المرشدي يروي حكاية أغنية الثورة السبتمبرية :
[c1]* سعيد الشيباني : شعبي ثار اليوم جدد ماغبر / لاينال المجد إلا من صبر* لطفي أمان : ثورة الحق على الظلم صواب / دفنت كل المآسي في التراب [/c]لانبالغ اذا ما قلنا أن الفنان اليمني الكبير الأستاذ/ محمد مرشد ناجي يشكل جزءاً هاماً وحيوياً من ذاكرتنا الوطنية من خلال الأعمال الوطنية العظيمة التي قدمها للوطن وللثورة وللوحدة .. وطبعاً نحن لانلغي هنا الدور العظيم الذي لعبه نخبة من الفنانين اليمنيين الكبار في التعبير عن مشاعر الشعب اليمني في كل المراحل وكل الأحداث على مدى نصف قرن .. ولكننا نرى وهذه وجهة نظر شخصية ان الفنان محمد مرشد ناجي قد لعب الدور الاكبر في التعبير عن مختلف المراحل التي عشناها طوال السنوات الماضية .. بل وانه واصل نضاله الوطني والفني للتعبير عن أعظم الانتصارات التي حققها شعبنا اليمني .كان الغناء الوطني بالنسبة للمرشد معارك يخوضها ضد اعداء الوطن والحياة والشعب والوحدة .. وهذا ما جعل هذه الاغاني الوطنية تعيش في وجداننا وتؤرخ لتلك الأحداث العظيمة التي عشناها.محمد مرشد ناجي .. الذي يرقد حالياً مريضاً في مستشفى "الأسد" في دمشق والذي نرفع ايادينا متمنين له الشفاء والعودة السريعة إلى محبيه لينور لهم لياليهم الرمضانية مثلما تعود كل عام .. المرشد هنا يروي لنا حكاية اغنية من أهم الاغاني الوطنية التي حملت الينا بشرى قيام وانتصار ثورة السادس والعشرين من سبتمبر العظيمة لنتذكرالدور العظيم الذي لعبته الاغنية الوطنية والمبدعون اليمنيون بعد اربعة واربعين عاماً من انتصار الثورة السبتمبرية ( 1962م ـ 2006م).يقول فناننا الكبير عن أغنية "شعبي ثار اليوم" التي ألهبت حماس الجماهير عندما غناها المرشد بعد شهر تقريباً من انتصار الثورة:قصيدة "شعبي ثار اليوم" قدمتها في حفلات كثيرة في كل من "عدن" و"المكلا" و"صنعاء والاخيرة " دعيت اليها مع الفرقة الموسيقية للمشاركة في احتفالات الذكرى الأولى لثورة 26 سبتمبر 1963م من قبل الأستاذ علي ناصر العنسي مستشار رئيس الجمهورية لاجهزة الاعلام وقتئذ.وصحبت معي في الرحلة المطرب محمد صالح العزاني والمنلوجست فؤاد الشريف وفرقة موسيقية صغيرة بقيادة الفنان احمد تكرير .. وفوجئنا بوصول المطرب الكبير يسلم دحي من المكلا فاشركناه معنا في الحفلة .وفي الحفلة التي اقمناها في "السينما" كان في مقدمة الحاضرين الفريق حسن العمري نائب رئيس الجمهورية وضيوف الدولة من العرب ، وكان خلفنا صف من الجنود الاشاوس موجهين فوهات رشاشاتهم تجاه جمهور الحفلة لان الجو العام في صنعاء وقتئذ كان مازال موبوءاً ، والاغاني التي قدمناها من غير شك تزعج كثيراً اعداء الثورة .ورحلنا إلى الحديدة بدعوة من عضو مجلس الرئاسة العقيد محمد الاهنومي ، وغنيت في الحفلة " شعبي ثار اليوم" وفي الكواليس تسلمت قصاصة صغيرة من الأستاذ القدير " يوسف الشحاري" اعتززت بها كثيراً لمكانة الاستاذ الشحاري في نفسي دون معرفتي به شخصياً في ذلك الوقت .. وفي هذه القصاصة ابدى الاستاذ الشحاري ملاحظة اخطاها السمع ، قال فيها :" اخي الفنان .. احيي فيك روح الثائر .. واحب ان تتكرم بملاحظة ما يلي : أنت تعرف جيداً الجهل الرهيب الذي تعيش فيه أمتك، واصبح كما ارى " مرحباً بالحق من نورك ظهر" بدلاً من "مرحباً بالبدر من نورك ظهر" !!