منذ سنين وصالح ذو السادسة والعشرين من العمر يحلم بوظيفة في احد المرافق الحكومية، واللافت ان يحصر هذا الشاب حلمه على ذلك ويبقى اسيرا لهذا الامل دون اعمال عقله للتفكير في مشروع خاص مهما كان صغيرا لانتشال نفسه من براثن تاجيل الاحلام التي طمح بها وهو على مقاعد الدراسة.صنعاء / سبأ / تحقيق: عبد السلام الدعيسامثال صالح في اليمن كثيرون ممن يسعون على الحصول على وظيفة حكومية حتى لو كان راتبها اقل بكثير من راتب القطاع الخاص او ما قد يستطيع تحقيقه من خلال مشروع خاصا به، خصوصا ان الحكومة عملت على توفير مؤسسات لتمويل مثل هذه المشروعات.ويبرر الشباب لهثهم وراء الوظيفة الحكومية باسباب مختلفة وان كانت واهية في مجملها، فالبعض يريدها للتامين على حياته بعد التقاعد، واخرون لان راتبها مضمون كل اخر شهر متسلحين بشعار" شبر مع الدولة ولا ذراع مع القبيلي" والذي يكرس مبدا الجمود والرتابة واغفال الابتكار والابداع.اما عادل (25 عام) فيخشى من العمل مع القطاع الخاص بسبب الخوف من الاستغناء عنه دون اي تامين او تعويض حسب رايه، كما انه لا يريد ان يغامر في اقتراض مبلغ لعمل مشروع خاص خوفا من الفشل.ويصف اكاديميون تكريس الشباب لعقلية الاعتماد على الدولة في الوظائف بانها قتل لروح الابداع والمبادرة الفردية التي يعتبرون روادها، واعتبروا ان دور الدولة ـ في ظل زيادة حجم القوى العاملة من 2.6 مليون نسمة عام 1990م الى 4.9 مليون نسمة بمعدل نمو يبلغ 4.35 بالمائة وهو معدل كبير جدا ـ هو تشجيع القطاع الخاص وجذب الاستثمارات والتوسع في برامج القروض لانشاء المشاريع الصغيرة.وقدر الاخ وزير الشئون الاجتماعية والعمل عبد الكريم الارحبي في كلمته امام المؤتمر الاقليمي لزيادة فرص العمل وتطوير المهارات الذي انعقد في القاهرة في ديسمبر الماضي، اجمالي القوى العاملة في اليمن عام 2005م بنحو 5 ملايين و116الف عامل، وتوقع أن يصل العدد بنهاية العام الحالي 2006م الى 5 ملايين و310 الف عامل وبنسبة نمو تصل الى 8 ر3 بالمئه، كما توقع ارتفاع حجم البطالة من 11.5 بالمئة عام 2003 ـ بحسب تقديرات الجهاز المركزي للاحصاء ـ إلى 17 بالمئه بنهاية العام الجاري.واشار الى ان اليمن تحتاج الى توفير مالا يقل عن 188 الف وظيفة جديدة كل عام لمواجهة النمو في القوى العاملة والبالغ 4 بالمائه تقريبا، كما تحتاج اليمن الى توفير 22 الف وظيفة بصورة مستعجلة لخفض مخزون البطالة الحالي .وبين تداخل مشكلات الشباب وهمومهم على شاطئ من الاحباط والالم، وما بين احلام لم تعرف طريقها للضوء ، واخرى تعثرت في سراديب اليأس والمعاناة، ظهرت مساحات واسعة من الامل "على النقيض من الفئة الاتكالية".. شبابا فاعلين يحملون طموحات خططوا لها وبادروا بها من الصفر - كما يقولون- ليصبحوا من ذوي المشاريع الصغيرة الناجحة متسلحين بارادة النجاح والرغبة في تحقيق احلامهم، ورغم بساطة المشاريع التي بداوا بها الا انها اخرجتهم من نفق البطالة المظلم ومرارة الانتظار لحلم الوظيفة الحكومية الذي قد لا يتحقق.وعملت الحكومة منذ سنوات على محاولة تخفيف الاعتماد عليها في الوظائف، وايجاد وسائل بديلة لاستيعاب المعروض المتزايد من القوى العاملة من خلال تشجيع الاستثمارات وتمويل برنامج تنمية المنشات الصغيرة والاصغر التابع للصندوق الاجتماعي للتنمية للمساهمة في خلق فرص عمل متزايدة وامتصاص البطالة التي بلغت 469 الف عاطل منهم 306 الف من الشباب في الفئة العمرية 15- 29 عاما بنسبة 65.4 بالمائة حسب احصائيات مسح القوى العاملة لعام 1999م.ومنح برنامج تنمية المنشات الصغيرة والاصغر قروضا كثيرة عبر12 برنامجا تابعا له استفاد منها الكثير من الشباب ومنهم صالح الحالم بوظيفة الدولة الذي حصل على قبسيط مكنه من عمل بقالة متواضعة توسعت بمرور الايام ليصبح من اصحاب الدخل المتوسط.