خير بقاع الأرض المساجد وشرها أسواقها ، وهذه الحقيقة خلاصة حوار دار من سؤال وجواب بين الرسول صلى الله عليه وسلم وجبريل عليه السلام . وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم قوله : (( من بنى لله مسجداً ولو كمفحص قطاة بنى الله له بيتاً في الجنة )) . ولقد شهد الله بالإيمان لعمّار المساجد ، فقال في سورة ( التوبة ) : (( إنما يعمر مساجد الله من آمن بالله واليوم الآخر وأقام الصلاة وآتى الزكاة ولم يخش إلا الله ، فعسى أولئك ان يكونوا من المهتدين )) . وكان في الإسلام مسجدان عظيمان قبل الهجرة ، هما المسجد الحرام بمكة ، والمسجد الأقصى بفلسطين . وبعد الهجرة النبوية ، أنشأ الرسول صلى الله عليه وسلم مسجده العظيم في المدينة في الموضع الذي استقرت به ناقته عليه الصلاة والسلام من أرض بني النجار . وأعلن صلى الله عليه وسلم تحريمه إلى جانب المسجد الحرام ، وفضله على سائر المساجد سوى حرم مكة ، ورغّب شد الرحال إليه ، وبين ان الصلاة فيه بألف صلاة وفي المسجد الحرام بمائة ألف صلاة وفي المسجد الأقصى بخمسمائة صلاة . ولقد أعلن الله تعالى شرف المساجد في آية جامعة من سورة النور .. : (( في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه .. )) . ولما ضاق المنافقون في المدينة ذرعاً بمسجده صلى الله عليه وسلم وفكروا في الانفراد بمسجد يبنونه ليصلوا فيه وحدهم فيتمكنوا من التآمر على الدعوة بحرية .. فاستغلوا غيابه صلى الله عليه وسلم في مسيره لبعض الغزوات فبنوا مسجداً لغرضهم الخبيث ، ودعوه صلى الله عليه وسلم عند قدومه للصلاة فيه تبركاً به كما زعموا !! . فأنزل الله تعالى قرآناً يفضحهم ، وأمراً بحرقه وتوبيخاً لمنافقين فقال في سورة التوبة : (( والذين اتخذوا مسجداً ضراراً وكفراً وتفريقاً بين المؤمنين وإرصاداً لمن حارب الله ورسوله من قبل .. وليحلفن إن أردنا إلا الحسنى والله يشهد انهم لكاذبون )) . ولقد تسابق الخلفاء من بعده - صلى الله عليه وسلم - في بناء المساجد .. وأول من بنى المآذن (( المنائر )) هو زياد بن أبيه عامل معاوية على العراق وذلك في جامع البصرة عام 47 هـ وكان بناؤها من الحجر . وانتشرت المساجد في الأرض ترفع اسم الله .. وآية تدل على الحق الذي تدعو إليه وبلاغاً للناس يحمل رسالة اللقاء والمحبة والبناء .. ومن هنا يدرك المرء معنى أهمية المحافظة على طهارة وشرف المساجد ، ووجوب صيانتها من لوثات البشر العقائدية والفكرية والأخلاقية وغيرها !! وكذا أهمية الدور الريادي الذي يلعبه التوجيه من فوق منابرها بما يصنعه من تأثير في وجدان عامة الذين أجبرهم الإيمان على وجوب الإنصات للخطيب الموجه !! . وعندما تنحرف المفاهيم والمعتقدات والمصالح وينعكس هذا الانحراف على تجيير المنبر والوعظ والدعوة لمصالح ضيقة فإن التأثير الموجب يذهب هباءً ويميل الظل مع اعوجاج الإرشاد أو تقطف الثمرة حنظلة مرة يتجرع سمها المجتمع بأسره فتعصف أعاصير الدمار بقوله وتحل نذر الهلاك بأفراده وتنحر التنمية والإبداع قرباناً لعدو متربص بهم ، وهم حينئذ كغثاء السيل ولو كثروا..! ولم أر في التاريخ فرقاً بين من يستخدمون المنابر في لعن خصومهم والتنكيل بهم انتصاراً لحزبهم وأهوائهم اليوم ، وبين من استخدموها بالأمس في لعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مع ماله من سابقة عليهم في الدين .. وفضل علي رغم أنوفهم مبين .. وما فعلوا ذلك إلا انتصاراً للهوى الذي زين لهم التنكيل بخصومه ولو على حساب دينهم ودنياهم وآخرتهم ! . وهو في اعتقادي مثال سيء ضربه الله تعالى على أيديهم درساً للمسلمين في بدء انحراف البغاة منهم ليعلموا ان تجيير المنابر لن يعود على فاعله وأصحابه إلا بالذكر السيء والهوان المبين .. وكتب التاريخ الذكر الحسن والثناء الجميل على عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه حين قضى على هذه البدعة القبيحة المذمومة وأمر بالثناء على سائر الصحابة أجمعين . وتقع على الدولة وحاكم المسلمين مسئولية عظيمة لا يفلت منها أبد الدهر وهي الحفاظ على طهارة المساجد ودورها الريادي في إنتاج جيل يتربى على قيم السماحة والوفاء للناس والاعتراف بحق الجميع في الوجود والعيش بسلام وتكافل دونما بطش أو عدوان .. وينهض هذا الجيل بمسئولياته نحو المستقبل فتتلقاه الأجيال مشعلاً يهدي إلى الحق ويسطر رسالة دينه أحرفاً من البناء والخير والحب والوئام .. ودون هذه الحقيقة هو سفك الدماء وخراب الديار وإزهاق القيم وتهاوي المثل على أيدي أجيال بديلة تركض كالوحوش على الأرض فتأتي على الأخضر واليابس وتجني ثمار شقاوتها بمفاهيم مغلوطة وهي تؤدي بهم إلى ضياع محتوم وقد ضل سعيهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً .. ! .
|
رمضانيات
المسجد .. قاعدة المحبة والايمان !!
أخبار متعلقة