ورحلنا إلى تعز بدعوة من نقابة العمال العامة وهي اول مؤسسة نقابية للعمال بعد ثورة سبتمبر .. وفي الحفلة التي حضرها ضباط الجيش وجمهور كبير قدمت "شعبي ثار اليوم" في نهاية الوصلة الاولى ..والجدير بالذكر ان هذه الاغنية لم يعلن عن اسم مؤلفها في كل الحفلات لسببين :الأول : عندما سمحت لنفسي ـ مضطراً ـ تأليف القصيدة ذاتها التي اهداها لي شاعرها الاول من جديد .. وهذا التصرف بداهة يرفضه الناموس الأدبي مهما كانت الاسباب .والثاني : هو الأسوأ ـ التصرف الذي سلكته أن يتولى شاعر آخر تأليف قصيدة الشاعر الأول ، مع الاحتفاظ بمطلع القصيدة.والشاعر الذي لجأت اليه في التأليف الجديد هو الصديق لطفي جعفر أمان .. وللأمانة استنكر الشاعر الكبير لطفي بادئ الأمر هذا التصرف وسلمت بذلك .. ولكنني في النهاية اقنعته ان يفعل!! وكان لطفي وطنياً قومياً ـ بعد ان شرحت له حاجة الثورة في ظرفها العصيب إلى مزيد من الاغاني الحماسية ، وهذه الحاجة اكبر من أي حق أدبي ومن غضب الشاعر الاعز، وان غضبه سيكون علي لا عليه ما دمت لن اذكر اسمه ـ أي لطفي ـ كالعادة بسبب مركزه الوظيفي الكبير ، وان الشاعر العزيز الاخر لن يعرف انه الفاعل!!والسؤال هنا كيف عرف الشاعر الأول الاستاذ/ سعيد الشيباني ان الاستاذ لطفي هو الفاعل؟! هل الشعراء يعرفون نفس بعضهم بفتح الفاء ـ كما يعرف الملحنون للغناء اسلوب بعضهم في التلحين ، هذا ما لا أعلمه؟![c1]الحكاية .. من البداية [/c]ان الشاعر الطالب سعيد الشيباني " الدكتور حالياً" بعث إلي من القاهرة قصيدة "شعبي ثار اليوم" في 14 / 2 / 1963م وانفعلت بمطلع القصيدة ، ولم استحسن بقية الابيات لغموض بعض المفردات فيها من ناحية ، وطرقها لمواضيع سابقة لاوانها كالتعمير، والتصنيع، والحب، والحلال، وتنبيه المسؤول في الدولة "السلال" بأن يرفع الظلم عن المظلومين .. إلى آخره من القضايا ، ولم يمض على قيام الثورة إلا بضعة أشهر والقتال مازالت تدور رحاه مع اعداء الثورة في السهول والجبال وفي " صنعاء" نفسها!!كتبت للشاعر العزيز "سعيد الشيباني" إلى القاهرة أطلب التعديل في ابيات القصيدة .. وجاء الرد بالسماح لي في بيت واحد .. ولما رأيت أن الوقت سيضيع في المراسلات لبعد المسافة، قررت اللجوء إلى الأستاذ لطفي أمان ، وفي اعتباري ان العزيز الشيباني سيغضب .. ومن حقه طبعاً أن يغضب .. ولابد في نهاية الأمر أن يهدأ عندما يحس كثوري بأن الاغنية قد أدت دورها ، وانه شارك في هذا الدور بصورة أو باخرى.