في السعودية، تعتبر إطلالة الأول من الميزان مصدر سعادة كبرى، وفخر شامخ، واعتزاز عظيم. إذ تصهر تبعات إطلالته الحكومة مع الشعب في مراسم احتفالات بهيجة، يستحضر خلالها السعوديون مراحل الكفاح والنضال وحكايات البطولة والشجاعة، ومواقف الحنكة والدراية التي أسهمت بعد إرادة السماء في تأسيس المملكة العربية السعودية على يدي الملك عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود - طيب الله ثراه.وكعادتهم، ألف السعوديون الابتهاج لمقدم يومهم الوطني، وأعدّوا العدة للابتهاج في مسيرات حب وولاء، خصوصاً وقد تزامن توقيته مع إجازة عيد الفطر المبارك، إلا أن حدثاً جللاً غيّر تلك العادة، وأشاح نواظر السعوديين عن تلك الكرنفالات والمسيرات بعد أن تسمّروا يرقبون دخولهم مرحلة مفصلية في تاريخ وطنهم، تحلق بهم إلى عوالم العلم والمعرفة التي تنطلق من «ثول»، فقد تزامنت تلك النقلة النوعية مع إطلالة اليوم الوطني الذي استحال عيده أعياداً.توهجت ثول وارتدت أبهى حللها ليل بعد إعلان خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، افتتاح جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية «كاوست» رسمياً وسط حضور «خيالي» من الساسة والمسؤولين ورجال العلم والثقافة والدين والأدب. لينطلق من منارة «كاوست» نور العلم الوهاج لينير تلك القرية الساحلية «المنسية» على ضفاف شواطئ البحر الأحمر «غرب السعودية». ولتستحيل «ثول» من قرية «منسية» تقع شمال محافظة جدة «ثاني أكبر المدن السعودية» وتبعد عنها 80 كيلو متراً، يعمل قاطنوها في صيد الأسماك، إلى واحدة من أشهر معاقل العلم والمعرفة في العالم، ولينشطر سكانها ما بين راغب في الاستفادة من هذا التوجه العلمي والاقتصادي الجديد وجني ثمرات الوظائف التي توفّرها جملة المشاريع التنموية الكبرى التي تدور عجلاتها قربهم، وآخرين فضلوا الركون إلى البحر الذي اعتادوه وآلفهم، على أن ينعموا بجملة من المشاريع التطويرية التي طالت ميناءهم، وانعكست ثمارها إيجاباً عليهم.دلفت ثول مواطن المجد، ونقشت أحرفها على صفحات التاريخ الخالدة بأحرف من نور، بعد أن جسدت العزيمة والمثابرة حلم خادم الحرمين الشريفين على أرضها واقعاً شامخاً، بصم على تميزه عشرات رؤساء الدول الشقيقة والصديقة، وصادق عليه عشرات الفائزين بجائزة نوبل، وزحف نحوه مئات العلماء، ولا زال آلاف العباقرة الأفذاذ يمنون أنفسهم بأن يجدوا لهم موطئ قدم بين حنايا «كاوست» التي ولدت كبيرة، شاهقة، شامخة، وأسرت الألباب وسكنت الخوالج منذ إطلالتها الأولى.وعلى مساحة 36 مليون كيلو متر مربع على شاطئ البحر الأحمر، أنُشئت جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية لتكون جامعة دولية للأبحاث على مستوى الدراسات العليا تكرس جهودها لانطلاق عصر جديد من الإنجاز العلمي في السعودية، على أن تطال ثمارها الإيجابية العالم أجمع. ويحكم جامعة الملك عبدالله مجلس أمناء مستقل دائم ويدعمها وقف يبلغ بلايين عدة من الدولارات، وترتكز على أساس الجدارة وترحّب بالرجال والنساء من جميع أنحاء العالم وتلتزم بالمبادئ التأسيسية التي تنص على إنشاء مجتمع دولي من العلماء الذين يكرسون جهودهم للعلوم المتقدمة، والترحيب بالرواد في مجال العلوم والتقنية والتجارة والأعمال والتعليم من خلال التعيين والشراكات، إضافة إلى توفير الحرية للباحثين للإبداع والتجريب، فضلاً عن تجسيد أعلى المعايير الدولية في المستوى العلمي والبحوث والتعليم والتعلم، وتوفير الحرية الكاملة للحصول على المعلومات وتبادل المعارف والمهارات والخبرات لتحقيق النمو والازدهار الاقتصادي، واحتضان وحماية حرية البحث والفكر والنقاش فيما يتعلق بالعمل العلمي.