قصة قصيره
فتح التلفاز كانت زوجته قد استلقت بجانبه استعداداً لأخذ قيلولة ما بعد وجبة الغداء.. طلبت منه إغلاقه أو خفض صوته ... كانت نشرة الأخبار قد بدأت.. " هذا وقد صرح مصدر مسؤول ان حكومته قد رصدت مبلغ 25مليون دولار لمن يدلي بمعلومات او يساعد على القبض على المشتبه به.. " أغلق التلفاز واستلقى بجانبها.. وضع يديه تحت رأسه وعيناه متبتتان في السقف وفي رأسه أفكار تتزاحم بشدة.. قال كمن يخاطب نفسه : لو انني فعلت ما طلبوه وحصلت على ذلك المبلغ .. يا الهي ... لم تعلق زوجته بشيء .. كان يعرف انها لم تنم.. جلس على السرير واستطرد يقول بطريقة كأنما يعمل لاغاضتها.. لو حدث ذلك حقاً سأفعل أشياء كثيرة. سابدأ اولاً ببناء " فيلا " بطابقين قبل كل شيء ثم سأشتري سيارة جميلة وساترك تلك الوظيفة اللعينة التي لا يكفي راتبها لتغطية احتياجات عشرة ايام.. و لسددت كل ديوني التي تعشعش فوق رأسي مثلما الكوابيس.. ثم أخذت والدي للعمرة اولاً ثم لحج بيت الله العتيق... و ... سكت متعمداً ليثيرها .. انقلبت إليه سائله بفضول لا يخلو من حدة.. وماذا ؟!!!! قال بهدوء المنتصر .. .. لا ادري !!! ربما فكرت بمشروع ما ويمكنك ... قاطعته بحدة وقد نهضت جالسة ... أنا لم اسألك عن ذلك.. فكر بما شئت وافعل ماتريد. .. بل عن أمي ؟!!! سأل بنفس هدوئه : ماذا بها ؟!!! الن تأخذها إلى الحج هي الأخرى ؟!! قال لها بجدية : ولكنها ذهبت قبل عامين واعتقد... قاطعته صارخة وقد استوت على ركبتيها: بل ذهبت للعمرة وليس للحج ... المهم انها ذهبت .. اما أمي وأبي فلم يذهب احدهما لا للعمرة ولا للحج وتلك أمنية أتمنى ان أحققها لهما وهي أمنية.. شدته من كتفه مقاطعة صارخة بجدية وتحدٍ وبنبرة آمره ... اسمع يا هذا ... بل ستأخذني وامي معكم والا فانني واقسم على ذلك ساعمل كل ما بوسعي حتى افسد عليك وعليهم السفر .. وانت تعرفني جيداً ... اجابها مهدئاً وبشيء من الجدية ... نعم اعرفك اكثر مما اعرف حتى نفسي يا عزيزتي .. عليك ان تهدأي وان تفهمي جيداً .. فانا لم اقل انني لن اسافر بها .. بل سافعل بالتاكيد وهذا ما افكر به صدقيني .. سآخذك انت وامك ولكن في العام القادم .. احتدت اكثر كانما قد اهينت : كلا .. بل هذا العام .. اما وان تأخذنا معكم او ان تؤجل زيارة والديك للعام القادم .. فانت تعرف ان امي تعاني من آلام القلب ولماذا .. قاطعها بهدوء وخبث : الاعمار بيد الله يا عزيزتي .. سادعو الله ان يطيل بعمرها حتى العام القادم .