المئذنة اليمنية أهم مشروع فني يندمج فيه النحت بالتلوين والخزف
د. زينب حزام ربطتني بها علاقة عاطفية، كنت انتظرها في المكان نفسه والزمان. (المكان: هو صحن بيتي وهو متنفس منزلي المتواضع).. والزمان هو كل مساء أقوم بكتابة مواضيعي الأدبية وأبحاث دراستي الميدانية.قبل الموعد ، كانت بذرة صغيرة غرستها في الطين الذي وضعته في قالب فخاري اشتريته من مدينة كريتر التي تشتهر بصناعة الأواني الفخارية الجيدة الصنع ، وقد اشتهرت صناعة الفخار وزخرفته في اليمن خصوصاً في عدن من عهد الغساسنة، وإذا تجاوزنا الوقوف على النقلة التي عرفها فن زخرفة الفخار فهي تعد حرفة تقليدية اضافة إلى كونها وسيلة تعبيرية وتصوراً فنياً للإنسان والكون ، فإننا سنجد أن الطين (كمادة أولية لفن الخزف) كشفت عن دلالات رمزية عديدة يتواجد من خلالها الإنسان كجسد وتاريخ بالأرض. حديثنا هنا إذن يخص فن الخزف وزراعة الورود التي زينت بها صحن داري في فن الخزف الذي هو محور موضوعنا ، فإننا نجد من أشهر الفنانين التشكيلين الذين أبدعوا في فن الخزف هو الفنان التشكيلي علي باراس ، وهو من المبدعين الذين جعلوا فن الخزف فناً له سمات النبل والإبداع والتعبير عن الأفكار والأحاسيس ، شأنه شأن اللوحة الزيتية والنحت بالبرونز ، ورغم ذلك ، يعد فن الزخرفة من التقاليد الشعبية المشهورة في اليمن ، ودمج في حركة الفنون التشكيلية ضمن عملية البحث والتجديد من اجل تحديد ملامح تشكيل يمني، منفرد البعد ألمفاهيمي والخطاب الفكري. ولا يسعنا هنا إلا الاعتراف بمهارته الحرفية وتجربة هذا الفنان التشكيلي في توظيف هذه المهارة عن طريق إبداع أشكال وفضاءات جديدة لإبراز خصائص تعبيرية وفنية لخزف يمني طلائعي ، وربما أن إدماج الجداريات الخزفية في البناء المعماري من طرف فنانينا هو تأكيد على الميزة الشعبية التي كان ومازال يتمتع بها فن الخزف. وفي رأينا أن محاولة نقل الأشكال الخزفية إلى القماش بواسطة الصباغة الزيتية ، نقلاً متجاهلاً خصوصيات هذا الجنس الفني، في حين تبقى الأعمال الطينية المركبة التي تذكرنا بالمئذنة اليمنية أهم مشروع فني يندمج فيه النحت بالتلوين والخزف ، ثلاثة أجناس فنية منسجمة متداخلة في قطعة واحدة. لقد اهتم الفنان اليمني منذ القدم بزخرفة الطين وأسس عدة مشاريع فنية في هذا المجال الفني على نظرة جديدة للحياة والألوان والتكوينات ، بل يستقيها من صندوق التراث العربي الإسلامي حروفه العربية ، رموز ، وعلامات ، ندرك معناها احياناً وتفلت عن إدراكنا احياناً أخرى ، يثبتها على فضاء اللوح الطيني من خلال الآثار أو البصمة ، وتوزيع الألوان وإعطاء طابع أسطوري لتحفة فنية. والحديث عن اهتمام اليمنيين في صناعة الأواني الطينية المزخرفة بالنقوش حديث طويل لا يتسع المقام له نعود الآن إلى القالب الفخاري المزخرف بالنقوش الذي زرعت فيه الشجرة التي وضعتها في صحن داري ، وها هي بدأت تلبس ثوبها البنفسجي المختلط بالأوراق الخضراء ، أنني انظر لها فأحس بالسعادة والتفاؤل ، فهاهي الحياة تدب في شجرتي وهاهي الأوراق تزدهر والزهور تتناثر ، واللوحة الجمالية تكتمل . دعوت صديقتي الفنانة التشكيلية ماجدة الحكيمي لترى هذه اللوحة الطبيعية الرائعة فأخذت ترسم لي لوحة فنية رائعة ، فقد كانت مهتمة جداً بحالة الزهور وعالمها الخاص. فهي ترسم الزهور وتجعلها