وقد نالني غضبه في المرة الأولى عندما اضفت البيت " أنا فدى السلال" في اغنية "يا طير يا رمادي" وكان غضبه بصورة عتاب مرير .. وكنت أظنه لن يبعث الي قصيدة اخرى، ولكنه عاد، وسعدت بعودته .. وكانت الثانية مني وهي كبيرة كما فصلنا .. فغضب غضباً شديداً وحرر إلي مكتوباً في 4 / 6 / 1963م اختار منه هذه العبارات لطوله:أكتب إليك وأنا في أشد الانفعال .. وقد تمالكت نفسي يومين كاملين حتى لا أندفع بحماس وانفعال لامنطقي فاقهرك، واقهر نفسي .. وكل السبب في هذا تردد اشاعة هنا في القاهرة بشأن أغنية "صوت الشعب" .. تقول هذه الاشاعة بأن الاغنية ليست كما بعثتها اليك، وانما هي كما وضعت تحت وصاية لطفي جعفر أمان ليعدل ويعبث بمعانيها ومفهومها الثوري لتعود إلى هتاف والفاظ لا معنى لها .. وأنا لا الوم لطفي مطلقاً إلا لسبب واحد هو أنه رضي خضوعاً لارادتك ، متناسياً الناموس الأدبي الذي يخضع له كل مثقف ، لهذا الاعتداء على نصوص أي فنان ـ شاعراً كان أم كاتباً ـ إلا برضاه ، وبتفويض منه ان يعدل في القصيدة!!ان لومي العنيف وعتابي الأسود هو واقع عليك أولاً واخيراً .. فأنت في مثل هذا التصرف باعطاء انتاجي الفني لاي شخص، لطفي أو أي شاعر آخر، تهين من كرامتي، وتحقر كل تجربتي وانفعالي وجهودي في انتاج هذه الحروف .. وأنا أتالم منك الماً كبيراً لاني اثق بك .. وانت تعرف " وظلم ذوي القربى أشد مضاضة على النفس.. الخ" ولقد كتبت هذه الأغنية وأنا أهدف بها هدفاً انسانياً ، هو محاربة الطغيان الفردي والشكليات التي تقوم حول أي مسؤول في الدولة .. واعطيت الكلمة فيها للجماهير "الفلاح، الراعي، العامل، الحبيب " وطلبت بجرأة من الفتاة "أن تلطم الرجعي ولاتحسب حسابا " .. ولقد كتبت لي رسالة تطلب فيها تعديل البيت الأول بعد المطلع ، ورددت عليك بأهميته .. بالنسبة للراعي الذي تلفحه شمس الهجير طول النهار وعلى قمم الجبال والهضاب .. وأنا معك ان لفظة "العنزة والجدية" ليستا شاعرتين .. ولكننا لانبحث في الالفاظ عن ترف لغوي .. بل نبحث عن مدلول إنساني يشيع في النفس الانسانية حباً للحياة !!ولقد بلغني ان الاغنية نجحت ، ولكن هذا لايكفي فمهمة الفنان يا أخ محمد ليست اشباع رغبات جمهوره بالانغام .. ولكن مهمته تطوير نفسيات هذا الجمهور إلى مستوى انساني افضل وذلك بالشعور بمهمة الفن وقيمته .ان ترديد الاغاني بدون تفكير ما تعني هذه الاغاني لا معنى له إلا راحة للنفس لاخدمة في تطويرها واشعارها بقيمة الفن.ولست القي عليك محاضرة في مهمة الفن في الواقع ، فلست انت مبتدئاً بالنسبة للفن بل أننا نعتبرك عملاق شعبنا الأول بدون تحفظ ولامراء ، إذ لاحاجة لنا معك بالتحفظ والمراء .فأنا يا أخ محمد لست كأحد المحترفين في تأليف الكلمات ورصها .. فمثلاً اذا طلبت مني أن أؤلف اغنية وحددت لي موضوعها ، فاني لن استطيع ان اضع منها حرفاً طالما أني لا أنفعل بها ، وطالما لاتوجد تجربة تستعبد نفسيتي وتعذبها لكي تخلق الكلمات .أخي محمد .. أنا لا أوافق مطلقاً على التعديلات، وارفض ان تكون كلماتي تحت وصاية أحد .. فإذا اعجبتك كلماتي فخذها كما هي ، أو اطلب مني تعديلها، أو ارفضها رفضاً نهائياً .. فهذا احترام منك لي خيراً من إهانة كلماتي .. وإهانة منك لي بوضع كلماتي تحت رحمة آخرين" .وأرى هنا من المناسب أن اقدم للقارئ العزيز قصيدة "شعبي ثار اليوم" الاصلية بعنوان "صوت الشعب" وقصيدة "شعبي ثار اليوم" بعد تعديلها من قبل الشاعر لطفي أمان .. والحكم للاستاذ سعيد أولاً، والقارئ ثانياً .. ولما يمض على الثورة اليمنية سوى عام واحد، والقتال يدور في كل مكان واستمراره لسبع سنوات .