أقواس
ترك مدينته التي أحبها وترعرع فيها وشب وتذوق الموسيقى والفن ثم ما لبث أن بدأ نجمه في البزوغ .. وكان متألقاً وصار نجماً مضيئاً متلألئاً عرفته أحياء وحوافي عدن ..(هكذا ننطقها) وليس (حواري) كما يوردها البعض باللغة الفصحى في كتاباتهم ومخاطباتهم..هذا هو أبو أصيل الرجل الذي أحببناه ، ولم نعد نتذكر من أيام شبابه الغض، إلا ما تقدمه بعض القنوات الفضائية وهو يشدو بأعذب الأغاني الخالدة :(سهران ليلي طويل-سمعت الصوت- شلنايا بوجناحين ..) وغيرها من الأغتيات التي أنطبعت في أذهاننا وعقولنا ، وصارت جزءاً من مزاجنا وفرائحنا التي لا غنى عنها أبداً..أبو بكر سالم .. بلفقيه.. الحنجرة الذهبية المميزة الصوت العذب الأجش الرخيم، له طبقات صوتية متنوعة ، تأسرك وأنت تستمع إليه وتغيب في دهاليز سحر صوته العذب .. ولا تنفك أحاسيسك وتخيلاتك إلا بعد أن ترتوي حسياً وذهنياً وعاطفياً .. هذا هو زخم الفنان الكبير الذي صار مدرسة وأي مدرسة .. إنها مدرسة بلفقية والمحضار ، الثنائي الخالد أبداً..اليوم وبعد قرابة نصف قرن من الزمان .. مازال أبو أصيل اليماني الأصيل قولاً وفعلاً ، فهو ذلك الطود الأشم الذي لم تذهب به الغربة إلى التخلي عن جلده، عن وطنه ، لقد زاده الفراق التصاقاً وحنيناً ووفاءً للوطن ، وظل يردده في أغنياته وأشعاره وجلساته ، ودندناته .. إنه معجون بتراب الوطن ، وذلك التراب الممتد من حضرموت وإلى عدن وإلى ربوع الوطن كله .. وهل ننسى الخوالد من أغانيه التي شملت ألواناً عدة .. لعل اللون الصنعاني هو الأكثر وضوحاً بعد اللون الحضرمي ((سرحبي فيك غامض سرحبي ما انكشف أيش لي خلاني أعشقفيك والعشقة كلفأيش لي أوقعني في شباككوأنا عيني تشوفلا تعذبني وإلا سرت وتركت المكلالك إذا ما فيك معروف..))هذه إحدى الروائع الخالدة التي صاغ كلماتها الرجل الكبير ، والشاعر العظيم حسين أبو بكر المحضار ، الشحراوي ، والذي صار (شحروراً) بحق ، لأنه بأشعاره قد رفع من (البلفقيه) إلى الدرجات العلى مع العلم سلفاً أن أبا أصيل هو الذي خلق للفن وكان مهيئاً لذلك بالفطرة ، ولكن أنسجام اللحن والكلمات أصلت ورفعت من قدر الفنان ، ورشحت صعوده إلى ذرى المجد، وهو ما كان فعلاً ، وتخلد الاثنان إلى ما شاء الله تعالى في هذا الزمان..((يا طائره طيري على بندر عدن زاد الهوى زاد النوى زاد الشجنعالبعد أقدر أنا أشوف يومي سنهذي جنة الدنيا-عدن-ياطائره!))إيه يا أبا بكر .. أيها العندليب اليماني .. ليتك أنك تعود إلينا ثاني لتحلى أيامنا بسماع الأغاني .. ولك منا الحب والتقدير...