حتى لا نسهب في طموحاتنا
كثيرون يعبرون عن استيائهم من مستوى المنتخب الوطني لكرة القدم ويوجهون له وابلاً من سخطهم وتذمرهم، ذلك أن هذا المنتخب لم يتمكن من تحقيق ولو الجزء اليسير من طموحاتهم وآمالهم اللامحدودة التي أوكلت للمنتخب.ولكون حالة السخط والتذمر هذه تتعاظم مع كل منازلة رياضية تنافسية يخوضها المنتخب على الصعيد الآسيوي أو غيره فإنها باتت تمثل مشكلة عويصة بحد ذاتها ذلك أن حالة التذمر والسخط من أداء المنتخب تتم في كل مرة في غير مكانها الطبيعي خاصة وأن الواقع الكروي اليمني يعيق المنتخب الوطني لكرة القدم، الأمر الذي يتطلب من الجمهور أن يوجه كل سخطه وتذمره لآخرين هم الذين يتحملون المسؤولية برمتها عن واقع كروي أقل من متواضع تعاني منه منتخبات كرة القدم التي يتم تشكيلها من وقت لآخر بهدف تمثيل اليمن في المحافل الدولية.إذاً علينا هنا أن نحدد بدقة متناهية الجهة التي تتحمل مسؤولية هذا الواقع قبل أن نبدي حنقنا وسخطنا على المنتخب الوطني دون إدراك الحقيقة بكل أبعادها، وحتى لا نكون في الوقت ذاته أحد الأسباب الرئيسة في هذا الواقع الكروي المؤسف خاصة انه رغم استمرارنا في التعبير عن حنقنا وسخطنا فان المشكلة تستمر بل وتتفاقم بفعل أننا لم نستطع بعد أن نشخص المشكلة وأن نحدد بدقة متناهية الطرف المسؤول عن هذا الواقع؟وهذا يعني أن الطرف المسؤول عن هذا الواقع يشعر بسعادة بالغة لكونه مازال بعيداً عن الاتهامات المباشرة له وتحميله مسؤولية هذا الواقع ومن ثم محاسبته بالصورة التي تتفق مع عظمة الطموحات التي تنشد الجماهير اليمنية تحقيقها من خلال منتخبات كرة القدم.ولكي نحدد المسؤول عن هذا الواقع فإن علينا ألا نذهب إلى توجيه هذا الاتهام بصورة عاجلة وارتجالية وإنما يتطلب منا الوقوف أولاً بمسؤولية كاملة أمام الواقع الكروي الراهن ومن خلال مختلف جوانبه ووفق أسلوب مهني يرتكز على أسلوب النقد البناء الباحث عن الحقيقة ولا شيء غيرها حتى يمكن لنا تشكيل الصورة الكاملة لهذا الواقع والتحديد بدقة متناهية لكافة الأسباب التي أدت إلى هذا الواقع والعوامل والمؤثرات التي ساعدت على تكوين كل ذلك، وبعيداً عن أي شطحات أو ارتجالات في التعاطي مع هذه القضية وجعل قضية تطوير كرة القدم هي الهدف الأول الذي ننشده من وراء كل ذلك الجهد بابعاده المهني والفكري والوطني.ولا ريب في أن بلوغ ذلك يتطلب أولاً عملية تهيئة لكافة الفعاليات المرتبطة بلعبة كرة القدم في إطار برنامج يحفل بالعديد من الأهداف المحددة والوسائل والطرق التي يمكن إتباعها للوصول إلى تشخيص الواقع الكروي وان يكون الجميع ملتزماً بكل ما تضمنه هذا البرنامج من قنوات عملية في ظل إدارة فاعلة تعمل على إنجاح البرنامج في الواقع في إطار أزمنة محددة تمكن الجميع خلالها من وضع النقاط على الحروف بمهنية وبروح وطنية عامة.كما أن التهيئة لذلك تتطلب هي الأخرى دوراً فاعلاً ورئيسياً من قبل الإعلام الرياضي دون غيره باعتباره يمثل القدرة المهنية والإعلامية على جعل هذه القضية قضية رأي عام تخص جمهور كرة القدم وهو الجمهور الذي يعد بالملايين حتى يمكن للإعلام الرياضي الضغط الإعلامي والمهني في جعل هذه القضية تحظى باهتمام مختلف الفعاليات الرياضية المتصلة بلعبة كرة القدم.وذلك أمر يعد من الأهمية بمكان بحيث لا يمكن في ظل انعدام هذا الدور أن تجد هذه القضية حقها من الاهتمام الكبير لدى الوسط الرياضي الكروي.إذاً نحن هنا أمام مسألة على درجة عالية من الأهمية تكمن في دور الإعلام الرياضي اليمني الذي ما زال للأسف الشديد بعيداً عن تلمس القضايا المعنية بالرياضة والغوص في ثناياها واستكشاف كافة أسبابها وبواعثها والضغط باتجاه إيجاد المعالجات الناجعة لها.