لبدة
عن بقعة يختلط فيها الماضى بالحاضر، والخيال بالواقع، يمكن وصفها بأنها لؤلؤة فى قلب محار، هذه المدينة التى نشتمّ فيها عبق الحضارات التى يتنفسها البحر عبر نسيمه فى وجه السماء، أما عن رمال شاطئها فنجدها متاثرة لترسم ملامح من قطنها عبر السنين مصورة أجمل اللوحات الفنية.تقع مدينة «لبدة» الأثرية شرقى مدينة الخمس اذ تبعد عنها مسافة 3 كم، أما عن العاصمة طرابلس فنحو 123 كم، وكانت بداية لبدة عندما استخدمها البحارة والتجار الكنعانيون الفينقيون كمرفأ يلجأون إليه أثناء رحلاتهم، وقد أخذ هذا المرفأ بالنمو إلى ان أصبح من أهم ما وجد على حوض المتوسط.سميت لبدة الكبرى بغية تمييزها عن مدينة تحمل نفس الإسم واقعة فى تونس، وقد ورد ذكر لبدة فى كثير من المصادر التاريخية القديمة بأسماء شتى منها «لبتس ماجلي» باليونانية، و»ليبتس ماجنا» باللاتينية إذ يعتقد أن الأخير مشتق من إسمها البونيقى «لبقي»، كما أطلق عليها اليونانيون أيضا ليبتس «تيابوليس» أى المدينة الجديدة.من مميزات موقع لبدة قربها من مناطق زراعية مهمة مثل مرتفعات الحسان الثلاثة: ترهونة ونهر السنبس ووادى كعام، ولإبراز هذا الثراء الذى تجود به المنطقة . وتاريخ نشأة مدينة لبدة كما يذكر بعض علماء الآثار يرجع إلى بعد تأسيس قرطاجة الكائنة الآن فى الضاحية الشمالية لمدينة تونس العاصمة، وذلك سنة 814ق.م، وفى رواية أخرى يتم إرجاع تأسيس لبدة إلى القرن السادس ق. م، وما يؤكد ذلك ما تم العثور عليه من خلال الحفريات التى قامت بها جامعة بنسلفانياسنة 1961م، حيث عثروا على قطع فخارية بالقرب من ميدان المدينة ترجع إلى ذلك العهد، ولكن لم يتم العثور حتى الآن على مبانى المدينة التى تعود إلى العهود الفينقية، حيث لم يخلف هذا العهد سوى المقابر البونيقية تحت منصة مسرح لبدة الرماني، وهذه المقابر تضم أوانى وأوعية فخارية من القرنين الرابع والخامس ق. م.فى الفترة التى كانت فيها خاضعة للسلطة القرطاجية صمدت المدينة فى وجه نوميديا الافريقية، حتى أنها استطاعت أن تبقى واقفة حتى بعد خراب قرطاج على يد الرومان، ثم انضوت تحت حكم الممكلة النوميدية بصفة استقلالية، ويذكر أحد الكتاب الرومانيين فى إحدى مذكراته عن لبدة بأنها حافظت على الشرائع والعادات الفينقية ولم يطل التأثير سوى لهجتهم، ويعلل ذلك باندماج أهل المدينة مع الأفارقة من خلال التزاوج.وفى الوقت الذى دخلت فيه روما فى حرب مع نوميديا رغبت لبدة فى أن تكون حليفة لها وبالفعل فقد تجاوبت روما معها وأصبحت لبدة جزء من أفريقيا الرومانية وهنا كان السبب فى ما فرضه يوليوس قيصر من غرامة .إن ما كشفت عنه التنقيبات فى آثار لبدة يقتصر فقط على المدينة بأدوارها الرومانية المتعاقبة شاملة التحصينات التى أقامها البيزنطيون فى آخر مرحلة من حياة المدينة، كذلك أقواس النصر والطرق الرئيسية وأهمها الطريق الطولى والطريق العرضى وما سبق ذكره من معالم.