منبر التراث
بجانب الكوخجلس عبد الله ابن الثامنة عاماً بجانب كوخه الصغير المتواضع ، ينتظر والده الذي خرج بقاربه عند بزوغ الفجر ، وفي المساء قبل أن يخرج وعده والده أنه سيشترى له ثوب جديد بمناسبة العيد ، طار محمد من الفرح ... حلق بجنيه الصغيرتين الرقيقين في سماء السعادة ... هرب النوم من عينيه ، تراءت أمام عينيه الثوب الجديد وهو يرتديه . وقد اعتمرت رأسه الصغيرة طاقية زاهية الألوان. أمواج بحر صيرة أيقظته أشعة الشمس الحارقة من نومه المخترقة نافذة الكوخ ، قام مسرعا إلى الخارج ، تناهت إلى مسامعه أصوات أمواج بحر صيرة، تلفت يمنة ويسرة لعله يرى والده أتيا من جهة البحر. في قاع البحرشعر الغلام الصغير بخوف لا يعرف مصدره ، تناهت إلى مسامعه همسات ثم علت تلك الهمسات فصارت أصوات واضحة ، تقول أن أحد قوارب الصيد الذي أبحر مع أول بزوغ الفجر ، قد أنقلب بفعل موجة هوجاء عاتية ، وغرق كل من فيها إلى قاع البحر, وما زال البحث جاريا عنهم . غرق الغلام في صمته ، أحس أن الأرض تميد به ، حدث نفسه الصغيرة " ــ لقد توفت أمي أثناء ولادتي ، ولا أعرف أحد في هذه الدنيا سوى والدي . لم يصدق عبد الله أن والده يمكن أن يتخلى عن وعده بشرائه ثوب جديد ، وطاقية جميلة . صارت الدقائق والساعات بالنسبة للغلام شهور وسنين طوال ، الحزن والأسى يأكلان قلبه ، نزت قطرات من عينيه ، كتم حسرته في صدره ، ولكنه مازال متشبث بالأمل بعودة والده ومعه هدية العيد. ومع مرور الوقت توارت هدية العيد من باله ، وكل الذي كان يشغله هو أن يرى والده فقط.نجمةلمح من بعيد نجمة وهي في نفس سنه ، تعدو إليه مهرولة ، وقد ارتسمت على وجها المضيء البريء السعادة والفرحة الكبيرين ، قائلة له : ــ لقد أشترى لي أبي ثوب جميل ، ومعه حذاء جديد . وأنت يا عبد الله ماذا أشترى لك والدك في العيد ؟. انطوى الغلام في صمته ، ظهرت على ملامح وجهه ابتسامة لا معنى لها ، فعندما لم تجد نجمة منه الجواب ، تركته وذهبت مع صديقتها تلعب وتلهو والفرحة لا تسعها . ومرت الأعيادوفي صباح أول أيام العيد ، خرج عبد الله من كوخه ، ينتظر قدوم والده , وقد ترامت إلى مسامعه تكبيرات أذان العيد . ومرت الأعياد وراء الأعياد وتعاقبت الأيام ، والشهور ، والسنون . وعبدالله ينتظر هدية العيد .