وإذا كان البعض ينظر لمثل هذا الدور للإعلام الرياضي بالطموح المبكر،باعتبار هذا الإعلام ما زال أسير الإدارة الرياضية سواءً أكانت على صعيد الأندية أو الاتحادات أو المؤسسة الرسمية الكبرى المعنية بالرياضة،وفي الوقت ذاته لا يرون إمكانية تحقيق نقلة نوعية على صعيد الحياة الرتيبة التي يشهدها واقع كرة القدم...ومع ذلك ومع إدراكنا عمق مثل هذه الإشكالية التي يعاني منها الإعلام الرياضي اليمني فإنه لا يجب علينا فقدان الثقة في إمكانية أن يلعب الإعلام الرياضي هذا الدور المحوري في صنع التغيير للعبة كرة القدم بل ومختلف الألعاب الرياضية، فهناك عديدون من الذين ينضوون في إطار هذا الإعلام الرياضي حريصون كل الحرص على أن يقوم الإعلام الرياضي بدوره في تقويم الأمور والضغط باتجاه إحداث التغيير المشهود من خلال التفاعل المهني مع مختلف قضايا الرياضة وكشف الممارسات التي تكرس الواقع الهش للعبة كرة القدم من خلال نشر الوعي في أوساط الجماهير الرياضية وما ينبغي عليها القيام به من دور فاعل في إصلاح الواقع الرياضي والدفع به نحو دائرة التفاعل وتأكيد قدرة الرياضة اليمنية على مواكبة التطورات التي يشهدها عالم الرياضة في إطار خطط وبرامج فاعلة على المستويين الآني والمستقبلي. وبما أن ثقتنا بهؤلاء الإعلاميين الذين يحملون بمصداقية ومهنية مسؤولية دورهم التوعوي في قضية كرة القدم فإننا نأمل أن نجد هؤلاء وقد شكلوا خلية مهمة في الوسط الإعلامي الرياضي تعمل باتجاه تحقيق هذه الأهداف تغيير الأنماط السائدة حالياً في التفاعل مع كرة القدم من قبل الإدارة الرياضية.وتحدونا هنا ثقة بأن هذا العمل الإعلامي إذا ما تم فإنه سرعان ما سوف يحظى باهتمام الجمهور العريق لكرة القدم الذي سيجد في هذا الأسلوب الطريقة المثلى والأسلوب الأمثل للخروج من دائرة كافة المشكلات العالقة التي تعاني منها كرة القدم على صعيد الأندية والمنتخبات وبأن نتائج هذا المجهود الإعلامي ستمثل البداية الحقيقية نحو تحقيق لعبة كرة قدم متطورة قادرة على تلبية احتياجات الجمهور العريق والاستجابة لتطلعاتهم الهادفة دوماً إلى بلوغ كرة قدم يمنية متمتعة بقدرة كافية من متطلبات المهنية والإدارة والمهارات...الخ،من المتطلبات الملحة..وإزاء كل ذلك فإن نظرة سريعة للواقع الراهن الذي يعيشه واقع كرة القدم في بلادنا لن تجعلنا نذهب بعيداً عن المساهمة في تحديد أسباب وحيثيات أولية نرى أنها تمثل عوائق حقيقية أمام مسيرة تطور لعبة كرة القدم وهي أسباب أولية وما زالت بحاجة إلى المزيد من الدراسة والبحث حتى يمكن لنا القيام بإجراء تشخيص واقعي في إطار المنهجية المنشودة التي سبق لنا الإشارة إليها في هذا الموضوع.ولعل بعض التساؤلات مهمة باعتبارها قد توحي لنا بصورة أو بأخرى بفهم المعطيات الراهنة وتحديد كيفية التوجه نحو المستقبل خاصة على صعيد ما تنشده الجماهير اليمنية العريضة في منحى كرة القدم ونحاول في الوقت ذاته التقليل من حدة التذمر والسخط الموجه لهذه المنتخبات ومن ثم التحول إلى جهة أخرى هي الأحق بأن يوجه لها هذا السخط والتذمر لكونها الجهة التي تتحمل المسؤولية برمتها عن واقع كهذا تعيشه كرة القدم اليمنية ولعل من أبرز هذه التساؤلات:هل بالإمكان لأي بلد ما أن يجد منتخباً لكرة القدم يكون فاعلاً دون أن يكون في هذا البلد دوري لكرة القدم يتمتع بالمزيد من المهنية والأضواء والتفاعل؟!هل بالإمكان تطوير كرة القدم في أي ناد رياضي مهما كان موقعه في العالم دون وجود مدربين أكفاء على مستوى مختلف الأعمار قادرين على إبراز المواهب والقدرات الرياضية واكتشافها وتمكينها من المشاركة؟!