لا شك في أن رصيد الدول لا يقاس بما تملكه من ثروات طبيعية فحسب بل بما تملكه من أدمغة علمائها ومفكريها الذين يقومون بصناعة المعرفة التي تصون استقلالها وسيادتها،بيد أن إنتاج المعرفة يتطلب إعداد الكوادر العلمية إعداداً سليماً للتعامل مع أخر المستجدات العلمية وإذا كان الطلبة هم الساحة الأساسية لأي عمل علمي استراتيجي يهدف إلى النهضة الحقيقية،فإن هذا يؤكد ضرورة تقديم مناهج تنمي لدى الطلبة روح الابتكار والإبداع،ولا تقتل لديهم ملكة التفكير،بحيث لا تفرض عليهم مناهج دراسية محشوة بالمعلومات الفارغة واللغو دون أن تثير لدى الطلبة الاهتمام،ولا تحفز لديهم الأسئلة الذكية.والحديث عن الإبداع العلمي في الجامعات والمؤسسات العلمية يقتضي الحديث عن الأستاذ الجامعي ونتساءل هنا هل كل حاصل على شهادة دكتوراه في حقل من حقول المعرفة وبما كانت أهمية هذه الشهادة قادر أن يكون أستاذاً جامعياً؟يقول المفكر الألماني ماكس فيبر في كتابه(رجل العلم ورجل السياسة)يمكن للمرء أن يكون عالماً بارزاً وفي الوقت نفسه أستاذاً رديئاً جداً،أي لابد من الفرز الدقيق بين المدرس الجامعي والباحث العلمي لأن حامل الشهادة العليا غير المؤهل للتدريس يمكن أن يرتكب بحق الطالب جريمة تربوية لا يستهان بها هي الملل والسأم الذي يجعل الكثير من الطلبة ضحايا ذلك نظراً إلى غياب جو الإثارة العقلية داخل القاعة،حيث لا يكفي أن يكون المنهاج حافلاً بالمعلومات والمفردات المثيرة إذا كان الأستاذ الجامعي يقتل هذه الإثارة بعرضه الممل البارد.لكن المناهج تبقى الحلقة الأخطر في إعداد الطلبة إعداداً علمياً لائقاً شرط أن تحفز لديهم المغامرة المعرفية واكتشاف الحقيقة،على أن تراعي هذه المناهج الفروقات بين الطلبة لأنهم يتفاوتون في استعداد مواهبهم وطموحاتهم،وإلا فإننا نكون كمن يستخدم علاجاً واحداً لجميع الأمراض.إن طلابنا لا يقلون ذكاء وإبداعاً عن زملائهم في جامعات أوروبية أخرى،ولكن قد تشكل مناهجنا في وضعها الراهن العلة الجوهرية التي تعيق طلبتنا عن الإبداع المعرفي ولهذا لابد من تطوير المناهج بحيث تكون ملبية في مفرداتها وسياقاتها لحاجاتنا التنموية وبعيدة عن عقدة التبعية للآخر،وأن تشمل مقرراً عن تاريخ العلوم عند العرب يبين إسهامات علمائنا في مختلف دروب المعرفة لإعادة الثقة لدى طلبتنا بحضاراتهم وتحفيزهم للسير نحو التقدم العلمي،وكذلك تزويد الطلبة بآليات التفكير العلمي من خلال مقرر يبث لديهم الروح العلمية وروح الابتكار،مع مراعاة ضرورة إدخال نشاطات ثقافية وفنية جديدة وهادفة إلى جامعاتنا،بحيث نصل إلى تخريج متعلمين مثقفين ومكتملي الشخصية،يعرفون مصلحتهم ويستخدمون معلوماتهم العامة أو المتخصصة أو المهنية بطريقة رشيدة ولمصلحتهم ومصلحة وطنهم على السواء.
أخبار متعلقة