من الأدب الانجليزي
تأليف/ اوسكار وايلد - ترجمة/ طارق السقاف :كان هاجي ارسكن رجلاً أنيقاً، بل كان آنق رجل في لندن كلها، كان له شعر بني مجعد، وعينان رماديتان ووجه وسيم كما كان له العديد من الأصدقاء. لم يكن غنياً فقد كان والده ضابطاً متواضعاً في الجيش لم يترك له أي إرث، وقد توفي والده ولم يترك سوى سيف قديم وبعض الكتب، وقد عمل هاجي العديد من الأعمال منها عمله لحساب تاجر للشاي ،كما عمل لحساب تاجر النبيذ ولكنه لم يكن يستمر في عمله طويلاً.كان هاجي يعيش قصة حب وقد أراد الزواج، فقد أحب لورا ميرتون وهي أبنة لضابط في الجيش، وقد أحبته لورا كثيراً ولكن والدها لم يكن يرغب في هذا الزواج وكثيراً ما كان والدها الكولونيل ميرتون يقول له: إنك شاب خير وطيب ولكنك فقير، وأنا لا يمكنني تزويج أبنتي من شاب فقير، وتستطيع الزواج منها في حالة واحدة فقط حينما تمتلك عشرة آلاف باوند، كان هاجي حزيناً جداً فلم يمتلك هذا المبلغ المهول بل أن كل ما بحوزته كان باونداً واحداً لا غير. كان لهاجي صديق يدعى آلان تريفر وكان رساماً مبدعاً كما كان مشهوراً جداً، كانت لوحاته غالية الثمن ولم يكن أحد قادراً على دفع ثمنها سوى الأثرياء فقط، قرر هاجي زيارة صديقه آلان وكان الأخير مشغولاً بإحدى لوحاته فسأله آلان « ما رأيك بهذه اللوحة»؟ نظر هاجي صوب اللوحة وكانت لشحاذ عجوز يقف على ناصية الاستديو الذي يعمل به آلان، كان الشحاذ ـ أو هكذا كان يبدو ـ يرتدي ثياباً قديمة رثة وممزقة وكان وجهه يكتسي بملامح الحزن، كان ماداً إحدى يديه وبها قبعة وبالأخرى كان يتكئ على عكاز. فقال آلان «إن لوحتي متميزة، هل رأيت لوحة أكثر تعبيراً من هذه من قبل؟» فقال هاجي بألم « يا له من عجوز مسكين، يبدو حزيناً جداً» فأجاب صديقه «بالطبع، فلا يمكنني رسم شحاذ وهو في قمة السعادة» سأله هاجي «كم تدفع للنموذج ـ الشخص الواقف ـ عندما تقوم برسمه وهو يقف داخل الاستديو؟» ليس كثيراً، فقط شيلنج واحد في الساعة»، سأله هاجي ثانية «وبكم تبيع اللوحة؟» أجاب آلان «سأبيع هذه اللوحة بألفي باوند» رد عليه هاجي «إنك تكسب كثيراً من لوحاتك هذه، أظن أن هذا النموذج ـ الشخص الفقير الواقف الذي تقوم برسمه ـ يستحق جزءاً من هذا المبلغ، رد عليه آلان «هراء، هراء، إن من الصعوبة بمكان أن تكون رساماً بارعاً، ولكن من السهولة أن تكون شحاذاً فقيراً، اعتقد أنكم الرسامين قساة وغير ذي رحمة» ضحك آلان وقال «أنني مشغول الآن، أجلس وتوقف عن الكلام» بعدها حضر الخادم قائلاً لسيده « هناك سيد ينتظر في الخارج، ويريد منك أن ترسم له صورة، هل يمكنك أن تتكلم معه يا سيدي؟» التقت آلان صوب هاجي قال له «لاتذهب .. سأعود حالاً» غادر الآن الغرفة، في هذه اللحظة جلس الموديل الفقير الذي كان