علي حيمد في تقديمه لديوان (راعي وحطابة) :
الشعر هو أرق وأسمى واحب الفنون الادبية واثراها واقواها تاثيراً على النفوس واقربها الى القلوب والشعر هو ذلك الفن الذي تنساب كلماته وجمله وتعبيراته انسياباً كالجداول وتدخل الى القلوب مباشرة دون استئذان ولست مع القائلين بأن ( أعذب الشعر أكذبه - وأقول بأن أعذبه اجذبه وأطربه وأطيبه) والشاعر هو ذاك الذي نرى في تعبيره عن احاسيسه تعبيراً عن احاسيس الناس عامة في قرب الحبيب وفرحة اللقاء وفي البعد والحرمان وفي القسوة والهجران وفي كافة المشاعر التي تنتاب الشاعرٍ بشفافية ورهافة الحس وقدرة فائقة على التقاط بديع الصور، ومرد ذلك اولاً وأخيراً الى الموهبة لان الشعر ان اعتمد فيه الشاعر على الصنعة فسد.بهذه الكلمات البسيطة والمتواضعة يسعدني ان اقدم المجموعة الشعرية الاولى لصوتٍ شعريٍ شعبي عامي صال وجال في رحاب الشعر الغنائي العامي، صوت شعري بديع قرض الشعر منذ ريعان الشباب ، شاعر نشأ وترعرع في بيئة ريفية مشهورة بسهولها وجبالها ووديانها بيئة تنتشر فيها المراعي والسواقي بيئة فيها من المشقة والمعاناة للمرأة اكثر مافيها للرجال.لهذا جاءت مجموعته الشعرية الاولى التي اتشرف بكتابة مقدمتها موسومة بـ ( راعي وحطابة) وهي ايضاً عنوان لإحدى قصائد المجموعة التي تصور معاناة المرأة الريفية التي تتحمل مشاق رعي الاغنام منذ الصباح الباكر حتى وقت غروب الشمس وليتها تكتفي بذلك بل عليها عند عودتها الى بيتها باغنامها عليها أن تعود وهي محملة بالحطب لتستخدمه لأغراض الطباخة كونها تعيش في بيئة ومجتمع لاتتوفر فيه وسائل العصر الحديثة من وسائل الطبخ ووسائل الحياة الاخرى ، حيث عبر الشاعر الرائع علي عمر صالح عن معاناة المرأة الريفية بقوله:[c1]كم لي على ذا التعب صابر***ياماه راعي وحطابةولا سلي يوم لي خاطر***لا بل بختي ولا جابهمن ياللّه اليوم بالباكر***في الطين شارح وصرابة باقول كلمة ومش قادر***مابينكم عيش كاذبة [/c]ويتضح جلياً في ابيات هذا المقطع من قصيدة راعي وحطابة ان الشاعر المبدع علي عمر صالح قد عبر بلسان حال المرأة الريفية عن متاعبها اليومية في رعي الاغنام والعمل في الارض حيث تقوم بحراسة المحاصيل الزراعية ومن ثم القيام بحصاد المحصول وصرابة السبول اي ان اعباء فتاة الريف كبيرة جداً في الارض وفي البيت لان متاعبها في الارض لاتعفيها من القيام بواجبها في البيت كما عبر شاعرنا الجميل علي عمر صالح بلسان البنت الريفية التي ندبت حظها بقولها:لا بل بختي ولا جابه ( أي لا كتب لي هذا البخت والحظ العاثر).