قال تعالى: (وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى) [طه:132] أي : والعاقبة الحسنة من عمل كل عامل لأهل التقوى والخشية من الله، دون من لا يخاف له عقابا ولا يرجو له ثوابا. كما قال تعالى: (وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) [القصص:83] وعن أبي هريرة قال: سئل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن أكثر ما يُدخل الناس الجنة، فقال: “تقوى اللهِ وحسنُ الخُلُقِ”. [رواه الترمذي، وحسنه الألبانيقال الطيبي قوله: (تقوى الله) إشارة إلى حسن المعاملة مع الخالق؛ بأن يأتي جميع ما أمره به، وينتهي عما نهى عنه، وحسن الخلق إشارة إلى حسن المعاملة مع الخلق، وهاتان الخصلتان موجبتان لدخول الجنة. ومعنى الأكثرية أن أكثر أسباب السعادة الأبدية الجمع بين الخصلتين. [تحفة الأحوذي] روى ابن أبي حاتم عن معاذ بن جبل قال: يحبس الناس في بقيع واحد فينادي منادٍ: أين المتقون؟ فيقومون في كنفٍ من الرحمن لا يحتجب الله منهم ولا يستتر. قلت: من المتقون؟ قال: قوم اتقوا الشركَ وعبادةَ الأوثان وأخلصوا العبادة؛ فيمرون إلى الجنة. وقال تعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) [الذاريات:15]، فجزاء المتقين جنات وعيون؛ فيها من النعيم والسرور والغبطة، وتنكير (جنات) للتعظيم. نظير قوله تبارك وتعالى: (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقَامٍ أَمِينٍ . فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ) [الدخان:51-52] عن أبي هريرة t قال: قال رسول الله e: “قال الله عز وجل: أعددتُ لعباديَ الصالحينَ ما لا عينٌ رأتْ ولا أذنٌ سمعتْ ولا خَطَرَ على قلبِ بشرٍ. واقرأوا إن شئتم: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ)” [رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي وابن ماجه] وقال تعالى: (إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا) [النبأ:31-36] أي: الذين اتقوا سخط ربهم، بالتمسك بطاعته، والانكفاف عما يكرهه؛ فلهم مفاز ومنجي، وبُعد عن النار. وقال تعالى: (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لَا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) [الزمر:61] (وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ) أي: بفوزهم، ونجاتهم لإتيانهم بأسباب الفوز، وذلك لأن معهم آلة النجاة، وهي تقوى الله تعالى، التي هي العُدة عند كل هول وشدة. (لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ) أي: العذاب الذي يسوءُهم، (وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) فنفى عنهم مباشرة العذاب وخوفه، وهذا غاية الأمان.فلهم الأمن التام، يصحبهم حتى يوصلهم إلى دار السلام، فحينئذ يأمنون من كل سوء ومكروه، وتجري عليهم نضرة النعيم، ويقولون: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ). وقال تعالى: (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ) [الشعراء:90]، (وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيد) [ق:31] الإزلاف: التقريب. والمعنى: أن المتقين يجدون الجنة حاضرة فلا يتجشمون مشقة السوْق إليها. والجنة موجودة من قبل وُرود المتَّقين إليها، فإزلافها قد يكون بحشرهم للحساب بمقربة منها كرامة لهم عن كلفة المسير إليها، وقد يكون عبارة عن تيسير وصولهم إليها بوسائل غير معروفة في عادة أهل الدنيا. [التحرير والتنوير] وقال تعالى: (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آَسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَات) [محمد:15] وقد استحقوا كل هذا النعيم المقيم لأنهم كانوا في الدنيا قد آخذوا ما آتاهم الله من الأوامر والنواهي، فتلقوها بالرحب، وانشراح الصدر، منقادين لما أمر الله به بالامتثال على أكمل الوجوه، ولما نهى عنه بالانزجار عنه لله على أكمل وجه، فإن الذي أعطاهم الله من الأوامر والنواهي هو أفضل العطايا، التي حقها أن تتلقَّى بالشكر لله عليها والانقياد. فلما سَلَّموا لله واستسلموا كان جزاؤهم من جنس عملهم. قد أعطاهم مولاهم جميع مناهم، من جميع أصناف النعيم، فأخذوا ذلك، راضين به، قد قرت به أعينهم، وفرحت به نفوسهم، ولم يطلبوا منه بدلا ولا يبغون عنه حولا؛ كلٌّ قد ناله من النعيم، ما لا يطلب عليه المزيد. [تيسير الكريم الرحمن (بتصرف)]
|
رمضانيات
والعاقبة للتقوى
أخبار متعلقة