اعداد /داليا .. تحتفل العواصم الثقافية العربية في اكتوبر من كل بذكرى وفاة الأديب طه حسين وكان الاحتفال القاهرة دلالة خاصة فذكرى طه حسين تصادف هذه لمرة ذكرى حرب أكتوبر ومرتبطة بموجهة القاهرة لحملات الاظلام التي تحاول القضاء على التراث التنويري الذي اسهم فيه طه حسين بما جعلة رمرأ للتنوير وشعاراً له ومن الطبيعي ان تغطي ذكرى طه حسين على كل ماعداها في هذا السياق ، ولذلك انقضى شهر أكتوبر دون ان تذكر القاهرة ذكرى أمير الشعراء احمد شوقي ( 1869 - 1932 ) الذي توفي في الساعة الثانية في ليلة الرابع عشر من أكتوبر عام 1932م . والواقع ان ذكرى احمد شوقي ليست بعيدة عن ذكرى طه حسين .. ولا يرجع الامر إلى ان كلا العلمين قد توفي في شهر أكتوبر او إلى انهما كانا من مدرسة فكرية واحدة .. فالمسافة بعيده بين نظرة احمد شوقي الاحيائية إلى الحياة ونظرة طه حسين الليبرالية ، والمسافة بعيدة كذلك بين المؤثرات الفرنسية التي خضع لها شوقي حين ذهب إلى باريس قبل نهاية القرن التاسع عشر والتي خضع لها طه حسين حين ذهب إلى فرنسا منتصف العقد الثاني من القرن العشرين والمسافة ابعد بين نشأة احمد شوقي الذي ولد في بلاط الخديو اسماعيل .. وكان يصف نفسه بأنه : ونشأة طه حسين الذي تربى تحت ظلال شجرة البوس مع المفذبين في الارض واودى الجهل المصاحب للفقر بنعمة بصره وظل شبيهاً بأبي العلاء المعري الذي كان يحبه ويتحد معه عاطفياً إلى الدرجة التي جعلته يستهل حياته العلمية بأن يصدر عنه كتابه ( تجديد ذكرى أبي العلاء ) الذي نال به أول درجة الدكتوراة من الجامعة المصرية 1914م واذا كان ابو العلاء هو الشاعر الاثير لدى طه حسين بترعاته الزهدية الروحية فالشاعر الاثير لاحمد شوقي كان الحسن بن هاني وأقرانه من الشعراء المقبلين على الحياة المستمتعين بها .. ولكن هذا البعد بين شوقي وطه حسين فقد كانت بين الاثنين مودة خاصة .. فترد على الذهن ذكراهما معاً وذلك من الزاوية التي كانت تعطف الناقد على الشاعر الذي يتناولة بالنقد ويختلف معه ويرفض أتجاهه الابداعي العام ولكن دون ان يصل به الامر إلى حد العداء او حد الهجوم العنيف الذي لاهوادة فيه على نحو مافعل عباس محمود العقاد الذي وضع احمد شوقي على ( سفّود ) النقد في اكثر من عمل خصوصاً كتابه الديوان الذي اصدره بالاشتراك مع صديقة ابراهيم عبدالقادر المازني لهدم اعلام المدرسة الاحيائية وعلى رأسهم احمد شوقي الشاعر الذي اختص العقاد بالهجوم عليه والمنفلوطي الثائر الذي اختص ابراهيم عبدالقادر المازني بالكشفة عن تقليديته . وطه حسين يتفق مع عباس العقاد في النظرية العامة للشعر في النهاية .. فكلاهما يؤمن بأن الشعر تعبير عن وجدان صاحبه وأن القصيدة هي وجدان الشاعر المتفرد منظوماً وان الصورة الموحية المبتكرة هي جوهر الشاعرية وان النغمة الايقاعية المهموسة هي النغمة الشعرية وان الشعر هو صوت الفرد المبدع المتفرد الذي يتوجه إلى قارئ فرد من هنا لم يقنع كلاهما بالخصائص الكلاسيكية التي انطوى عليها شعر احمد شوقي والتي كانت تتباعد عن النموذج الرومانسي للشاعر ، وذلك النموذج الذي