سطور
ماجد الهتاريكلنا نسمع ونعلم المقولة التي تتردد على آذاننا ونقرؤها في شعارات والمشاركات الفنية التي تقول “الفن لكل الناس” فهذا الاعتقاد كاد يكون صحيحاً لو أن الناس جميعاً تفاعلوا ولبوا نداء الفن ولو اختلفت لديهم مستويات الأذواق والنظرات الفنية، لكن للأسف أن مجتمعنا العربي عامة واليمني خاصة غلبته الأمية الفنية، فالأمية الفنية مصطلح لا يقل عن الأمية الأبجدية التي تعني عدم القدرة على القراءة والكتابة.فالأمية الفنية تعني عدم القدرة على قراءة اللون والشكل والخط، أو بمصطلح آخر عدم قدرة العين على الإدراك الفني، مثله كمثل من ذهب إلى اختصاصي العيون ليختبر بصره فهناك يحدد مستوى الرؤية لديه، فإن اجتاز 6/6 فإن عينيه ترى جيداً وإن قلت تقل الرؤية لديه إلى أن تصل العين إلى العمى أي لا ترى شيئاً، فهكذا تكون مستويات الرؤية الفنية عند الشعوب في العالم، وكذلك في الشم والطعم والسمع فكل هذه الحواس لها مستويات متفاوتة في الأذواق القبيحة منها والجميلة.فهنا تكون الأمية عدو للفن التشكيلي .. كيف؟ إذا هم فنان بإقامة معرض لأعماله الفنية، يرى أنه في يوم الافتتاح يأتي عدد من الشخصيات المسؤولة والاجتماعية وجمع وفير من المجاملين والأصدقاء الذين قد يكون دافع الذهاب لديهم هو “الواجب” من باب جبر الخواطر أو غيرها من تلك الدوافع التي تخلو من الثقافة الإيجابية والحب لهذا الفن، وفي اليوم التالي نجد أن عدد الزوار على عدد أصابع اليد الواحدة وفي الأيام التالية يندر الزوار أو قد لا يأتي أحد وتكون قاعة المعارض خالية تماماً من الزوار، حتى أن اقتناء الأعمال الفنية لا يكون إلا من بعض الشخصيات المسؤولة وعلىاستحياء من وزراء أو محافظين أو رجال أعمال، ويعتبرون هذا الاقتناء مجرد دعم للفنان ونوع من أنواع التشجيع لا غير وبعد ذلك يبقى العمل منسياً لا يجد أي اهتمام.وهذه الظاهرة ليست في بلادنا فحسب إنما في سائر البلدان العربية .. ولو وضعنا أوجه مقارنة في معارضنا ومعارض البلدان الأوروبية لوجدنا أن المعرض الذي يقام للفنان ويدخله الجمهور بعد دفع رسوم معينة، ويشتري المتذوق الكاتلوج، كما يشتري الإعلان ذكرى لزيارته للمعرض، بل أنه قد تبعد مسافة البلد التي سيقام فيها المعرض عن وصول الإعلان فيتطلب السفر بالطائرة لحضور المعرض، هذا ناهيك عن المقتنيات، فلا ينتظر من الدولة كما هو الحال في بلادنا ولكن اقتناءها يكون من الطبقة المثقفة ويعتزون ويتفاخرون بها لمعرفتهم بثمن هذه الكنوز الفنية.يقول الدكتور محمود البسيوني في إحدى مؤلفاته:”إن المقتنيات أكثر استقراراً من العملة الصعبة بل إن ثمنها في صعود ولا يتعجب المرء من ظهور عصابات أو لصوص المتاحف لسرقة الأعمال الفنية وتهريبها لبيعها في دول أخرى” .. كل هذه الفوارق بيننا وبين الدول في الخارج هي بسبب مستوى الأمية الفنية، فهذا لا يعود إلى الإنسان ذاته، ولكن يعود أولاً إلى المستوى الثقافي في البلد نفسها التي تعتبر هي الثقافة الأم التي تغذي ثقافة الفرد في كافة مراحل حياته.بعد ذلك تأتي للأسف الأمية الفنية التي تنبع ممن هم متخصصون في دراسة الفنون التشكيلية وينسبون إليها، بل ويفتقرون إلى أبسط المقومات الفنية والذين يملكون أذواقاً ميتة ورؤية أكاديمية منحصرة قديمة لا يستفاد منها، بل وأن معلوماته الفنية لا تتناسب إطلاقاً مع الدور الذي يجب أن يؤديه تجاه متعلم ناشئ لهذا الفن.لذا ظل مجتمعنا اليمني على وجه الخصوص بل وسيظل على مستواه المتدني من الثقافة والأمية الفنية طالما ليس هناك قيادات فنية حقيقية قادرة على العطاء والتوعية والتوجيه الفني والنقد البناء وليس الانتقاد وإصدار الأحكام الفنية من تقييم الأعمال الفنية ليحق الحق للفنان المبدع الحقيقي ويقطع دابر المجاملين.[c1]* مدرس بمعهد الفنون الجميلة. [/c]