كمال محمود عليعن مركز عبادي للدراسات والنشر أصدر القاص ياسر عبد الباقي أول رواية له واختار لها اسماً غريباً هو زهافار والاسم في حقيقته عبرياً، وأصر القاص على إخفاء معناه حتى آخر سطور روايته.“توقفت” إلتفتت إلي وفي وجهها إبتسامة أخيرة .تقدمت منها خطوات قليلة ،تابعت قائلاً لها :- ما معنى اسمك؟! الإبتسامة الأخيرة زادتها رقة ، لعل الجنين أيضاً ابتسم .قالت لي وهي تشق طريقها بين المسافرين .- ابحث .. وستعرف.ثم تتلاشى في الزحام .وهكذا ترى عزيزي القارئ أنه يتوجب عليك الدخول إلى الرواية من باب لا تملك مفتاحه ،وبين البداية المغلقة والنهاية المغلقة أيضاً تدور أحداث الرواية .ولعل القاص قد تعمد ذلك ليصبحغالرواية بشيء من الغموض الذي يكشف عتمته قليل من الضوء الذي يلقيه ياسر بين الحين والآخر .فها هو ذا يتحدث عن حرب نشبت بين الإخوة الأعداء وكان محبذاً أيامها ، فخاض غمارها ولا ناقة له فيها ولا جمل .ثم هو يترك أسرته ويغادر إلى العاصمة ،ولا يذكر إسم العاصمة أيضاً ، ويلتقي في فندق ما بفتاته ، وهكذا تدور أحداث الرواية دون تحديد لزمنٍ معين أو لبلدٍ معين أو مكانٍ ما . ولأن ياسر عبد الباقي من عدن تحديداً ومن اليمنً عموماً فإن الذهن يتجه عند تحليل روايته إلى أحداث حرب 94م وإلى العاصمة صنعاء ، ولا سيما وان ياسر قد ذكر في حوار مع فتاته ما يومي إلى ذلك:فتحت علبتها ،ورشفت منها قليلاً ، وسألتني فجأة :أنت جنوبي؟بمراة الجنوبي- آه .تكررت كلمة الجنوبي مرتين بعد ذلك ، ولكن أحسب أن ياسراً أراد لروايته أن لا تكون مقيدة بتفكير كهذا ، وأراد أن تكون ذات بعدً إنساني الأمر الذي فات د.عادل الشجاع في تناوله للرواية في عدد الخميس الفارط من صحيفة الثقافية ، ، فالجنوبي كلمة عامة يتم تداولها في أقطار شيء.لم أشأ أن أدخل الرواية من باب مغلق كما أراد لنا الراوي فرحت أبحث عن معنى زهافار ليقيني أن العنوان في كثير من الأحايين يحمل مفتاح العمل ، وأتضح لي أن معنى اللفظ هو “الماضي” ، وها أنت ترى أن الرواية بدأت بالراوي وهو يحزم أمتعته في حقيبة صغيره في رحلة للأمام ، وفتاته زهافار “الماضي” في نهاية الرواية مسافرة بحقيبة واحدة وجنين لم يكتمل، لكنها كانت متجهة في رحلة العودة إلى الوراء . أزمنة ثلاثة تلاقت ، الحاضر المتقدم ، والماضي العائد للخلف والمستقبل الآتي.إلتقى الحاضر بالماضي ونمت بينهما علاقة حب أبنتت ذاك المستقبل المنتظر.وأحب أن أؤكد هنا أن ما جاء في مقال د.عادل الشجاع كان صحيحاً فيما أورده عن تأكيد القاص على مسار الحب في روايته . إذ في خضم الأحداث التي تفضي كل واحدةٍ منها إلى الأخرى، والتي تظهر تعقد المسائل، وإضطراب العلاقات بين الناس ، وما تفضي إليه من أحقادٍ وضغائن.وما يصاحبها من جشعٍ ونهب وسرقة . لا حل يبدو مناسباً في نظر الراوي إلا أن نحب ، بالحب إذن هو البلسم الشافي لكل ما نعانيه ، فالحب تزوج أبو الفتاة اليهودية زهافار وهو المسلم بأمها اليهودية ، وبالحب أسلمت تلكم الأم . وبالحب إرتضت زهافار أن تقيم علاقة جسدية مع بطل الرواية ، وأن تحمل منه أيضاً بل وتسعد لذلك- أعرف ما تريد أن تقوله .. أؤكد لك لا أرى هذا الطفل جاء عن طريق الخطيئة ، جاء عن طريق الحب الصادق .إنها دعوة صريحة .. لا حل ينتظرنا إلا بالحب.لا أملك أن أقول في الختام إلا أن الرواية قد إستأثرت بإعجابي وأنها بلغتها العذبة ، وحواراتها التي شغلت حيزاً كبيراً منها قد إستطاعت أن توصل ما أعتقد أن القاص قد أراد قوله ، ولعله من صور الإتقان التي حاول القاص أن تطرز روايته أنه أدار قليلاً من هذه الحوارات بالعبرية ، ليكون أكثر صدقاً مع أبطال روايته ومعنا.تعظيم سلام للقاص ياسر عبد الباقي وإلى لقاء جديد
|
ثقافة
«زهافار» الرواية الأولى للقاص ياسر عبد الباقي
أخبار متعلقة