جمع الاعجاب به بين طه حسين والعقاد .. ومع ذلك فأن نقد طه حسين لاحمد شوقي لم يشبه نقد العقاد في القسوة والحدة والعنف والرلحاح فلقد كان هادئاً متسامحالا يخلو من السخرية احياناً ولكنه ويبقى في كتابته على المسافة التي تبقى على إمكان الحوار ولذلك اختلفت علاقتة بأحمد شوقي عن علاقة العقاد وظلت علاقة تنطوي على التقدير والاحترام والمحبة رغم اختلاف اتجاهات الذوق وتباعد المثل العليا الابداعية واحسب ان هذه العلاقة بين طه حسين الناقد وشوقي الشاعر هي التي ينبغى أن ، تكون نموذجاً للناقد الذي يحب أن يظلل نقده روح التسامح الذي لاينفي الاحتلاف وانما يقيمة على قاعدة تسمح دائماً بالحوار . وقد جمع طه حسين نقده لاحمد شوقي ونقده لقرينه وحنوه حافظ ابراهيم في كتابة الذي صدر بعنوان ( حافظ وشوقي ) في مارس 1933م بعد اشهر قليلة من وفاة الشاعرين وقد أستهله بدراسة بعنوان ( الادب الجديد ) يلخص فيها مسيرة الادب العربي منذ مطلح النهضة إلى وقته .. ويعرض للدور التأسيسي الذي قام به محمود سامي البارودي بوصفه رائد الاحياء الذي سار في أثره احمد شوقي وحافظ ابراهيم وصحبهم الذين واصلوا مسيرة الاحياء .. ولكن طه حسين يلاحظ في هذه الدراسة ان تجديد ( النثر ) كان أسبق في تجديد الشعر .. وان النثر انفتح على أفق من التطور والتغير والاتساع ومواكبة الحياة الجديدة والافادة من منجزات العصر وتجسيد قيمة على نحو لم يستطع الشعر أن يؤدية .. واذ يربط طه حسين هذه الظاهرة بتحرر النثر من التقاليد الراسخة التي كبلت حركة الشعر فإنه يضيف إلى سطوة هذه التقاليد مالاخطة من كسل الشعراء في تثعيف انفسهم بمعارف العصر من حولهم واستفراقهم في التراث إلى الدرجة التي تكاد تنسهيم وجودهم المعاصر وعدم تطلعهم إلى افق معرفي مغاير .. ويجمل طه حسين نطرته هذه في رده على صديقة محمد حسين هيكل الذي دخل معه في حوار حول ظاهرة تطور النثر وجمود الشعر فيقول إن شعراءنا جامدون في شعرهم لانهم مرضى بشيء من الكسل العقلي بعيد الاثر في حياتهم الادبية فهم يزدرون العلم والعلماء ولايكبرون الا انفسهم ولايحفلون الا بها .. وهم لذلك اشد الناس انصرافاً عن القراءة والبحث والتفكير .. وكيف يقرأون او يبحثون او يفكرون وهم اصحاب خيال ومن شأن الخيال ان يصعد في السماء بجناحيه من غير تفكير ولابحث ؟ فأما البحث والتفكير فشأن العقل والعقل عدو الخيال وهو عدو الشعر والعقل ميزة الفلاسفة وميزة العلماء والشعراء أجل وأعلى أن يكونوا فلاسفة واعلماء انما هم شعراء . ومن اليسير أن نلاخط في حديث طه حسين عن كسل مدرسة احمد شوقي وحافظ ابراهيم نوعاً من السخرية المبطنة التي ترجع إلى الاقتصار على الثقافة الشعرية القديمة واذا كان طه حسين يعيب على الشعراء انهم لم يطلعوا على الفلاسفة ويخوضوا في غمار الفكر فإن ذلك يرجع رلى أمرين : او لهما اعجاب طه حسين العام بالشاعر المفكر الذي يشعر بما يفكر بما يشعر به وثانيهما اعجابه الخاص بأبي العلاء المصري شاعره الأثير.. وقد رد طه حسين في أكثر من موضع عبقرية المصري وقدرته الفائقة على التفكير الشعري او الفكر الشعوري