لعلعت وهي ترد له الصاع .. اعرف قصدك ايها الخبيث .. انني افهمك جيداً .. ان والديك بصحة جيدة ويستطيعان ان يذهبا حتى بعد عشر سنوات .. احتد هو الاخر .. نسى هدوءه ورفع صوته متهماً : لماذا تكرهينهما هذا الكره كله ؟! انك لا تبحثين عن اسعادهما قط .. بل كلما تحدثت عنهما سرعان ما تنقلبين رأسا على عقب ولون وجهك يتغير .. انني لا اتحدث عن امك بهذا السوء ابداً ولو كان الامر بيدي لفعلت كل شيء من اجلها .. كأنما صب الزيت على النار .. اشتد صراخها واحتدت اكثر وقد ساءها اتهامه لها .. انت ؟!!! انت هذا الذي تتحدث الان ام انني اسمع شخصاً اخراً غيرك ؟! لماذا تكذب ؟! هل افعل انا ذلك ؟! انك انت الذي تخلق الشجار لاي سبب اذا ما حدثتك عن امي .. لا ادري ماذا فعلت بك .. انها تحبك وتحترمك .. " يغالبها بكائها بسبب انفعالها .. وتخرج كلماتها ممزوجة بحشرجة بكاء " انني احاول جل ما اقدر ان اصورك عند امي بغير حقيقتك حتى لا تتأثر .. هل تنكر كم رفضت مرافقتي كلما طلبت منك زيارتها ؟! بل حتى رفضت ان تزورها مرة واحدة وهي في المستشفى .. وكنت اقول لها انك مسافر .. ام انك .. " لم تستطع ان تواصل فانفجرت باكية تنتحب " . صرخ بأعلى صوته غاضباً وهو يخبط يداً بيد .. لا اله الا الله .. اليس لديك غير " اهيء ، اهيء " كلما احتد النقاش بيننا ؟! لقد مللت سماع اسطوانتك هذه التي تكررينها دائماً ولا تملين منها .. تبدأين الصراخ ثم الشتم واخيراً البكاء .. اسمعي يا امرأة .. لا اريد ان اسمعك كلاماً لا تودين سماعه ... وهنا حمى وطيس النقاش بينهما اكثر ليتحول الى صراخ وشتم وتداخل كلامهما وصوتهما معاً .. دخلت ابنتها قادمة من كليتها على صراخهما رمت بكل ما تحمله من كتب على الارض غاضبة صارخة فيهما بدهشة واستغراب : ما بالكما ؟! اهدءا .. ماذا حدث ؟! علاما هذا الصراخ والعويل والبكاء ؟! ما الامر ؟! هل حدث مكروه لا سمح الله ؟!! سكتا .. كانت لحظة اكثر قسوة ومرارة على نفسيهما وهما ينظران الى ابنتهما التي فاجأتهما وقد اعتلى وجهيهما الحياء والخجل الشديدين .. ثم نظر كل منهما الى الاخر .. وعلامات كبيرة ترتسم قاسية على ملامح كل منهما هي مزيج من الحيرة والدهشة والاستغراب وشيء من الغضب .. لم ينطق احدهما بشيء .. قالت ابنتهما مستطردة قبل ان تخرج من الغرفة وقد بدأت تخلع ملابسها : حسناً .. ذلك شأنكما ولا دخل لي فيما بينكما .. اسمع يا أبي .. لقد طلبوا اليوم رسوم العام الجديد وغداً هو اخر يوم للدفع .... التفتت اليه معاتبه وربما بخبث : لا بأس .. كل ذلك لم يعد يهمني .. افعل ما شئت . وخذ مشاريعك واذهب حيث تريد .. سأتنازل عن طلبي من اجل ابنتي .. ادار لها ظهره كانما لا يريدها ان ترى ضعفه وكان قد شعر بحرج موقفه فقال لها بصوت هو اقرب الى الندم والاعتذار .. يالقسوة قلبك يا عزيزتي .. تعرفين اننا لا نملك ثمن قطعة سمك ليوم غدٍ فمن اين لي ان ادبر لها رسوم الكلية ... مرت لحظات غرق فيها بكل همومه حتى العمق .. تنبه .. اخذ نفساً عميقاً حاول جاهداً ان يرسم على وجهه ابتسامه ودودة تحول اليها .. فوجدها قد نامت .. وعلى وجهها آثار الدموع ..