغفرها التاريخ ولا تموحها الذاكرة العربية..حقاً.. تميزت أسمهان بكل مواصفات الجمال والذكاء، وبأخلاق لايعرفها سوى المقربين إليها أو القريبين منها .. حيث كانت مثالاً للسمو والرفعة والنبل والشاهمة.. وهي أخلاق موروثة عن سلالة عربية دون شك.وتكمن أهمية أسمهان ليس في كونها الفنانة المطربة الناجحة أو الموهبة التي فرضت وجودها في مجتمع غير مجتمعها منافسة كبار المطربين وأساطين الغناء والطرب .. وآخذةً بعقول كبار الملحنين والموسيقيين في فترة ازدهار الأغنية العربية .. ولكن هناك جوانب مضيئة في حياة هذه الشخصية حيث كان لأسمهان دورها السياسي في رفض الانتداب الفرنسي على سوريا ولبنان، ورفض الوجود الاستعماري في الوطن العربي.ولا يستغرب ذلك في شخصية هذه الفنانة الكبيرة التي عرفت أسرتها (آل الأطرش) بانتفاضاتهم الشعبية المستمرة وثوراتهم المتلاحقة لطرد المستعمر الفرنسي من سوريا .. ولا ينكر أحد من المؤرخين لتاريخ الانتداب الفرنسي في سوريا ولبنان الدور البطولي الكبير للفلاحين الدروز بقيادة الزعيم سلطان الأطرش والذي حول انتفاضات الفلاحين الدروز إلى ثورة سورية عامة ضد النير الاستعماري الفرنسي عام 1925م.
وهزيمة الحملة الفرنسية التأديبية التي أرسلها المستعمرون الفرنسيون إلى جبل الدروز.. وكان هذا النصر رصيداً كبيراً يضاف إلى البطولات الرائعة التي حققها الدروز في ظل حكم زعمائهم من آل الأطرش.وبهذا الموروث السياسي والبطولي لا نستغرب أن تكون أسمهان شخصية بطولية تمتلك كل مقومات الزعامة والكبرياء والعظمة والشموخ.. وتنفي عنها كل الشائعات.ولا ننسى أن المسلسل الدرامي قد بذلت فيه جهود كبيرة أنصفت هذه الفنانة التي أمتلكت طاقة فنية إبداعية رغم عمرها القصير (1918 - 1944م) ولكن هل أمتلك المخرج وكتاب السيناريو الجرأة الكاملة في كشف السر الذي ظل الملايين ينتظرون معرفته على مدى سبعة عقود من الزمن من وراء مقتل أسمهان؟إن مثل هذا السؤال يجعلنا نعود بذاكرتنا إلى الفترة الزمنية الصعبة التي قتلت فيها أسمهان، وإلى المكان الذي قتلت فيه بعد مؤامرة مدبرة حيث الحكم الملكي في مصر آنذاك والمؤامرات والدسائس التي أحاطت بالقصر. وقد ساعد الوجود الاستعماري على نصب مثل هذه اللاعيب والفتن ناهيك عن الوشايات والمكائد التي قرأنا عنها كثيراً.
ولعل أصعب ما كان يحيط بالبلاد العربية أنذاك هو الوجود الاستعماري، وخوف فرنسا وبريطانيا من الزحف الألماني في زمن الحرب العالمية الثانية. وهي الفترة الزمنية التي قتلت فيها «أسمهان».ورغم ردود الفعل وحنق الأوساط الفنية والملايين من عشاق الفن في البلاد العربية إلا أن الصحافة المصرية آنذاك كانت قد أتخذت من مقتل أسمهان وسيلة للاصطياد في الماء العكر.لذا لم تنسى ذاكرة الأمة العربية - ولن تنسى - وهي تتطلع إلى تطور ونهوض الأغنية العربية الفنانة والموهبة الشابة «أسمهان»..وبقيت أسمهان حتى اليوم جرحاً عميقاً في ذاكرة الأجيال .. وحكاية مأساوية يتوارثها الأبناء عن الآباء .. وفاجعة لا يفغرها الزمن.لقد كان مصرع أسمهان انهزاماً للحق وانتصاراً للباطل، وكانت نهاية مأساوية بأعنف صورها وأبشع أهدافها.. وستبقى أسمهان «الصورة الجميلة والصوت الأجمل» رمزاً للبطولة والشموخ وعلامة مضيئة في تاريخ الفن والغناء والطرب الأصيل.
![](https://14october.com/uploads/content/0810/7SWPSQLW-RQ2UVI/fareed.jpg)
![](https://14october.com/uploads/content/0810/7SWPSQLW-RQ2UVI/momthleen.jpg)