و تسعى جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية «كاوست» لتحقيق خطتها البحثية من خلال أربعة محاور استراتيجية تركز على مجالات العلوم والتقنية التي تهم المملكة والمنطقة والعالم، المتمثلة في الموارد والطاقة والبيئة، والعلوم البيولوجية والهندسة البيولوجية، وعلم وهندسة المواد، والرياضيات التطبيقية والعلوم الحاسوبية. وتعمل «كاوست» على تقدم العلم والتكنولوجيا من خلال البحوث الجريئة والتعاونية، وتثقيف القادة العلميين والتكنولوجيين، وحفز تنويع الاقتصاد السعودي، والتصدي للتحديات ذات الأهمية الاقليمية والعالمية. وستقوم الجامعة أيضاً بإجراء البحوث العلمية التي تؤدي إلى الاكتشافات والاختراعات في المجالات الاستراتيجية.إلى ذلك، تعتبر التنمية الاقتصادية إحدى الركائز الأساسية لمهمة جامعة الملك عبدالله للعلوم والتقنية «كاوست»، إذ تعتمد على أفضل الممارسات العالمية، وتعمل على تأسيس مجتمع للبحوث يعزز الإبداع والابتكار. وستدعم الجامعة التحالفات مع المؤسسات الأكاديمية والقطاع الخاص من خلال مكتب نقل التكنولوجيا، وبرنامج التعاون الصناعي، وحاضنة الأعمال التجارية، وبرنامج تنظيم المشاريع، وشبكة رأسمال الاستثماري. ويشمل مجتمع الجامعة مدينة للبحوث لدعم الأعمال الجديدة، وتوفير قاعدة للشركات القائمة للاستفادة من خبرة مجتمع الجامعة في العلوم والهندسة. ويضم هيكلها الأكاديمي فرقاً في مختلف التخصصات حول أبحاث تطبق العلوم والتقنية على المشكلات المتعلقة بالحاجات البشرية والتقدم الاجتماعي والتنمية الاقتصادية. ويمكن الخلوص إلى أن «كاوست» جامعة عصرية للأبحاث لا تشبه أي جامعة أخرى، تهدف إلى ازدهار الشبكات المادية والبشرية، وتمارس عملها بصفة عامة من دون اعتبار للحدود التنظيمية أو الوطنية، بما يؤدي إلى إيجاد وسيلة حيوية لتبادل الأفكار وتطوير معارف جديدة. وتخلو «كاوست» من المعوقات المؤسساتية والبيروقراطية، وتسمح لطالباتها بقيادة السيارات داخل حرمها الجامعي، وهو يمثل فلسفة أكاديمية حرة ويشجع علاقات الزمالة التي تثمر ابتكارات وإبداعات. ويعمل طلابها وباحثوها على تنمية القدرة على تغيير الصناعات القائمة وإنشاء صناعات جديدة، جنباً إلى جنب مع شركاء من كل من تحالف التميز الأكاديمي وشراكة الأبحاث العالمية في مشاريع أبحاث خاصة في جامعة الملك عبدالله. ويمكن القول إن «كاوست» تضع الارتقاء بأبحاث العلوم والهندسة في المجالات التي لها أهمية لمستقبل السعودية والمنطقة والعالم نصب عينيها، وتعمل على تطوير وتقوية وتنويع قدراتها البحثية في حرمها الجامعي، بحيث تكون وثيقة الصلة بكل من مجتمع الأبحاث العالمي وبرامجها التعليمية للدراسات العليا. وتنحصر أبحاثها في أربعة محاور استراتيجية أساسية. تتمثل في «الموارد، والطاقة والبيئة، وعلم وهندسة المواد، والعلوم الحيوية والهندسة الحيوية، والرياضيات التطبيقية والعلوم الحاسوبية».