إلى ان ينتقل الشاعر الى المقطع الاخر ليعبر عن عبور قطار العمر على الفتاة الريفية وهي محرومة من الحب والحنان والتهني بهما حيث يقول في المقطع الثاني بلسان المرأة الريفية:[c1]ياماه ناقد سرح عمري***محروم قلبي من احبابهسالت دموعي على خدي***لاعشت حبي ولا هنا بهياريت حد منك يدري***هذا التعب ايش دي جابه[/c]كان هذا نموذج من النماذج التي جسدها الشاعر علي عمر صالح في مجموعته الشعرية الاولى التي تحتوي على ست وثمانين قصيدة غنائية بين عاطفية ووطنية تميزت ببساطة الروح وتلقائية الكلمة البسيطة في مفرداتها وشيوع كلماتها وواقعية خيالاتها ورقة عباراتها قصائد تميزت ايضاً بترجمتها لمشاعر المحبين ترجمة صادقة حيث عاش الشاعر في كل قصيدة من القصائد التي احتوتها مجموعته الشعرية وصبغها بطابع الواقعية والانسانية متكئاً على تجاربه الحياتية الخاصة وعلى واقعه وبيئته التي عاشها.لقد استطاع الشاعر الشعبي علي عمر صالح ان يجد لنفسه موطئ قدم بين شعراء جيله جيل اواخر السبعينيات ومطلع الثمانينيات من القرن العشرين وماتلاها وهي الفترة التي بدأ فيها ذيوع صيته واصبح اسماً معروفاً له مكانته المرموقة في الوسط الادبي والفني كواحد من اهم وابرز شعراء الاغنية وقد استطاع من خلال موهبته ان يقنع كثير من كبار الملحنين المعروفين في الساحة الفنية اليمنية ان يتعاملوا معه وان يقوموا بتلحين عدد غير قليل من اعماله نذكر منهم الملحن الكبير الاستاذ احمد صالح بن غودل والفنان المعروف الاستاذ عصام خليدي والفنان القدير الاستاذ نجيب سعيد ثابت والفنان الكبير الراحل محمد سالم بن شامخ وغيرهم كثير حث ان المجال لايتسع لاستعراض كافة الاسماء التي غنت لشاعرنا المبدع علي عمر صالح ومن الاصوات النسائية التي غنت له فنانة اليمن الكبيرة امل كعدل والفنانة الراحلة منى همشري وايمان ابراهيم ونوال محمد حسين.لقد انفرد الشاعر علي عمر صالح باسلوب شعري اخاذ وبناء للقصيدة لاتجد فيه اي اهتزاز ولاتعب ينتابه وهو ينسج قصيدته واستطيع القول انه شاعر متمكن يجيد المجاراة الشعرية ويمتلك النفس الطويل في كتابة القصيدة الغنائية الشعبية دون كلل او ملل لذلك فانه من الشعراء الشعبيين القلائل الذين امتازوا بغزارة عطاءاتهم الشعرية .وكون الشاعر علي عمر صالح ابن بيئة ريفية فإن ذلك قد عكس نفسه على قصائده التي احتوتها مجموعته الشعرية ( راعي وحطابة) وبذلك يجسد المقولة التي تقول ان الشاعر ابن بيئته ، واتضح ذلك جلياً في جميع اعماله التي اتسمت بالصدق النابع من قلب مفعم بحرارة الشوق تتنفس غنائياته بانفاس الربى ومن روحه يسقيها وكأنما الدموع ترويها ويقول الشعر فلا ترى في قصائده غير الصدق المجسد للواقع المعاش والمعاناة التي عاشها ويعيشها فلقد عاش علي عمر صالح معظم سنين حياته في بؤس وحرمان وغبن حيث عكس ذلك في الابيات التي يقول فيها.[c1]وين اشتكي بس ياعالم***أنا زماني غدر بيهسلط عليه بشر ظالم***وباعني واشترى فيه[/c]فلقد ترجم في هذين البيتين غدر الزمان وظلم الحبيب الذي باعه بيعة الرخص وكما قال الشاعر صالح فقيه رحمه الله : يابيعة الرخص من بعد الغلا والزبون.