مع الأحداث
أفضل من تحدث حول قضية (تحريم الاختلاط) في رأيي هو الدكتور يوسف القرضاوي الفقيه المعروف. ورأيه في هذه القضية مؤصل، وقوي، ويتسق مع (تاريخ المرأة) في الإسلام الذي يحاول البعض (إخفاءه). القرضاوي فند هذه القضية وأسهب في الرد على المتشددين، وقرر أن الاختلاط جائز بضوابط شرعية، متى ما توفرت هذه الضوابط يصبح (مباحاً) بل و(مطلوباً)، وعندما تغيب هذه الضوابط يصبح (محرماً)؛ والتحريم هنا ليس لذات الاختلاط، وإنما لغياب الضوابط الشرعية. يقول: (إن كلمة (الاختلاط) في مجال العلاقة بين الرجل والمرأة كلمة دخيلة على (المعجم الإسلامي) لم يعرفها تراثنا الطويل العريض طوال القرون الماضية، ولم تعرف إلا في هذا العصر؛ ولعلها ترجمة لكلمة (أجنبية) في هذا المعنى، ومدلولها له إيحاء غير مريح بالنظر لحس الإنسان المسلم). ويواصل: (خير الهدي في ذلك هدي محمد -صلى الله عليه وسلم- وهدي خلفائه الراشدين، وأصحابه المهديين. والناظر في هذا الهدي يرى أن المرأة لم تكن (مسجونة) ولا معزولة) كما حدث ذلك في عصور تخلف المسلمين). ويواصل: (مشكلتنا كما ذكرت وأذكر دائماً أننا في أكثر القضايا الاجتماعية والفكرية نقف بين طرفي الإفراط والتفريط، وقلما نهتدي إلى (التوسط) الذي يمثل إحدى الخصائص العامة والبارزة لمنهج الإسلام ولأمة الإسلام). ويقول: (كان النساء يحضرن دروس العلم، مع الرجال عند النبي - صلى الله عليه وسلم-، ويسألن عن أمر دينهن مما قد يستحي منه الكثيرات اليوم). ويؤكد أن ما يسمى بمنع الاختلاط لم يكن معروفاً في عصر النبوة ولا في صدر الإسلام، يقول: (تجاوز هذا النشاط النسائي إلى المشاركة في المجهود الحربي في خدمة الجيش والمجاهدين، بما يقدرن عليه ويُحسن القيام به، من التمريض والإسعاف ورعاية الجرحى والمصابين، بجوار الخدمات الأخرى من الطهي والسقي وإعداد ما يحتاج إليه المجاهدون من أشياء مدنية). وهذه الجزئية أهديها إلى بعض المتزمتين من الأطباء الذين يسعون إلى عزل المرأة عن الرجل حتى في مجال الطب، متذرعين بتعاليم الإسلام؛ وها هو فقيه من فقهاء الإسلام-وليس أنا- يؤكد بملء فمه إن هذه الممارسة لا علاقة لها بالإسلام في العصور المتقدمة، ودعك من عصور التخلف. وينتهي الدكتور القرضاوي إلى القول: (إن اللقاء بين الرجال والنساء في ذاته إذن ليس محرماً بل هو (جائز) أو (مطلوب) إذا كان القصد منه المشاركة في هدف نبيل، من علم نافع، أو عمل صالح، أو مشروع خير، أو جهاد لازم، أو غير ذلك مما يتطلب جهوداً متضافرة من الجنسين، ويتطلب تعاوناً مشتركاً بينهما في التخطيط والتوجيه والتنفيذ). ورأي القرضاوي في قضية الاختلاط موجود بالتفصيل في موقعه على الإنترنت، ومدعم بالأدلة الثابتة والشواهد التاريخية، وليس رأياً مطلقاً دونما أدلة؛ وبإمكان من أراد الاستزادة العودة له، والتأكد بنفسه منه. وبعد؛ أليس من حقنا أن نطالب (مرة أخرى) بأن يتاح للجميع (حرية الاختيار)، ولا يُفرض علينا (رأي واحد) طالما أن القضية قضية خلافية بين الفقهاء وليست قطعية؟ [c1]*عن/ صحيفة (الجزيرة) السعودية[/c]