وهي مقدرة لم يراها طه حسين في احمد شوقي الذي كان ينتظر منه ذلك على وجه الخصوص .. والمؤكد أنه كان يتوقع في احمد شوقي مالم يتوقعه في حافظ ابراهيم وذلك لثقافة شوقي العربية واطلاعة الباكر على الأداب الفرنسية ومكانته الاجتماعية التي أتاحت له من السفر والتجارب مالم تتحه المكانه الاجتماعية المتواضعة لحافظ ابراهيم ولذلك نلاحظ تركز النقد في كتاب حافظ وشوقي على احمد شوقي على وجه الخصوص يبدو ذلك في اعتراض طه حسين على المقدمة التي كتبها صديقة هيكل للطبعة الثانية من ( الشوقيات ) حيث يذهب إلى أن أخطر عيوب شوقي الشعرية هي ان شعره لايبين عن شخصيته ولايشف عن وجدانه .. ويبدو الاتجاه نفسه في حديثه طه حسين عن المثل الأعلى وعن الذوق الأدبي .. وفي نقده التطبيقي التفصيلي لقصيدة احمد شوقي : [c1]قضي يأ أخت يوشع خبرينا أحاديث القرون الغابرينا [/c]وفي الموازنة الأخيرة التي إقامتها طه حسين بين حافظ ابراهيم واحمد شوقي وجعلها ختاماً لكتابة واذا كانت تقليدية شوقي الاحيائية هي مصدر الضعف الشعري ومن ثم غلبة النظم لا الشعر في ديوان الشوقيات فأن هذه العلة تتأكد بنقيضها الذي يكشف عن المثل الأعلى للشعر الجيد .. ويعقد طه حسين المشابهة الشهيرة في هذا المجال بين الشعر والمرأة فالشعر الجيد عنده يمتاز قبل كل شيء بأنه مرأة لما في نفس الشاعر في عاطفة .. مرأة تمثل هذه العاطفة تمثيلاً فطرياً بريئاً من في التكلف والمحاولة فإذا خلت نفس الشاعر في عاطفة اوعجزت هذه العاطفة عن تنطق لسان الشاعر بما يمثلها فليس هناك شعر وانما هناك نظم لاغناء فيه .. وقد نطر طه حسين في مرآة شوقي فلم يجد فيها في شوقى الا القليل .. وحد اصداء الماضي تتردد طاغية على نحو كان يفمر اللاوعي الشعري عند شوقي بالقوالب والتراكيب القديمة .. ويبدو ان للوزن الشعري دوراً مهماً في عملية التداعي التي يستدعي بها البحر العروضي ونفماته من ذاكرة الشاعر كل مايجانسه بجامع التشابه الصوتي وذلك ماحدث بالفعل بقصدة احمد شوقي التي كتبها بمناسبة انتصار أتاتورك والتي مطلعها : [c1]الله أكبر كم في الفتح من عجب ياخالد الترك جدد خالد العرب فهذا المطلع نفسه ليس سوى ترجيع لمطلع أخر من الوزن نفسه والقافية نفسها في قصيدة أبن النبيه الشاعر المصري التي تبدأ بهذا .. البيت : الله أكبر ليس الحسن في العربي كم تحت لمة ذا التركي من عجب [/c]ويبدو واضحاً أن الوزن المتحد والقافية وتكرار النغمة وتكرار كلمة التركي وما صاحبها قد قادت إلى ان بيت شوقي الذي كتبه في موضوع جديد قد اصبح تقليداً لشعر قديم .. ولكن طه حسين يكشف عن مزلق تقليدية احمد شوقي من منظور آخر حين يتحدث عن شعراء الغرب بوصفهم النموذج الذي يضرب به المثل لشوقي واقرانه كي يتحروا في التقاليد ويصلوا الشعر بالفكر ويحدقوا بأبصارهم في الطبيعة في حولهم .. ويتأملوا بشعر الفكر دلالات الكون في حولهم ويتوقف طه حسين بوجه خاص عند بودلير ليدرس من خلال شعره علاقة الحرية بالفن وهو الموضوع الأثير جداً لدى طه حسين .. وخلاصة رأية أنه لا فن دون حرية وأن إبداع بودلير المتميز إنما يرتبط بقدرته على