وزاد عدد المستفيدين من هذا البرنامج من 475 مقترض عام 1997م الى 23 الف و737 مقترض ومقترضة نشطين حتى نهاية يونيو 2005م، وعدد القروض الممنوحة اكثر من 76 الف و 543 قرضا بمبلغ يزيد عن 2 مليار و400 مليون ريال علاوة على قروض صندوق الصناعات والمنشات الصغيرة.ويتوقع الاخ عبد الكريم الارحبي وزير الشئون الاجتماعية والعمل المدير التنفيذي للصندوق الاجتماعي للتنمية ارتفاع عدد المقترضين ما بين 200 الى 300 الف مقترض خلال عامي 2006 و 2007م، مشيرا الى ان معدل الاسترداد ببرامج الاقراض التي اسسها الصندوق وبنى قدراتها يتراوح بين 98 و100 بالمائة بحيث اصبحت تتقدم بخطى ثابتة وقادرة على تغطية نفقاتها الجارية.وتقدر الدراسات عدد المنشات الصغيرة والاصغر في اليمن باكثر من 310 الف منشاة توظف ما يقارب من 500 الف شخص ، منها 72 بالمائة منشات فردية.ويعد هذا القطاع من القطاعات النامية في اليمن حيث ان 72 بالمائة من هذه المنشات بدات عام 1997م، الا انه اثبت نجاحا منقطع النظير .وارتفع عدد البرامج التي تقدم خدمات التمويل الاصغر من 9 برامج عام 1999م الى 12 برنامج حتى منتصف عام 2005م ، وتبلغ استثمارات برنامج تنمية المنشات الصغيرة والاصغر 8 ملايين دولار حتى نهاية عام 2004م.وتكمن المشكلة في المنشات الصغيرة كما يؤكد اصحاب هذه المشاريع في تقليد المشاريع الناجحة بدلا من التفكير في مشاريع جديدة ومبدعة في قطاعات اخرى وهو ما جعل هذه المشاريع تتركز في تسعة قطاعات استثمارية فقط من بين 820 قطاعا كما يقول الاخ وسام عبد الله العريقي المدير التنفيذي لوكالة تنمية المنشات الصغيرة والاصغر.عدد من المهتمين, طالبوا الدولة بوضع حد لاستمرار عزوف البنوك والمؤسسات الاخرى عن تمويل مثل هذه المشروعات لتفعيل هذا القطاع وخلق فرص عمل واسعة امام الشباب العاطل الذي يمثل قنبلة موقوتة. فخامة الاخ الرئيس علي عبد الله صالح رئيس الجمهورية وجه منذ فترة بصرف اراضي زراعية للخريجين ممن لم يحصلوا على وظائف, للاستفادة منها وتنميتها زراعيا، ومع انه لم ينفذ حتى الان، إلا ان المهندس عبد الملك العرشي وكيل وزارة الزراعة والري يؤكد ان المشروع قائم ويحتاج الى وقفة جادة - بحسب قوله ، مشيرا الى ان العمل جاري لا يجاد تمويل لتنفيذ هذا المشروع.ودعا اكاديميون الى ضرورة توعية شباب الجامعات الذين يؤمنون ان الوظيفة الحكومية هي الهدف المنشود الذي يسعون اليه، منوهين الى ان النجاح في ذلك يرتبط بزرع روح المبادرة والابداع والتجديد في صفوف جيل الشباب فالنجاح في زرع هذه الروح كما يقولون استثمار لا يخيب ويكون ذلك بالتاهيل الجيد في البيت والمدرسة والجامعة.واستشهد الاكاديميون بقول احد الحكماء" عندما يوصد في وجهنا احد ابواب السعادة تتفتح لنا العديد من الابواب الاخرى، لكن مشكلتنا اننا نضيع وقتنا ونحن ننظر بحسرة الى الباب المغلق ولا نلتفت لما فتح لنا من ابواب".وطالبوا بتعليم الشباب كيفية عمل مشروعات صغيرة وتدريبهم على الفنون والمهن اليدوية باقل الامكانات وبراس مال بسيط وتوفير جهة مختصة تقوم بشراء انتاج هؤلاء الشباب وتسويقه.ويعول المراقبون على استراتيجية الطفولة والشباب التي ستدشن هذا الشهر تاسيس بنية اساسية لحل مشكلات الشباب واهمها البطالة ، من خلال ايجاد بدائل فاعلة لحل الاشكالات التي تعترض مسيرة هذه الشريحة الفاعلة والتي تشكل قطاعا حيويا حيث تبلغ نسبتهم 76 بالمائة من اجمالي السكان البالغ 19 مليون و 721 الف و643 نسمة اي ما يزيد عن 14 مليون طفل وشاب بحسب المؤشرات الاولية للتعداد العام للسكان والمساكن عام 2004م.
الشباب اليمني يخشى المغامرة ويفضل وظيفة الدولة..
أخبار متعلقة