لبعد الغائب في احتفاليات العواصم الثقافية
االإسكندرية / وكالاتمنذ سنوات ونحن نتابع، عن بُعد، أخبار احتفاليات العواصم الثقافية العربية: صنعاء 2004، الخرطوم 2005، مسقط 2006، الجزائر 2007 على سبيل المثال، ونجد اهتماما لا بأس به بمعارض الكتب والأمسيات الشعرية والندوات الأدبية والحفلات الموسيقية والغنائية والمعارض التشكيلية والأفلام السينمائية والمسرحيات، وخلافه.ولكن أرى أن معظم هذه العواصم الثقافية لم تهتم بالبعد الثقافي الجديد، ألا وهو الثقافة الرقمية، أو الثقافة الإلكترونية، وكأن الثقافة، بشكل عام، انحصرت في تلك الفعاليات التقليدية التي ذكرناها من قبل، وغاب البُعد الثقافي الجديد عن الرؤى والسياسات والخطط الثقافية.إن اختيار عاصمة ثقافية عربية تحتفل بنفسها في كل عام، أمر محمود لاشك، وفرصة للتواصل الثقافي مع بقية العواصم العربية، وأيضا فرصة لاستعراض خصوصية ثقافة هذه العاصمة أو تلك، إن كان لها خصوصية، ضمن منظومة الثقافة العربية الشاملة والسائدة، وأيضا فرصة لاستقبال الوفود الثقافية العربية، والاحتكاك بها ضمن موسم ثقافي متميز، قد لا يتكرر كثيرا بعد ذلك.لذا نرى من الضرورة الاحتفال أيضا بهذا الوافد الجديد على ثقافتنا التقليدية، وضرورة توعية المواطنين والكتَّاب والمثقفين بأهميته، والتعريف بإيجابياته والتحذير من سلبياته، خاصة أن معظم شبابنا يتعامل ويتفاعل مع تلك الوسائل التي تجلب الثقافة الرقمية أمام عينيه وعند أذنيه بنقرة من إصبعه على لوحة المفاتيح أو الفأرة، فتنفتح له الدنيا من خلال شاشات الكمبيوتر وسماعات الأذن ولمسات الأصابع والنظارات المكبرة وكاميرات الويب أو الويب كام وغيرها، فهناك بالعربية مئات الآلاف من المواقع والمنتديات والمدونات والمجموعات البريدية وغرف الدردشة التي تهتم بنشر الثقافة التقليدية والرقمية معا، وهناك مئات الآلاف من المواقع بلغات أجنبية، أكثرها بالإنجليزية بطبيعة الحال باعتبارها اللغة السائدة على الإنترنت، يدخلها من يتقن الإنجليزية أو غيرها، وقد يتأثر الشاب بما ينشر بها من أفكار وآراء ومعتقدات وصور ثابتة ومتحركة، وغير ذلك.وإذا لم يكن لهذه الثقافة الجديدة أهميتها وخطورتها، لما وجدنا بعض حوادث القبض على بعض المدونين وأصحاب المواقع الذين ينشرون آراءهم ضد سياسة بعض الدول، أو يروجون لأفكار مخلة أو منحرفة، تحت شعار حرية الرأي وحق التعبير، ولما سمعنا يوميا عن إغلاق بعض المواقع، أو تشفيرها، أو مراقبتها، فيما يسمى بالرقابة المركزية على شبكة الإنترنت.وإذا تحدثنا باللغة الجديدة، نقول إن هناك مجتمعا عربيا متناميا أصبح له وجود فعَّال في الواقع الافتراضي من خلال شبكة الإنترنت، وظهرت آثاره الملموسة في الواقع الطبيعي، وعلى العواصم الثقافية العربية مراعاة هذا الجانب الذي بات يمثل قطاعا ثقافيا لا يستهان به، خاصة أنه بدأت تظهر كيانات ثقافية افتراضية / واقعية معترف بها رسميا في بلادها، مثل "اتحاد كتاب الإنترنت العرب" الذي تأسس رسميا في العام الماضي بالعاصمة الأردنية عمَّان باعتباره هيئة ثقافية عربية مستقلة، يمكن البدء في التعاون معها لردم الفجوة الرقمية في احتفاليات العواصم الثقافية العربية.