يرسمه آلان على كرسي كي يستريح وكان لايزال ممسكاً بقبعته بدا العجوز حزيناً وشعر هاجي بالأسف تجاهه، وقرر إعطاءه الباوند الوحيد الذي كان يملكه وقال لنفسه «إنه بحاجة للنقود أكثر مني»، مشى هاجي باتجاه العجوز ووضع الباوند في قبعته الممدودة. إندهش العجوز كثيراً ونظر صوب النقود وبعدها بدت ابتسامة واضحة ترتسم على وجهه وقال لهاجي « شكراً، يا سيدي شكراً جزيلاً لك» بعد أن أتى آلان غادره هاجي فقد أراد رؤية حبيبته لورا وقد اخبرها بقصة الشحاذ الفقير المؤلمة، عندها قالت لورا» معنى ذلك أنك أعطيت الشحاذ الباوند الأخير الذي كان بحوزتك، اتعلم يا هاجي بالرغم من غبائك فأنا أحبك كثيراً لأنك شخص رحيم» في تلك الليلة التقى هاجي بصديقه آلآن في نادي وكان آلان يبدو سعيداً جداً وقال «لقد أنهيت رسمي للشحاذ، وكان ذلك الشحاذ سعيداً جداً بك، وقد سألني كثير من الأسئلة عنك «قال هاجي « ياله من عجوز مسكين، كما تمنيت لو أستطيع مساعدته، ماذا سألك عني؟ قال آلان «أراد معرفة كل شي عنك «سأله هاجي» وماذا أخبرته؟» رد آلان «اخبرته عنك كل شيء تقريباً وعلى الأخص مشكلتك من الزواج من لورا»، هنا تكلم هاجي بغضب قائلاً «آلان! لقد اخبرته بتفاصيل أموري الشخصية» رد عليه آلان «لاتغضب يا عزيزي، أنك لاتعرف حقيقة الشخصية التي كانت أقوم برسمها في لوحتي، إنه البارون فون هاسبرج، إنه واحد من أغنى أغنياء أوروبا، وقد قرر ارتداء ثياب الشحاذين لأقوم برسمه « هنا شهق هاجي قائلاً « البارون فوم هاسبرج، اتقصد بأن ذلك الشحاذ الفقير الواقف على ناصية الاستديو لتقوم برسمه هو نفسه البارون فون هاسبرج «قال آلان «نعم» قال هاجي «ولكنني أعطيته باونداً واحداً، يالي من غبي» هنا ضحك آلان قائلاً «اعطيته باونداً!!!؟؟ إن هذا يضحكني كثيراً»، لم يستطع آلان أن يتمالك نفسه من الضحك في حين قرر هاجي العودة إلى منزله وهو يشعر بالحرج كثيراً، لقد أعطى باونداً واحداً وهو كل ما يملك لمليونير، وسيسمع والد لورا بالقصة هذه وسيرفض تزويج أبنته من غبي؟ كل هذه الافكار دارت برأسه في صباح اليوم التالي أتى زائر إلى منزل هاجي، لم يكن هاجي يعرفه فقال هاجي ـ «هل من خدمة؟»«أنني رسول البارون فون هاسبرج إليك»البارون فون هاسبرج!!!! لم أكن أعرفه عندما التقيته البارحة، أريد التعبير عن عميق أسفي فقد كنت سخيفاً معه عندما أعطيته الباوند الذي كان بحوزتي»هنا ابتسم الزائر لهاجي وقال «لم تكن سخيفاً مع البارون، لقد طلب مني البارون إعطاءك هذه:، قدم لهاجي ظرفاً، شكره هاجي ونظر باتجاه الظرف وكان مكتوباً عليه هذه الكلمات «هدية حفلة الزفاف للسيد هاجي راسكن ولورا ميرتون من الشحاذ العجوز» وكان بداخله شيكاً بمبلغ عشرة آلاف باوند مكتوباًعليه «يصرف لحامله».تمت بحمد الله