هل بالإمكان لأي رياضة كروية في أي بلد أن تحقق مجمل أهدافها في ظل غياب التفاعل الجماهيري الكبير والعريق على مستوى مختلف فعاليات الدوري؟هل بالإمكان أن تتطور كرة القدم في إطار الأندية في إدارة تعاني من الرتابة وعدم القدرة على التخطيط والتنظيم السليمين لكل فعالياتها الرياضية؟هل بالإمكان أن تتطور كرة القدم في ظل الغياب الكبير للوسط التجاري ورجال الأعمال القادرين على الدعم والرعاية لأنشطة الأندية وفعالياتها الرياضية المختلفة؟هل بالإمكان أن تتطور كرة القدم في أي بلد تعاني فيه التشريعات واللوائح المعنية بالرياضة من تخلف وعدم قدرة على الاستجابة لمتطلبات التطور والتحديث؟هل بالإمكان أن تتطور لعبة كرة القدم في أي بلد دون إعلام رياضي قادر على تحقيق التفاعلات المنشودة مع هذه اللعبة والمشاركة الفاعلة في إطار عملية نقدية تستطيع أن تحدد كافة الجوانب السلبية وكل ما يعتور لعبة كرة القدم في الاندية وعلى مستوى الإدارة والتدريب والتأهيل والإشراف والمتابعة؟هل بالإمكان لأي أندية عاجزة عن تقديم نجوم فاعلين في فرقها يضيفون جديداً لكرة القدم أن تكون عاملاً مهماً من عوامل تطوير الرياضة اليمنية؟هل بالإمكان لإدارة رياضة منعزلة وبعيدة عن الاستفادة من تجارب الآخرين أن تحقق الأهداف المنشودة؟هل بالإمكان لأي هيئة رياضية رسمية في أي بلد أن تجد المعالجات الناجعة لكل ما يعتور لعبة كرة القدم من مشكلات في ظل غياب الإدارة الرشيدة؟هل بالإمكان لأي إدارة رياضية يقتحمها الفاشلون والعاجزون عن الخلق والإبداع أن يضعوا لعبة كرة القدم بأنديتهم في بداية الطريق الصحيح؟هل بالإمكان للاتحادات الرياضية في أي بلد أن تحقق برامجها على الواقع دون عملية متابعة وتقييم من قبل الجمعيات العمومية للأندية؟ هل بالإمكان أن تتطور كرة القدم دون النظر إليها من قبل المعنيين بالتخطيط الاستراتيجي لها بكونها واحدة من مصادر الانتعاش الاجتماعي الذي يعول عليه تحقيق نقلة نوعية على صعيد حركة المجتمع وديمومته؟هل بالإمكان أن نحسن الأحوال المعيشية والبحث عن المكانة الاجتماعية في بلادنا عن طريق الرياضة كما يحدث؟هل بالإمكان وفي ظل غياب كل ذلك أن نتصور أن هناك مستقبلاً للعبة كرة القدم في بلادنا على مستوى الأندية والمنتخبات؟تساؤلات لاريب في اننا إذا ما وقفنا بمسؤولية أمامها سنجد أننا سنظل نجلد أنفسنا ونزيد من خسراننا ومن تذمرنا من واقع كرة القدم ذلك أننا ذهبنا إلى هذه اللعبة الشعبية العالمية بطريقة ارتجالية وهي الطريقة التي تجعلنا نقف في بداية الطريق دون أن نحرك ساكناً...إننا هنا ومن خلال هذا الموضوع نحاول الإسهام في تطوير كرة القدم وفي الوقت ذاته التأكيد أن واقع المنتخبات اليمنية لكرة القدم ونظراً لكل هذه المشكلات يعد عقبة كأداء أمام أي منتخبات وفي أي بلد كان ذلك أن كرة القدم وتطورها على صعيد المنتخبات هو نتاج لتطوير وتحديث كاملين على مستوى كافة فعاليات كرة القدم وهذا ما يجعلنا نؤكد هنا في خلاصة موضوعنا هذا أن تحميلنا المسؤولية برمتها لمنتخبات كرة القدم ما هو إلا واحدة من صور العبث الواقع خاصة وأن المنتخبات اليمنية بأدائها تعبر عن واقعها وإمكاناتها كما أنها في الوقت ذاته تحاول وبإمكاناتها المحدودة وبروح وطنية أن تسجل لبلادنا حضوراً مشرفاً وهو حضور يتفق الأشقاء على أنه جيد عامة وأنهم ينظرون إلى ذلك بانه نتيجة واقع كروي شامل تعاني منه الكرة اليمنية وستظل تعاني منه حتى قدوم إدارة رياضية فاعلة تعي مهامها ومسؤولياتها على خير وجه.. ونأمل أن يكون قريباً.