اقرب إلى السيمفونيات الموسيقية ، أو بالأحرى موسيقى الخيال الناعم التي تبدو غير حقيقية لكنها ممتعة وآسره ومعبرة تخطف البصر والروح وتدفع به إلى تأمل الطبيعة الحية واللوحات الفنية في آن واحد. وصديقتي الفنانة التشكيلية ماجدة الحكيمي تتعامل مع الألوان بثقة عالية وإحساس بالمسؤولية انطلاقاً من مفهومها الراسخ بأن الألوان هي الوسيلة الأساسية للتعبير عن الرؤية الفنية اندفاعاتها قد جعلت لوحاتها غريبة بعض الشيء ، وغير مألوفة . فهي في الوقت ذاته منحتها امتلاء انفعالياً هائلاً وهرمونية جمالية تجسد نبض الحالة الروحية والنفسية للفنانة. إن رسم الطبيعة من أزهار وورود يرفع الذوق الجمالي للناظر إليها، ولقد عشق الفنانون التشكيليون والشعراء والأدباء الطبيعة اليمنية كما أحببتها أنا وزرعت وروداً. إن حب الطبيعة تجعلنا نشعر بالامتلاء العاطفي والجمال القائم في الطاقة الهائلة للخير. ومعظم الشعراء والكتاب غنوا للأزهار والورود / كما غنى الفنان اليمني للطبيعة والفل والورد ، كما جاء في أغنية الفنان اليمني والشاعر الغنائي احمد فضل القمندان في أغنية “ يا قلبي تصبر: [c1]يافل ياعود ماء وردي وعنبر وأنت عسل جرداني وسكر فين وليت دوبي تخبر لما متى [/c]إلى آخر الأغنية. وقد عشق الفنان اليمني الطبيعة اليمنية بجمالها وشتائها الدافئ ونسيمها العليل وحدائق الورد والفل والياسمين في مدينة الحوطة بلحج حيث قال الشاعر اليمني عن الطبيعة اليمنية: [c1]نجيم الصبــــاح ايش جلسك بعد مــا قمنـــــا نجيم الصبــــاح سامر علـــى الفن والمغنــــى نجيم الصبــــاح هــــــذا مبـــــرح وذا مثنـــــا نجيم الصبــــاح اعطف على الصاحب المضنى نجيم الصبــــاح باجي مبكـــــــر وبا اتعنـــــــا نجيم الصبــــاح وكلمـا عـــــودوا عــــــدنــــــا نجيم الصبــــاح نحنـا معاهـــم وهــم معنــــا نجيم الصبــــاح طـاب السمر كلنـــــا طبنــــــا نجيم الصبـــاح ايش جلسك بعــد مـا قمنـــــا [/c]لقد كتب الشعراء اليمنيين أجمل القصائد عن الطبيعة اليمنية من بحار وشواطئ ذهبية في مدينة عدن وجبالها السمراء والمدرجات الخضراء في صنعاء وتعز وعن ورود وأزهار حدائق لحج الخضراء وأشجار البن في يافع وصنعاء. ورسم الفنانين التشكيلين أجمل اللوحات عن الطبيعة اليمنية وهنا أتذكر لوحة الفنان التشكيلي اليمني عبدالله الأمين الرائعة حيث رسم بحيرة البجع في خور مكسر ورسم قوس قزح من الألوان يمثل طيوراً ونباتات وأزهار وورود مستوحاة ونابعة من خيال الفنان ومن تأمله في الطبيعة.. وجعل اللوحة في قطعة قماش مطرزة بأجمل الخيوط الحريرية. وهنا اختتم موضوعي هذا بضرورة الاعتناء بالطبيعة اليمنية وزراعة الورود والأزهار والأشجار في الشوارع والحارات ومنازلنا لأنها تعطي الجمال والخير ولا نترك الأيادي العابثة تمتد إلى الأشجار. كما امتدت هذه الأيادي العابثة إلى الأشجار النادرة الأخرى التي مضى عليها قرن من الزمان وجعلوا محلها عمارات خرسانية تم بنائها محل الطبيعة الخضراء وانتشر التصحر ، وأحرقت غازات المصانع طبقة الأوزون وأصبح الإنسان مهدداً بالعمى والسرطان وفقدان الكثير من أنواع النبات والحيوان وهنا أدعو إلى ضرورة الدفاع عن الشجرة والطبيعة اليمنية والحفاظ عليها وسوف انضوي تحت لواء الأحزاب الخضراء الحالمة ، لان الحياة لا تأتي مرتين.