إلى أن ينتقل الشاعر في أبيات هذه القصيدة إلى قوله :[c1]من دون أسباب عذبني***وفوق ذا اشتكى بيهالحق له رجعه عندي***كلام واسباب وهميةكيف البصر كيف باسوي***احرمني الحق ذي ليهايش صار ياناس في الدنيا***حتى قريبي رضي بيه [/c]ومطلع هذه الابيات يذكرني المقولة: ( ضربني وبكى سبقني واشتكى)وما أصعب الغدر عندما يأتيك من اقرب الناس اليك وصدق الشاعر عندما قال :[c1]وظلم ذوي القربى اشد مضاضه***على النفس من وقع الحسام المهند[/c]وفي قصيدة اخرى يترجم شاعرنا علي عمر صالح قدرته على التحلي بالصبر وبالذات الصبر على الحبيب الذي لايضع قدر اوقيمة للحب اي الذي لايدرك معاني الحب حيث يقول :[c1]صبرك على الحب يا قلبي***كم ناس في الحب صبارةدي ماعرف شي ولا يدري***مايعرف الحب واسرارهعاد الهوى شب في قلبي***دقت طبوله ومزمارهلا حد نشر عادنا بسري***وبعطي القلب ما ختاره [/c]ومما ينبغي الاشارة اليه هو ان الشاعر علي عمر صالح احد مناضلي الثورة اليمنية فلقد كانت له اسهامات في صفوف الحركة الوطنية اليمنية حيث كان احد الثوار المناضلين الذي خاضوا معارك ضارية من اجل نيل الحرية والاستقلال لجنوب الوطن اليمني الذين كان يرزح تحت نير المستعمر وكتب العديد من القصائد الوطنية التي تتضمن هذه المجموعة عدداً منها.كما كان الشاعر علي عمر صالح احد الشعراء الذين بشروا بالوحدة اليمنية وكتب للوحدة اثناء وبعد تحقيقها عدد من القصائد الرائعة التي ذاع صيتها منها انشودة ( فرحتي ياشعب تكبر) الذي يقول في مطلعها:[c1]حققوا مجد الخلود***في اليمن ارض الصمودوالفرح ماله حدود***شعبنا هلل وكبرفرحتي ياشعب تكبر[/c]وهو الشاعر الذي قال :[c1]كلهم بايحبوك***يوم شافوك يشتوك والنبي مايمسوك***حارسك دوب يقضان وانت من نسل قحطان[/c]إن دوحة اشعار الشاعر الشعبي اليمني الكبير علي عمر صالح مليئة بأجمل الزهور وازكى الرياحين الشعرية التي احتوتها هذه المجموعة ووضعها الشاعر بين يدي القارئ العزيز الذي نأمل ان يجد المتعة وهو يتنقل فيها من زهرة الى اخرى يشم من خلالها عبير الفضاءات الريفية ذات الهواء النقي، انه بحق واحد من الشعراء الذين اثروا الفن اليمني الاصيل بالذرر الثمينة بأعمالهم الغنائية وأن صدور هذه المجموعة ستكون إضافة حقيقية إلى شعر الغناء اليمني بمختلف الوانه وستكون ايضاً بمثابة تشجيع للشاعر ورفع معنوياته خاصة وانه يعيش ظروف صحية صعبة ، ونسأل الله العلي القدير ان يمده بالصحة والعافية والعمر المديد وان يستمر على الاصرار في العطاء وهذه المجموعة مجرد جزء من كثير في حوزة الشاعر الشعبي الكبير علي عمر صالح.[c1]نبذة عن حياة الشاعر [/c]الاسم : علي عمر صالح ناصر امسعيديمن مواليد محافظة ابين مديرية مودية قرية تنوخ عام 1945م.متزوج واب لـ (12) من البنين والبنات.تلقى تعليمه الابتدائي والمتوسط في قرية امخديره م/ ابين ولظروف الاسرة التحق بالجيش عام 1963م ثم التحق بالعمل بالمؤسسة العامة للدواجن م/عدن.عضو اتحاد الادباء والكتاب اليمنيين.عضو اتحاد الفنانين اليمنيين.عضو جمعية تنمية الموروث الشعبي اليمني.عضو منتدى باهيصمي الثقافي الفني م/عدن.حالياً متقاعد.لحن وغنى له العديد من كبار الفنانين اليمنيين.