تحطيم الاعراف التي كبلت غيره وتدمير القيود التي عاقت إبداع سواه واذا كان الذوق العام قد ثار على بودلير ورفض شعره عندما اصدر ديوانه الشهير ( ازهار الشر ) فإن ثمرة هذا الديوان كانت إبداعاً خالصاً ظل يردد اسم صاحبه عبر السنوات والعقود .. وذلك ماكان يريده طه حسين من احمد شوقي ان يتمرد على قيودة وان يتحرر في سطوة المكانة الاجتماعية التي قيدته إلى قصر الحذيو وفي سطوة التقاليد التي جعلته لايكاد يفارق التقاليد وفي سطوة الادبي لايغادر قواعد اللياقة . إن الابداع حرية والنقد كذلك إبداع حر عند طه حسين ولذلك يقول في نقده لشوقي واضر ابه إنه يصر على حريته حين ينقد قصائدهم فقد تعود هذه الحرية .. وحرص عليها واكبرها عن أن يضحي بها في سبيل إنسان مهماً تكون منزلته في الناس وبهذه الحرية كتب طه حسين ماكتب عن احمد شوقي .. وانتهى إلى أن شعره لايحقق المثل الأعلى الذي يؤمن به - واذا كان لم يجد صورة شخصية في شعره حين تباعد هذا الشعر عن ذات صاحبه وطفت عليه النقلية والخطابة والفيرية فإنه لم يجد البعد الذاتي في وصف شوقي الشهير للطبيعة وذلك لأن شوقي لم يقف إزاء الطبيعة ليعكس عبر مرآتها مشاعرة او يتأملها التأمل الشعري الذي تميزت به المدرسة الرومانسية وانما توقف شوقي عند الطبيعة ليحصيها في تشبيهاته فتحدث عن ( البسفور ) كأنه يراه وكان شعاره في الحديث عن الطبيعة : [c1]تلك الطبيعة قف بنا ياساري حتى أريك بديع صنع الباري [/c] وأحسب ان تلك هي نقطة الضعف الوحيدة في نقد طه حسين لاحمد شوقي .. أعني أنه حاول أن يسقط على شعر شوقي مفهومة الخاص للشعر ولم يتوقف الوقعة المطلوبة لتبين مفهوم شوقي المغاير فضلاً عما يمكن ان تنطوي عليه الكلاسيكية الاحيائية في قيم شعرية خاصة .. ولو فعل طه حسين ذلك لأكتشف أن لشعر أحمد شوقي رؤية مغايرة للعالم رؤية قد لاتكون رؤيتنا الخاصة وقيمها المتميزة والبعد الاخلاقي قرين البعد الروحي في هذه الرؤية .. كلا هما يتحول إلى وعي بدائرية الحركة في الكون ووعي بمصير الإنسان العابر وإدراك للحياة من حيث هي دورة في الصعود والهبوط وما أكثر القيم اللافتة لتي ينطوي عليها شعر شوقي لو نظرنا اليه من هذا المنظور .. لكن اذا حاسبناه من منطلق رومانسي بحث ومن زاوية تقصر من قيمة الشعر إبانته عن شخصية صاحبه فإن جوانب كثيرة من شاعرية شوقي تنفلق أمامنا ولاتبرز لنا وهذا هو ماحدث مع نقد طه حسين لاحمد شوقي الذي استطاع ان ينفذ إلى جانب من شعر شوقي .. وهو الجانب التقليدي ولكنه لم يجاوز هذا الجانب السلبي إلى الكثير غيره من الجوانب الريجابية واذا كانت هذه النتيجة تعلم النقاد الا تكون نظرتهم النقدية نرجسية خالصة بالمعنى الذي يعجبون به الا بالشعر الذي هو صورة من ذوقهم فإنها تفيدنا معرفة بنفذ طه حسين من حيث تمثله للنموذج الجمالي لنفسه الذي تمثله العقاد في نقد شوقي ولكن يظل الخلاف بين الناقدين لافتاً في التعامل النقدي مع الشاعر احمد شوقي فقد ظل طه حسين محافظاً على نبرته الهادئة وحواريته التي كانت أكثر تسامحاً من جدلية العقاد .
|
ثقافة
طه حسين ينتقد أحمد شوقي
أخبار متعلقة